بقلم: مستشار الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي
في وجه جائحة فيروس كورونا المستجد المفاجئة التي تركت تداعيات على العالم بما فيه الصين والدول العربية، خاض الجانبان الصيني والعربي معركة مشتركة بالتضامن والتساند، مما ساهم في تعميق العلاقات بين الجانبين والارتقاء بها الى مستوى جديد.
لا يصقل الذهب الخالص إلا بالنار، ولا تعرف الصداقة الخاصة إلا في الشدائد. لما كانت الصين في أصعب أوقاتها في مكافحة الجائحة، أعرب قادة الدول العربية عن تضامنهم وتعاطفهم لها من خلال بعث الرسائل والبرقيات والمكالمات الهاتفية، تعبيرا عن الدعم السياسي القوي للجهود الصينية في مكافحة الجائحة.
وأصدرت الدورة الـ 53 لاجتماع مجلس وزراء الصحة للدول العربية بيانا يدعم الجهود الصينية في مكافحة الجائحة.
وتحركت الدول العربية بسرعة، حيث تبرعت لنا بأكثر من 10 ملايين كمامة وغيرها من المواد الطبية التي كنا نحتاج اليها بشدة.
وتمت إضاءة برج خليفة الإماراتي وهو أعلى المباني في العالم بكلمات مشجعة «شد حيلك يا ووهان»، وتمت إضاءة الأهرام المصرية بالعلم الوطني الصيني في «عرض الضوء» الرائع، كان الأصدقاء العرب يبادرون الى تشجيع الصين بتصوير مقاطع الفيديو وإرسال تسجيلات الأغاني، كما شارك كثير من الطلاب العرب الوافدين والجالية العربية في الصين في الأعمال ضد الجائحة بالتبرعات المالية والمادية والقيام بالأعمال التطوعية.
كانت هذه الأعمال الحسنة تؤثر وتشجع أبناء الشعب الصيني البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة. ستظل هذه المشاعر الأخوية من الأصدقاء العرب محفورة في قلوبنا.
«قدمت لي خوخا، أرد عليك بيشم». تتعاطف الصين مع الدول العربية التي تعاني من الجائحة. اتصل الرئيس شي جينبينغ بعديد من قادة الدول العربية عبر الهواتف والرسائل للتعبير عن إرادتنا الراسخة في التغلب على الصعوبات بروح التآزر والتضامن.
قدم الجانب الصيني دعما قويا للدول العربية في مكافحة الجائحة من خلال توفير دفعات عديدة من أطقم الاختبار والكمامات والأقنعة والنظارات والألبسة الواقية.
كما تقاسمت الصين خبرات الوقاية والسيطرة والتقنيات الطبية لمكافحة الجائحة مع الدول العربية بدون أي تحفظ، حيث عقدنا اجتماعات افتراضية بين الخبراء الطبيين الصينيين ونظرائهم في 21 دولة عربية، وأرسلنا فرق الخبراء الطبيين الى 8 دول عربية وبعض أعضائها عادوا من مدينة ووهان للتو.
وساعدنا الدول العربية على شراء المستلزمات الطبية في الصين، وقدمنا دعما لها لاستئناف العمل والإنتاج بشكل منتظم، وأخذنا في عين الاعتبار احتياجاتها للتعاون في مجالات التجارة والطاقة الإنتاجية.
تشارك الحكومة والشركات والجمعيات الشعبية والشخصيات الصينية مشاركة نشطة في تقديم المساعدات الى الدول العربية، الأمر الذي يجسد الصداقة العميقة بين الجانبين.
في الوقت الذي نقدم فيه مساعدات الى الدول العربية، نضع دوما سلامة وصحة الشعب الفلسطيني في حسباننا. فقد ظلت الصين تدعم القضية العادلة للشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة، ووضعت ترتيبات خاصة لمساعدة الشعب الفلسطيني الذي يعاني من الجائحة من خلال تقديم معونات مادية وإرسال فريق الخبراء الطبيين الخاص، وتوزيع «طقم الصحة» للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان، إضافة الى تقديم المستلزمات الطبية والتبرعات المالية الى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، بما يعود بفوائد المساعدات الى مزيد من الشعب الفلسطيني.
