بلغ شد الحبال ذروته بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمحتجين المناهضين للعنصرية، في أوضح ترجمة للانقسام الحاد الذي يعاني منه المجتمع الأميركي تزامنا مع احتفالات عيد الاستقلال التي تصادف «4 يوليو» من كل عام.
وبعد ساعات قليلة من إعلان ترامب عزمه إقامة «حديقة وطنية» تضم تماثيل لرموز أميركا «العظماء، واصفا المتظاهرين الذين الذين يستهدفون معالم ورموز حقبة العبودية والحرب الأهلية بـ «اليساريين المتطرفين»، قامت مجموعة من هؤلاء المتظاهرون بإسقاط تمثال كريستوفر كولومبوس في مدينة بالتيمور الواقعة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
وظهر في صور نشرتها صحيفة بالتيمور صن اليومية متظاهرون يقومون بإسقاط تمثال المستكشف الإيطالي بواسطة حبل بالقرب من منطقة ليتل إيتالي.
وينظر بعض المحتجين والأميركيين إلى كولومبوس، الذي طالما تم الاحتفاء بأنه «الشخص الذي اكتشف أميركا» على أنه رمز قدوم الأوروبيين والاستيلاء على أراض السكان الأصليين التي لا تعود لهم.
وفي أعقاب الاحتجاجات التاريخية المناهضة لعدم للتمييز العرقي التي أثارتها وفاة الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد على يد شرطي أبيض في مينيابوليس، تم إسقاط ومهاجمة العديد من التماثيل التي تجسد شخصيات مرتبطة بالتاريخ الاستعماري أو التمييز في الولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم.
وشكلت الخطوة تحديا للرئيس ترامب الذي أشار إلى كولومبوس المتحدر من مدينة جنوى في خطابه الذي ألقاه أمس الأول، بمناسبة العيد الوطني وقال: «سنقاتل معا من أجل الحلم الأميركي، وسندافع على أسلوب الحياة الأميركية الذي بدأ في عام 1492 عندما اكتشف كريستوفر كولومبوس أميركا، وسنحميه ونحافظ عليه»، مهاجما المتظاهرين لليوم الثاني على التوالي بشكل لاذع.
وأضاف ترامب في مراسم جرت في حديقة البيت الأبيض: «نحن في طريقنا لدحر اليسار الراديكالي والماركسيين والفوضويين ومثيري الشغب واللصوص».
وتابع: «لن نسمح أبدا لحشد غاضب بهدم تماثيلنا ومحو تاريخنا وتعليم أطفالنا».
وخلافا للخطب الرئاسية الداعية في هذه الذكرى إلى تعزيز الشعور الوطني ووحدة الأميركيين، هاجم الملياردير الجمهوري أيضا وسائل الإعلام التي «تتهم معارضيها ظلما بالعنصرية».
وبدت احتفالات عيد الاستقلال التي تشهد تقليديا عروضا وحفلات شواء وألعابا نارية، محدودة في جميع أنحاء الولايات المتحدة هذه بسبب انتشار وباء كوفيد-19.
وقبل ساعات من خطاب ترامب، أعلنت ولاية فلوريدا عن عدد قياسي من الإصابات بالفيروس بلغ 11 ألفا و458 في 24 ساعة.
وفي أتلانتا في ولاية جورجيا وناشفيل بولاية تينيسي، ألغيت حفلات موسيقية أو ألعاب نارية. أما في هيوستن (ولاية تكساس) التي تعد بؤرة للوباء في الجنوب، فقد احتفل الأميركيون بهذا العيد الوطني عبر الإنترنت.
وعلى الرغم من الوباء، بقيت ساحة «ناشونال مول» الهائلة التي تضم نصبا رسميا في العاصمة الاتحادية، ومحيطها مفتوحين للجمهور لألعاب نارية وصفت بـ «الضخمة».
وبعد الخطاب الرئاسي العنيف، قامت طائرات من الحرب العالمية الثانية وسرية طائرات من وحدة «بلو انجلز» التابعة للبحرية الأميركية، بعرض جوي.
وكان ترامب قد طلب من الشرطة في وقت سابق الجمعة اعتقال وملاحقة أي شخص يلحق ضررا بتلك الرموز واعلن ان العديد منهم رهن الاعتقال وسيواجهون السجن 10 أعوام.
ولم يقف الأمر عند تحطيم التماثيل وإنما تحول انقساما في الشارع، حيث هتف متظاهرون مناهضون للعنصرية بشعار «حياة السود مهمة» وهم يسيرون في الجادة المتاخمة للبيت الأبيض موجهين الشتائم لناشطة تحمل لافتة تظهر دعمها لدونالد ترامب في وسط واشنطن.
وعلى بعد بضع مئات من الأمتار من حديقة البيت الأبيض، وجد الطرفان نفسيهما وجها لوجه فيما لا يبدو أن ثمة مجالا للتوفيق بينهما.
ولتجنب الصدامات، تم نشر قوات ضخمة من الشرطة حول المقر الرئاسي الذي بدا كقلعة محصنة.
وقالت الناشطة الموالية لترامب كريستي باندورا غريكتشوفسكي التي وجهت اللوم إلى المتظاهرين، «يجب أن نحتفل بوحدتنا وتنوعنا وحريتنا، لا أن نعد أنفسنا أعداء جاهزين لخوض الحرب».
وتابع المتظاهرون سيرهم حتى وصلوا إلى جادة «بلاك لايف ماتر بلازا (ساحة حياة السود مهمة)»، وهو جزء من شارع أصبح مركزا للتظاهرات في العاصمة الأميركية.
وعلى الطرف الآخر من الجادة، أعربت جنيفر فريند عن حزنها لوجود هذه المواجهة. وترى هذه السائحة (53 عاما) القادمة من فلوريدا للاحتفال بالعيد الوطني في ذلك «أنه عدم احترام للرئيس، إنه يتعرض للهجوم من جميع الجهات».
وأوضحت «كل الحياة مهمة» بالإشارة إلى هتاف المتظاهرين المناهضين للعنصرية، «لكن المتظاهرين يختارون ما يريدون الاحتجاج عليه، إنه نفاق».