أصبحت ايران على حافة خسارة الدعم الاوروبي بشأن استمرارية الاتفاق النووي، وذلك بعد تبني مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة النووية في ڤيينا مؤخرا قرارا يطالب إيران بالتعاون الكامل مع مفتشي الوكالة والسماح لهم بالوصول إلى موقعين نوويين تحوم حولهما ظنون بأنهما احتضنا أنشطة نووية سابقة قد تكون على علاقة بتجارب لإنتاج سلاح نووي.
وعلى الرغم من الطابع الرمزي لهذا القرار حيث ليس له تبعات مباشرة فورية الا انه يكتسب أهمية استثنائية في ضوء أن طرحه جاء بطلب مشترك من فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وهي الدول الثلاث الموقعة على الاتفاق النووي، والتي مازالت ترفض ضغوط واشنطن للتخلي عنه، لا بل إنها سعت لمساعدة إيران في الالتفاف على سياسة «الضغط الأقصى» التي فرضتها على طهران.
ولذا يمكن فهم هذه القرار، وفق ما نقلت صحيفة «الشرق الاوسط» اللندنية عن مصدر ديبلوماسي أوروبي في باريس، على أنه تعبير عن استياء العواصم الاوروبية المعنية من الأداء الإيراني، وفي الوقت عينه السير خطوة ثانية باتجاه المواقف الأميركية المتشددة بعد ان وجدوا أنفسهم في موقف غير مريح.
فالأوروبيون يواجهون من جهة الضغوط الأميركية، ومن جهة مقابلة الرفض الإيراني، ولديهم في الوقت ذاته قناعة عميقة بأن وصول المفتشين الدوليين إلى المواقع الإيرانية وفق الاتفاق النووي وبموجب «البروتوكول الإضافي» الذي يعطيهم الحق بتفتيش كل المواقع التي يريدونها، هو العنصر ربما الأخير الذي أبقى الاتفاق على قيد الحياة بعد أن تحللت طهران تباعا من غالبية التزاماتها فيه.
وحتى الآن، بقي الأوروبيون مقتنعين بأن إيران مازالت متمسكة بالاتفاق، واكتفوا، في الأشهر الماضية، حتى بعد تفعيل آلية فض النزاعات، بتكرار دعوتها إلى التراجع عن انتهاكاتها له، من خلال رفع نسبة التخصيب أو حجم مخزون اليورانيوم المخصب أو نوعية أجهزة الطرد المركزية المستخدمة التي تسرع وتيرته ونسبته أو إطلاق العنان للبحوث والتجارب، وهذه القناعة دفعت وزيري الخارجية الفرنسي والألماني إلى التأكيد أن الاتفاق هو الإطار الأفضل لمنع إيران من حيازة السلاح النووي.
ولكن، إذا استمرت إيران في التمنع ورفض وصول المفتشين إلى مواقع إضافية بحجة أن المعلومات بشأنها وصلت إلى الوكالة من جهات معادية وعلى رأسها إسرائيل، فإن الحجة الرئيسية للتمسك بالاتفاق تسقط عندها من أيدي الأوروبيين.
وليس من المستبعد أن عزلة إيران والتصلب الأوروبي المستجد هما ما دفعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى إبراز شيء من الليونة بقوله في تغريدة، عقب التصويت على القرار في ڤيينا، إنه «من الممكن التوصل إلى حل مناسب» لطلب الوكالة الدولية. وهذا يعني أن طهران استوعبت الرسالة بمخاطر خسارة التفهم الأوروبي.
وثمة معركة حامية في الأمم المتحدة، في الأسابيع المقبلة، عنوانها نهاية الحظر الدولي المفروض على السلاح التقليدي لإيران في شهر اكتوبر المقبل، وهو ما تسعى واشنطن لتمديد العمل به. لذا، فإن طهران بحاجة للأوروبيين الذين يواجهون ضغوطا أميركية قوية للالتحاق بمواقف واشنطن وخططها. من هنا، ليونة طهران الاخيرة وإعلانها استعدادها للتفاهم مع الوكالة الدولية. وتقول مصادر أوروبية إن الإيرانيين بارعون في إدخال المفاوضات في متاهات وإثارة مسائل غرضها الإلهاء وكسب الوقت.
وثمة قناعة أوروبية متجذرة بأن إيران، رغم خروجها التدريجي من الاتفاق النووي، مازالت تواجه سياسة «الضغط الأقصى» الأميركية بسياسة «الصبر الاستراتيجي» التي تعني عمليا انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجرى في شهر نوفمبر المقبل.