تفكر وتتحرك الصين والدول العربية كرجل واحد في مكافحة الجائحة. تشترك الصين والدول العربية في الرؤية نفسها حول سبل الوقاية والسيطرة على الجائحة في العالم.
ودعا الرئيس شي جينبينغ في الجلسة الافتتاحية للدورة الـ 73 لجمعية الصحة العالمية دول العالم الى تضافر الجهود لمواجهة الجائحة وتفعيل الدور القيادي لمنظمة الصحة العالمية وتحسين الحوكمة العالمية في مجال الصحة العامة.
كما دعا قادة الدول العربية ومجلس وزراء الصحة للدول العربية جميع الدول الى تعزيز التعاون مع منظمة الصحة العالمية ووضع خطة مشتركة لمكافحة الجائحة.
ويقف الجانبان صفا واحدا لرفض تسييس الجائحة وربطها بدولة معينة، مما قدم مساهمات مهمة في بلورة التوافق العالمي وحشد القوة لمكافحة الجائحة.
في وجه هذا «الاختبار الكبير»، أثبتت الصين والدول العربية مرة أخرى أنهما شريكان حميمان وأخوان عزيزان يتبادلان المنفعة ويشاركان في السراء والضراء مهما كانت تغيرات الأوضاع الدولية.
إن التعاون الصادق بين الجانبين في مكافحة الجائحة لأمر ساهم في رفع مستوى الشراكة الاستراتيجية الصينية ـ العربية.
في الجلسة الافتتاحية للدورة الـ 8 للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني ـ العربي التي انعقدت عام 2018، دعا الرئيس شي جينبينغ الجانبين الصيني والعربي الى تضافر الجهود لتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية في العصر الجديد وإقامة المجتمع الصيني ـ العربي للمستقبل المشترك، مما لاقى تجاوبا إيجابيا من الجانب العربي. ب
فضل الجهود الصينية ـ العربية المشتركة في العامين الماضيين، شهد التعاون بين الجانبين ازدهارا ورخاء في شتى المجالات وحقق نتائج مثمرة.
أولا، ترسخت الثقة السياسية المتبادلة من خلال تبادل الدعم في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والهموم الكبرى للجانب الآخر.
وتكثف التواصل الرفيع المستوى بين الجانبين، حيث قام الرئيس جينبينغ بزيارة دولة ناجحة للإمارات، وقام قادة قطر ومصر والإمارات والسعودية والعراق بزيارة الصين تباعا، الأمر الذي يرشد تطور العلاقات الصينية ـ العربية بشكل مستقر ومستدام.
إن تبادل الدعم في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والهموم الكبرى للجانب الآخر جاء بمثابة تقليد مجيد للجانبين. يدعم الجانب الصيني بكل ثبات جهود الدول العربية لصيانة الأمن والاستقرار والسير على الطرق التنموية التي تتماشى مع ظروفها الواقعية، ويدعم بكل ثبات مساعي الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة وتحقيق هدف إقامة دولة مستقلة ذات سيادة.
في المقابل، تقف الدول العربية بكل ثبات الى جانب الصين في القضايا المتعلقة بتايوان وشينجيانغ، وتدعم الجهود الصينية في صيانة الأمن القومي وفقا للقانون في هونغ كونغ. كما يعمل الجانبان على إجراء التعاون في تعزيز القدرات على صيانة الاستقرار، حيث شاركت الدول العربية بنشاط في الدورة الاولى لمنتدى أمن الشرق الأوسط التي استضافها الجانب الصيني، مما قدم طاقة إيجابية مشتركة في صيانة السلم والاستقرار في المنطقة.
ثانيا: تعززت المواءمة بين الاستراتيجيات التنموية من خلال ربط طموحات النهضة بشكل وثيق.
