- السيسي استطاع العودة بقوة إلى القارة السمراء وقام بزيارة 21 دولة أفريقية خلال 4 سنوات حتى ترأس الاتحاد الأفريقي
- أوروبياً حققت مصر إنجازاً ملموساً وخطوة نوعية مع انعقاد القمة العربية ـ الأوروبية في شرم الشيخ الشهر الماضي
- انتصارات كبيرة في مواجهة الإرهاب «الداعشي» المنطلق مع «أنصار بيت المقدس» بشمال سيناء حتى تحريرها منه
- مصر أصلحت ما أفسده أوباما في علاقتها مع أميركا و أصبحت شريكة أساسية لها في معركتها على الإرهاب
لم تكن مصر لتستعيد دورها الإقليمي ومكانتها الدولية لو لم تنجح في حسم أوضاعها وتحدياتها الخاصة، وتؤمّن جبهة داخلية مستقرة ومتماسكة وقاعدة انطلاق قوية في اتجاه الخارج للعب أدوار تتناسب مع مصر، تاريخا وموقعا ودورا وقدرات.
في البداية، شكل الملف الأمني أولى الأولويات للقيادة المصرية الجديدة والرئيس عبدالفتاح السيسي الذي واجه أولا تحدي محو آثار ورواسب الانقلاب المؤقت الذي قامت به جماعة الإخوان المسلمين وأوصلها الى تسلم سدة الحكم، لتواجه بعد خروجها السريع تفككا في بنيتها التنظيمية والشعبية وحربا شاملة من قبل السلطات المصرية التي صنفتها جماعة إرهابية وتعاطت معها على هذا الأساس.
وفي موازاة هذا التحدي الأمني الدقيق نتيجة تغلغل الإخوان المسلمين في النسيج الاجتماعي والشعبي والمدني، واجهت القيادة المصرية تحديا آخر أكثر خطورة، هو مكافحة الإرهاب المتمركز في شمال سيناء، والذي أقام بنية تحتية أمنية وعسكرية، وكان يتغذى من سلاح وأموال ورجال قادمين تسللا من ليبيا أو من غزة.
وبعد سلسلة عمليات وضربات عسكرية مركزة، صارت كل نواحي شمال سيناء نظيفة ومحررة من الإرهاب «الداعشي» الذي انطلق مع «أنصار بيت المقدس»، ما خلا بؤر وخلايا إرهابية مسلحة باتت محصورة ومحاصرة.
بعد استتباب الوضع السياسي عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية، واستقرار الوضع الأمني بنسبة كبيرة، حصل التقدم الكبير في الملف الاقتصادي الذي كان يعد نقطة الضعف الأساسية في وضع مصر ومصدر قلق وتململ شعبي، وسببا لنمو بيئة حاضنة للتطرف والعنف في ظل ضائقة اقتصادية واجتماعية.
بعد 3 سنوات من سياسة وخطط مالية واقتصادية مركزة، حققت مصر «قفزة نوعية» في المجال الاقتصادي الاستثماري المالي وغدت دولة جاذبة لاهتمام المستثمرين، تشهد نموا متصاعدا مع تحسن في القدرة التنافسية ونمو الصادرات وانخفاصaض الواردات.
لقد باتت مصر تتمتع بـ «مستقبل واعد» وبعوامل ومقومات استثمارية متنوعة تؤهلها لجذب استثمارات خارجية، في ظل استقرار أمني وسياسي واقتصادي، رغم الظروف الإقليمية المضطربة، بالإضافة الى وفرة الأيدي العاملة المدربة، واتفاقات التجارة التي تربط مصر بالأسواق في أفريقيا والمنطقة العربية والاتحاد الأوروبي.
