محمد بدري عيد
أبدت النخبة المقربة من دوائر صنع القرار وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، اهتماما لافتا بتوقيع مصر وروسيا، اتفاق إنشاء محطة «الضبعة» للطاقة النووية السلمية، والتي تستهدف توليد الكهرباء بما يساهم في تلبية الاحتياجات المتزايدة في قطاع الطاقة المصري.
وتجاوز الاهتمام الإسرائيلي، مجرد التغطية الإخبارية لتوقيع هذا الاتفاق، إلى النظر في تداعيات ما بعد إنشاء محطة «الضبعة» من منظور أمن إسرائيل القومي، حيث تراقب الأخيرة بعين حذرة هذا المشروع المصري النوعي المهم، وتتوجس في قلبها خيفة من تأثيراته الإيجابية التي تصب في صالح تعزيز فاعلية الدولة المصرية ـ دورا ومكانة ـ على المستويين الإقليمي والدولي، لاسيما على المدى البعيد.
ولعله ليس بعسير على الملاحظ السياسي، إدراك تزامن الحذر الإسرائيلي المشوب بالقلق إزاء مشروع محطة «الضبعة» الواعد، مع بلوغ مفاعل «ديمونة» النووي الذي بدأ العمل في بنائه عام 1958، سن الشيخوخة العام الحالي 2018، إذ عبر مراقبون وخبراء إسرائيليون كثر عن قلقهم من قرار حكومتهم تمديد العمل في «ديمونة» حتى عام 2040 بينما عمره الافتراضي 40 عاما فقط، محذرين من التداعيات الخطيرة لتردي الحالة التقنية للمفاعل.
وفي هذا السياق، أصدر مركز «بيجن ـ السادات» للدراسات الإستراتيجية في جامعة بارإيلان، بتاريخ الثامن من يناير الجاري، ورقة أكاديمية استشرافية حول مشروع محطة «الضبعة» المصري، أعدها الكولونيل ليفتانت متقاعد رفائيل أوفيك، خبير الفيزياء والتكنولوجيا النووية، والذي عمل سابقا كبير باحثين في الاستخبارات الإسرائيلية.
يرى أوفيك ان الاتفاق الذي وقعته مصر مع روسيا، مؤخرا، لبناء محطة «الضبعة»، يأتي بهدف تلبية حاجة عاجلة تتمثل في ضرورة تحسين قطاع الكهرباء في مصر بالنظر إلى الزيادة السكانية المطردة والكبيرة، مستبعدا أن يكون لهذا المشروع اي تداعيات مباشرة لجهة تطوير أسلحة نووية.
ومن وجهة نظر الخبير الاسرائيلي، فإن القاهرة تريد استثمار مشروع «الضبعة» للمساهمة في إعادة تأهيل اقتصادها، وفي الوقت ذاته تفعيل دورها كفاعل مركزي في العالم العربي، وبالنسبة لموسكو، فإن هدفها من وراء إبرام هذا الاتفاق، هو استعادة مكانتها كقوة دولية مهيمنة في الشرق الأوسط.
ولكن في الوقت ذاته ـ بحسب أوفيك ـ فإن اتفاق محطة الضبعة، ربما يضفي المشروعية على أي محاولة مستقبلية قد تقدم عليها مصر لتخصيب اليورانيوم أوإعادة تدوير الوقود النووي.
شكوك استخباراتية
ذكر أوفيك في ورقته الاستشرافية، أنه على الرغم من تركيز مصر على الطابع المدني والأغراض السلمية في جهود تطويرها للطاقة النووية، التي بدأت منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ممثلة في مفاعل «إنشاص» البحثي الذي لم تتجاوزه طاقته 2 ميغاوات، فإن الاستخبارات الإسرائيلية شكت لسنوات في أن القاهرة مهتمة ببناء قدرة نووية عسكرية، وذلك منذ بداية ستينيات القرن الماضي وصولا إلى عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي كان متشككا ـ بحسب أوفيك ـ في امكانية نجاح مشروع تطوير اسلحة نووية، لاسيما بالنظر إلى احتمالات أن يعكر ذلك صفو العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، ناهيك عن عدم قدرة مصر، آنذاك، على تمويل برنامج نووي للأغراض السلمية.
«الضبعة» بين مصير سابقيه و«الطريق المفتوح»
يرى خبير التكنولوجيا النووية الاسرائيلي رفائيل أوفيك، أن مشروع محطة الضبعة ربما يلقى نفس مصير المحاولات المصرية السابقة في هذا المضمار خلال العقود الماضية، وأنه في حال تم تنفيذه في غضون 10 سنوات كما هو مخطط له، فإنه سيكون من المستحيل استخدامه مباشرة لتطوير سلاح نووي، وذلك لاعتبارين رئيسيين، هما:
1 ـ حاجة مصر لاستخدام المفاعل الذي سيعمل بالماء الخفيف من أجل تلبية الحاجة المستمرة لإنتاج الكهرباء.
2 ـ أن البلوتونيوم المستخدم في الوقود النووي الذي تعمل به المحطات المماثلة «للضبعة»، لن يكون بنفس المستوى المطلوب لانتاج السلاح النووي.
ومع ذلك، يرى أوفيك، انه على المدى البعيد، فإن وجود محطة نووية في مصر، سيمنحها مشروعية لبناء محطة لتخصيب اليورانيوم عند معدل منخفض لإنتاج وقود نووي لتشغيل المفاعلات، ومن ثم يكون بمقدورها خلال فترة وجيزة الوصول ليورانيوم مخصب وفق المستويات المطلوبة للتصنيع العسكري.
كما أن تشغيل محطات قوى نووية سيمكن مصر، لاحقا وبصورة تلقائية، من بناء مفاعل لانتاج البلوتونيوم، الأمر الذي سيضعها على الطريق لتطوير سلاح نووي، إن أرادت ذلك.