ووقعت 19 دولة عربية وجامعة الدول العربية مع الصين على وثائق التعاون في بناء «الحزام والطريق»، وأنشأ عدد متزايد من الدول العربية آليات اللجان الرفيعة المستوى مع الصين، وأصبحت المواءمة بين الاستراتيجيات التنموية للجانبين أكثر دقة وفاعلية.
وتم استحداث 17 آلية تعاون في إطار منتدى التعاون الصيني ـ العربي، وشارك أكثر من 2300 ممثل من الأوساط المختلفة للجانبين في فعاليات المنتدى في عام 2019 فقط.
وقام الجانبان بتبادل الخبرات على نحو معمق بشأن الحكم والإرادة، والاستفادة من بعضهما البعض حول سبل تعزيز قدرة الحوكمة وتدعيم الإصلاح والتنمية، مما جعل التعاون الجماعي بين الجانبين أكثر نفعا.
ثالثا: حقق التعاون العملي للمنفعة المتبادلة والكسب المشترك. تتعزز معادلة التعاون بين الجانبين التي تتخذ التعاون في «الترابط بين المناطق الصناعية والموانئ» كـ «القاطرة»، والتعاون في مجالي النفط والغاز والطاقة المنخفضة الكربون كـ «العجلتين»، والتعاون في مجالي المالية والتكنولوجيا الحديثة والمتقدمة كـ «الجناحين».
في عام 2019، ازداد حجم التبادل التجاري بين الجانبين بمعدل 9% على أساس سنوي، وتوسع الاستثمار المتبادل بخطوات متزنة. وشاركت الصين بنشاط في بناء المناطق الصناعية في الدول العربية والموانئ في أبوظبي وجدة وبورسعيد، بما يعزز قدرة المنطقة في جوانب تداول الأعمال والتجمع الصناعي والإشعاع الإقليمي.
ظلت الدول العربية مجتمعة اكبر مصدر للنفط الخام إلى الصين. وحقق التعاون الصيني ـ العربي في مجال الطاقة المنخفضة الكربون اختراقات كثيرة، حيث تتقدم دفعة من المشاريع الكبرى الى الأمام بشكل سلس، وفي مقدمتها مشروع الطاقة الشمسية المركزة بدبي.
ويمضي التعاون الصيني ـ العربي في مجال المالية قدما باستمرار، وتم إصدار القروض الخاصة بقيمة تتجاوز 4.1 مليارات دولار اميركي في اطار التعاون المالي بين الجانبين.
وحقق عدد متزايد من الدول العربية أحلامها الفضائية مزودة بـ «أجنحة» التكنولوجيا الصينية، وخير دليل على ذلك إطلاق أول قمر اصطناعي سوداني «SRSS-1» بنجاح.
ووقع رجال الأعمال من 18 دولة عربية على عقود تجارية بقيمة 210 ملايين دولار أميركي في الدورة الثانية لمعرض الصين الدولي للاستيراد، بزيادة 69% على أساس سنوي.
رابعا: تعززت الاستفادة المتبادلة من خلال تكثيف التواصل الشعبي. في العامين الماضيين، تلقى اكثر من 6000 كفؤ عربي في مختلف المجالات تدريبات في الصين. وتم تشغيل المركز الصيني ـ العربي للصحافة بسلاسة.
وتطورت الثقافتان الصينية والعربية تطورا مزدهرا من خلال الاستفادة المتبادلة.
لاقت اللغة الصينية ترحيبا من شعوب السعودية والإمارات والدول العربية الأخرى. وحظيت الدورة الثالثة لمهرجان الفنون العربية التي أقيمت في بجين وتشنغدو بشكل رائع بتقدير عال من قبل الشعب الصيني.
في وجه الادعاءات السخيفة والخاطئة التي تروج «صراع الحضارات» و«التفوق الحضاري» على الساحة الدولية، تعمل الصين مع الأصدقاء العرب على ترسيخ قيم الخير ومقاومة الأفكار الشريرة.