كان لا بد من توافر المقومات وعوالم القوة والاستقرار في الداخل، وكان لا بد من استعادة التوازن الداخلي كي تنطلق مصر في اتجاه استعادة الدور الإقليمي الذي فقدته منذ 10 سنوات، في نهايات حكم الرئيس مبارك، وبعد انطلاق الاضطرابات الداخلية، وقطعت أشواطا متقدمة في عملية استعادة الدور الإقليمي والمكانة الدولية التي تجسدت وترجمت على 3 محاور رئيسية، منفصلة ومتكاملة:
٭ أولا: على المحور العربي الذي هو محور أساسي وعريض يغطي كل فضاء الأمن القومي المصري والعربي، ويمتد من دول الجوار، خصوصا السودان الدولة المعنية بقضية مياه النيل، وليبيا مصدر التهديد الأمني الأول في هذه المرحلة، الى فلسطين، حيث غزة التي تسيطر عليها حماس المتحدرة من الإخوان المسلمين، الى سورية، حيث العلاقة التاريخية التي تتجاوز نظاما وشخصا.
مصر التي استعادت حرارة العلاقة مع الولايات المتحدة وأصلحت ما كان أفسده الرئيس السابق باراك أوباما، ها هي الآن شريكة أساسية للولايات المتحدة في معركتها على الإرهاب، ولكنها تحتفظ لنفسها بهامش حركة يكفي لفتح خطوط تعاون مع روسيا.
مصر ليست فقط معنية بمحاربة الإرهاب ولها مصلحة مباشرة في ذلك، وإنما هي معنية بتهيئة ظروف عملية السلام في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وتتحرك فلسطينيا على خطين:
خط ترتيب أوضاع السلطة الفلسطينية ومصالحة فتح وحماس، وخط ترتيب أوضاع غزة وهدنة طويلة الأمد بين حماس وإسرائيل.
وأما العلاقة بين مصر وإيران، فإنها لم تسجل اختراقا ولكن لا توجد حالة عداء، وهناك نوع من تقارب حذر في الكواليس، إذ تخشى القاهرة أن تعمد طهران الى استخدام العلاقة معها والعزف على وتر العلاقة مع دولة مهمة في المنطقة وتوظيفها سياسيا في خفض التصعيد الخليجي والأميركي.
ولكن مصر التي خفضت مستوى تمثيلها في مؤتمر وارسو الشهر الماضي (الذي ناقش سبل مواجهة إيران)، تبدي مستوى مقبولا من الاستعداد والجاهزية لتولي دور وساطة في أزمة إيران مع الخليج إذا أراد الطرفان المصالحة ووافقا على الدور المصري.
هذا الاستعداد يظهر أيضا في الملف السوري، لجهة حل الإشكالية العربية- الإيرانية في سورية، ولجهة إعادة الدور العربي الى سورية وبتنسيق مع روسيا، للحد من هيمنة الدورين التركي والإيراني، وإعادة سورية الى الجامعة العربية.
وكانت مصر دفعت بهذا الاتجاه قبل أشهر، ولكن الاندفاعة المصرية خففت منها سياسات أميركية، وبعدما كان من المفترض حضور الرئيس السوري بشار الأسد في قمة تونس العربية، تبدد هذا الاعتقاد وتأجل هذا التطور حتى إشعار آخر.
٭ ثانيا: على المحور الأفريقي، مع عودة مصر الى أفريقيا ولعب الرئيس السيسي دورا محوريا في صياغة هذا التوجه في السياسة الخارجية وتعميقه، ومن خلال التأكيد على انتماء مصر الأفريقي وحقها المشروع في حماية أمنها القومي ومصالحها في نهر النيل، وحقها التاريخي والجيوسياسي في استعادة دورها القيادي في أفريقيا، والذي كان قد بدأ أيام الرئيس جمال عبد الناصر من خلال دعم حركات التحرر الوطني ومحاربة الاستعمار، ومن خلال لعب دور كبير في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية.
