- ماكرون يدعو إلى تغيير «عميق» ويُطالب بتحقيق دولي في انفجار بيروت
بيروت ـ عمر حبنجر وداوود رمال
حط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بيروت، متتبعا خطوات أسلافه الذين درجوا على زيارة لبنان عند كل محنة تلم به، فالرئيس الراحل فرانسوا ميتران زار لبنان عام 1983 إثر تفجير مقري الجندرما الفرنسي والمارينز الأميركي قرب مطار بيروت الدولي، والرئيس جاك شيراك زار بيروت اثر اغتيال صديقه الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005، والآن أتى ماكرون ليؤكد التضامن الفرنسي مع لبنان بعد التفجير الهائل الذي دمر مرفأ بيروت وأصاب عاصمة البلاد في مقتل.
وحرص ماكرون على توجيه الكثير من الرسائل السياسية الحازمة، حيث طالب في ختام زيارته القادة اللبنانيين بإحداث «تغيير عميق» في أدائهم لإخراج البلاد من دوامة الانهيار الاقتصادي والانقسامات السياسية.
وقال ماكرون في مؤتمر صحافي عقب عقده لقاءات مع ممثلين عن الأحزاب اللبنانية الرئيسية بينهم حزب الله وممثلو المجتمع المدني، «يجب إعادة بناء الثقة والأمل (...) وهذا لا يستعاد بين ليلة وضحاها، إنما يفترض عادة بناء نظام سياسي جديد»، وأضاف: «طلبت من كل المسؤولين السياسيين تحمل مسؤولياتهم».
وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تنظيم مؤتمر دولي لدعم لبنان، وقال: «سننظم خلال الأيام المقبلة مؤتمر دعم دولي لبيروت والشعب اللبناني بهدف الحصول على تمويل دولي» من «الأوروبيين والأميركيين وكل دول المنطقة وخارجها من أجل توفير الأدوية والرعاية والطعام ومستلزمات البناء».
وأوضح ماكرون: «ليست لدي معلومات بشأن انفجار بيروت أكثر مما يعرفه الرأي العام، وإجراء تحقيق دولي أمر ضروري»، مؤكدا أن بلاده ستتعاون مع البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي لمساعدة لبنان.
وقد كان الرئيس ميشال عون في استقبال الرئيس ماكرون لدى وصوله ولم تحصل التشريفات التقليدية من حيث عزف الأناشيد واستعراض حرس الشرف، لأن الزيارة استثنائية.
وبعد تبادل عبارات الترحيب وجدا وسائل الإعلام اللبنانية والأجنبية تحيط بالرئيس الفرنسي الذي يعبر في زيارته هذه عن وجهة نظر المجتمع الدولي، فقال: لبنان ليس وحيدا، أنا هنا أحمل معي الصداقة والأخوة التي تجمع بين فرنسا ولبنان. وبدا ماكرون حريصا على التوجه الى الشعب اللبناني قائلا: الأولوية هي لمساعدة ومساندة الشعب اللبناني من دون شروط.
وانتقل ماكرون لزيارة حي الجميزة والصيفي اللذين أصابهما دمار كبير، كونهما من الأحياء القديمة المبنية بالحجر الرملي، حيث استقبله جمهور غفير بالهتاف ضد الرئيس عون، وسمع ماكرون مطالبات بعدم تقديم مساعدات مالية لطبقة الفساد الحاكمة، وردد المحتجون أمامه «الشعب يريد إسقاط النظام» و«ساعدونا»، و«ثورة.. ثورة».
ورد ماكرون على الحشود متعهدا بعدم ذهاب الدعم الفرنسي إلى «الأيدي الفاسدة»، وشدد للأهالي على أن «لبنان بحاجة إلى تغيير».
وقال ماكرون: «لست هنا لدعم النظام أو الدولة أو الحكومة»، معلنا عن «مبادرة سياسية جديدة»، وخاطب أحد المحتجين بعد أن نزع كمامته: «يا صديقي، أنا هنا لأقترح عليهم (السياسيين) ميثاقا سياسيا جديدا، وسأعود في الأول من سبتمبر»، علما أن أي مسؤول لبناني لم ينزل بعد إلى الشارع منذ وقوع الانفجار الذي ارتفع عداد قتلاه إلى 137 وأكثر من خمسة آلاف جريح، بينما ينهمك اللبنانيون منذ يومين بتنظيف الركام والزجاج ومحاولة تصليح ما يمكن من منازلهم وبيوتهم ومتاجرهم.
وفي بعبدا، كان الرئيس عون بانتظار الزائر الفرنسي والوفد الكبير المرافق، حيث عقد معه خلوة، قبل أن ينضما إلى الرئيسين نبيه بري وحسان دياب في القاعة الرئيسية.
وصدر بيان مشترك عن القمة اللبنانية ـ الفرنسية أوضح أن ماكرون اطلع خلال زيارته الاستثنائية على الأضرار الناتجة عن الكارثة التي وقعت بسبب الانفجار.
وتوجه الرئيس عون بالشكر إلى الرئيس ماكرون على المساعدات الإنسانية والطبية التي أرسلتها فرنسا، وأعرب عن تقديره لتضامنه مع لبنان لمعالجة آثار الكارثة المدمرة التي لحقت به والتي تزامنت مع الأزمات العديدة التي يواجهها لبنان، بدءا من أزمة النزوح السوري الكثيف، إلى الأزمة الاقتصادية والمالية، وجائحة الكورونا، مؤكدا التصميم الحازم على معرفة أسباب هذه المأساة ـ الجريمة وكشف ملابساتها، كما طلب عون من نظيره الفرنسي تزويد لبنان بالصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية الفرنسية خلال توقيت حدوث الانفجار.
وقالت الرئاسة اللبنانية في بيان، ان عون أوضح للرئيس الفرنسي أن هذه الصور من شأنها توفير معطيات إضافية تساعد بمسار التحقيق في ملابسات الحادث، مشيرة إلى أن ماكرون وعد بتوفير هذه الصور في أقرب وقت ممكن.
من جهته، أعرب الرئيس ايمانويل ماكرون عن تعلقه بلبنان وشعبه والمكانة الخاصة التي يتمتع بها هذا البلد لدى الفرنسيين بمختلف اتجاهاتهم السياسية، وقد هز حادث الانفجار فرنسا في العمق، وأبدى تأثره بما شاهده من هول الدمار الذي لحق ببيروت.
وأكد الرئيس ماكرون أن لبنان لن يكون وحيدا في مواجهة الصعاب، معربا عن استعداد فرنسا للوقوف دوما الى جانبه في ظروفه الصعبة، ومشيرا الى ان فرنسا ستقوم بحركة ناشطة لدفع المجتمع الدولي الى التحرك بفاعلية وبسرعة للوقوف إلى جانب لبنان ومساعدته، لاسيما أن لبنان يحيي هذه السنة الذكرى المئوية الأولى لإعلان «دولة لبنان الكبير».