في الوقت الراهن، مازالت جائحة فيروس كورونا المستجد يتفشى في العالم، ولم يكن مستقبل دول العالم مترابطا وثيقا كما هو اليوم. في هذا السياق، إن مواصلة تعميق علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية ـ العربية وإقامة المجتمع الصيني ـ العربي للمستقبل المشترك لأمر جاء في وقته.
يجب على الجانبين الصيني والعربي ان يكونا صديقين حقيقيين يعززان التضامن والتعاون في تجاوز الصعوبات جراء الجائحة. مازالت الوقاية والسيطرة على الجائحة تتطلب مزيدا من الجهود.
فيجب على الجانبين الصيني والعربي مواصلة الوقوف كتفا بكتف وتبادل الدعم والمساعدة في المعركة ضد الجائحة، ويجب مواصلة رفض تسييس الجائحة او ربطها بدول معينة، ودعم الدور القيادي والحاسم لمنظمة الصحة العالمية في معركة العالم ضد الجائحة، وتقديم مساهمة مشتركة في قضية الصحة العامة العالمية.
ويجب تحقيق التوازن بين أعمال الوقاية والسيطرة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بما يساهم في استئناف الإنتاج والعمل للجانبين.
يجب على الجانبين الصيني والعربي ان يكونا مساهمين في السلام الدائم والأمن السائد. يجب علينا الدفع عن تعددية الأطراف والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية وصيانة المنظومة الدولية المتمحورة على الأمم المتحدة والنظام الدولي على اساس القانون الدولي، وبذل جهود مشتركة لإيجاد حل سياسي للقضايا الساخنة في المنطقة واستعادة السلام والأمن الى الشرق الأوسط في يوم مبكر.
سيقف الجانب الصيني بكل ثبات الى جانب الشعب الفلسطيني وتقديم الدعم والمساعدة له كالمعتاد.
يجب على الجانبين الصيني والعربي ان يكونا شريكين حميمين يحققان التنمية المشتركة بالتعاون والكسب المشترك.
يجب علينا مواصلة بناء «الحزام والطريق» وتوسيع التعاون في مجالات البنية التحتية والطاقة والمواصلات والاتصالات والفضاء، خاصة توظيف إمكانية كامنة للتعاون في الأشكال الجديدة من الأعمال والمجالات الناشئة جراء الجائحة، والعمل سويا على مواجهة الانكماش الاقتصادي وغيره من التحديات العالمية، ومواصلة إثراء واستكمال آليات منتدى التعاون الصيني ـ العربي، بما يجعله إطارا فعالا لتطوير العلاقات الصينية ـ العربية.
يجب على الجانبين الصيني والعربي ان يكونا رائدين للانفتاح والتسامح والاستفادة المتبادلة بين الحضارتين. يجب الدعوة بكل ثبات الى إزالة سوء الفهم عبر الحوار وتسوية الخلافات عبر التسامح ورفض ربط الإرهاب بعرق او دين بعينه وتحقيق التعايش المتناغم بين الحضارات المختلفة.
ويجب توظيف إمكانية كامنة للدراسة والاستفادة المتبادلة بين الحضارات الصينية والعربية على نحو معمق، وتعزيز التواصل في مجالات الثقافة والتعليم والإعلام والدين والسياحة ونزع التطرف، وتشديد روابط الصداقة والتعاون بين الشعب الصيني والشعوب العربية.
تضرب شجرة الصداقة الصينية ـ العربية بجذورها في التربة الخصبة للاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك، وستظل راسخة أمام عواصف وأمطار مهما كانت.
طالما تساندنا وتآزرنا بروح الفريق الواحد، سنحقق انتصارا كاسحا بكل التأكيد، وسيظل المجتمع الصيني ـ العربي للمستقبل المشترك، متينا، وستقبل العلاقات الصينية ـ العربية على مستقبل أجمل.