في خلال سنوات الأزمة الماضية، علق الاتحاد الأفريقي عضوية مصر في أنشطته لتغيب لأول مرة منذ نصف قرن عن القمة الأفريقية التي انعقدت في أديس أبابا عام 2014، لتعود الى المشاركة بعد وصول السيسي الى سدة الرئاسة.
وحاليا يترأس السيسي الاتحاد الأفريقي، وهو الذي يبدي اهتماما خاصا بالبعد الأفريقي للسياسات والمصالح المصرية، وقام منذ عام 2014 بزيارة 21 دولة أفريقية وأطلق كثيرا من المبادرات ومشروعات التعاون المشترك مع دول القارة الأفريقية، تشمل الاقتصاد والتعليم والصحة والسياحة والإصلاح الإداري والتعاون الأمني والتدريب العسكري.
الانعكاسات السلبية لسياسات مبارك الاستعلائية في أفريقيا، شكلت التحدي الأول الذي واجه التحرك الإيجابي للسيسي نحو القارة الأفريقية التي تعد مصر بوابتها الشمالية وجسر تواصل وربط طبيعي بين أفريقيا والمشرق العربي.
والآن، عودة مصر الى احتلال دور قيادي غابت عنه لسنوات طويلة لا تروق لمنافسين لها في الفضاء الأفريقي يقلقهم ثقل مصر التاريخي والجيوسياسي، وكواحدة من الدول الخمس الكبار في أفريقيا.
وتتحرك مصر «أفريقيا» على خطين: خط حوار أفريقي- أفريقي من أجل بلورة سياسة موحدة للقارة في مواجهة قضايا البيئة والهجرة غير الشرعية، وأوضاع الاقتصاد الدولي والاستثمار في القارة.
والخط الثاني هو خط حوار عربي- أفريـقي وإيجاد آلياته الـمـغـيبـة منذ 40 عاما للتنسـيق فـي القضايا المشـتركة وكل الـمجالات.
٭ ثالثا: على المحور الأوروبي، حيث حققت مصر إنجازا ملموسا وخطوة نوعية مع انعقاد القمة العربية- الأوروبية في شرم الشيخ الـشهر الماضي.
وهذه القمة هي الأولى من نوعها وتتوج مسيرة حوار وتعاون بين العرب والأوروبيين كانت مـصـر فيها محركا ومحورا رئيسيا، وهي التي أسهمت في تبيان الحاجة المشتركة الى تعميق وتعزيز و«مأسسة» العلاقات العربية- الأوروبية المشتركة.
وكان بالفعل إنجازا للديبلوماسية المصرية أن تنجح في تأمين انعقاد هذه القمة رغم حالة الاضطراب التي ترزح تحتها المنطقة العربية، وحالة الضعف والوهن التي يمر بها الاتحاد الأوروبي، وانشغال دول أساسية فيه، مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا وبريطانيا، في مشاكل داخلية.
ولم تأبه مصر للآراء والنصائح الداعية الى صرف النظر عن القمة العربية- الأوروبية، ومن خلفية أن المشكلات التي يعاني منها العالم العربي اليوم في سورية والوضع في سورية وليبيا والعراق والسودان والجزائر، ومشاكل الإرهاب والتطرف، والمشكلات التي تعاني منها بلدان الاتحاد الأوروبي من هجرات مكثفة و«بريكست» بريطاني وصعود الشعبوية واليمين المتطرف، كل ذلك لا يوفر المناخ المناسب لتعزيز التعاون بين المجموعتين.
ولكن الجواب المصري عبر التمسك بانعقاد قمة شرم الشيخ كان أن الأوضاع المتأزمة المضطربة هي سبب ودافع الى تحفيز العمل عند الجانبين العربي والأوروبي على العمل معا لمواجهة التحديات وحل الملفات الشائكة الأمنية والاقتصادية، والى تعاون أوثق لتقوية الروابط وتبادل الخبرات وبناء الأمن والاستقرار والسلام، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.