بيروت ـ عمر حبنجر ـ داود رمال
وأخيرا سُمّي نجيب ميقاتي رئيسا مكلفا لتشكيل الحكومة اللبنانية للمرة الرابعة، وبمعزل عن عدد من النواب الذين اقتنعوا بتسميته، خلال استشارات الأمس.
وبدا واضحا ان ميقاتي كان يتنافس مع الـ «لاتسمية» بعدما فوتت قوى المعارضة الفرصة مجددا كما فوتتها في معركة نائب رئيس مجلس النواب وهيئة مكتب المجلس واللجان النيابية نتيجة انقسامها وعدم تجمعها حول موقف موحد، لأنه بالأرقام لو أن الذين امتنعوا عن التسمية توافقوا مع من سموا نواف سلام لكانت النتيجة لصالح الأخير.
وحصل ميقاتي على 54 صوتا مقابل 25 صوتا لنواف سلام وصوت واحد فقط لرئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري وصوت لروعة حلاب، فيما امتنع 74 نائبا عن تسمية أي مرشحين.
وبعد انتهاء الاستشارات، توجه ميقاتي الى قصر بعبدا، حيث التقى الرئيس عون الذي كلفه بتشكيل الحكومة، وقال بعد اللقاء «أقول شكرا لمن سماني وشكرا أيضا لمن لم يزكني، لأنهم جميعا مارسوا دورهم بكل ديموقراطية، هذا التكليف الجديد يحملني اليوم مسؤولية مضاعفة، ولكن تبقى الثقة الملزمة للجميع من دون استثناء لها عنوان واحد هو التعاون.
وأضاف «المهم أن نضع خلافاتنا واختلافاتنا جانبا وننكب على استكمال الورشة الشاقة التي تتطلب أن نضع أمامنا انقاذ شعبنا ووطننا كهدف واحد أوحد».
لم نعد نملك ترف الوقت والتأخير والغرق في الشروط والمطالب. أضعنا ما يكفي من الوقت وخسرنا الكثير من فرص الدعم من الدول الشقيقة والصديقة، التي لطالما كان موقفها واحدا وواضحا «ساعدوا أنفسكم لنساعدكم».
وتابع، لقد أصبحنا أمام تحد الانهيار التام أو الانقاذ التدريجي انطلاقا من فرصة وحيدة باتت متاحة أمامنا في الوقت الحاضر.
على مدى الاشهر الماضية دخلنا باب الانقاذ من خلال التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ووقعنا الاتفاق الاولي الذي يشكل خارطة طريق للحل والتعافي، وهو قابل للتعديل والتحسين بقدر ما تتوافر معطيات التزام الكتل السياسية، وعبرها المؤسسات الدستورية، بالمسار الاصلاحي البنيوي.
وفي هذا الصدد، علينا في اسرع وقت التعاون مع المجلس النيابي الكريم لإقرار المشاريع الاصلاحية المطلوبة قبل استكمال التفاوض في المرحلة المقبلة لإنجاز الاتفاق النهائي مع صندوق النقد وبدء مسيرة التعافي الكامل.
اليوم، أكرر القول إنه من دون الاتفاق مع صندوق النقد لن تكون فرص الانقاذ التي ننشدها متاحة، فهو المعبر الأساس للانقاذ، وهذا ما يعبر عنه جميع أصدقاء لبنان الذين يبدون نية صادقة لمساعدتنا.
وعلى هامش الاستشارات التي استمرت في القصر الجمهوري من الصباح إلى العصر، كانت التساؤلات تلاحق موقف كل من اللقاء النيابي الديموقراطي برئاسة تيمور جنبلاط وتكتل الجمهورية القوية برئاسة د.سمير جعجع، اللذين امتنعا عن تسمية ميقاتي ونواف سلام في ذات الوقت، مؤثرين الورقة البيضاء.
وتحدثت مصادر متابعة عن أن إحجام البعض عن تسمية ميقاتي رسالة إقليمية بالبريد اللبناني، إلى فرنسا الداعمة لميقاتي، على خلفية محاباتها لحزب الله، امتدادا لمصالحها في إيران.
الرئيس نجيب ميقاتي بدا مستوعبا للأمور، حيث أشار في تصريح قبل إجراء الاستشارات إلى انه سيطرح تعديلا لبعض الوزراء والحقائب، ما يوحي بتمديد مبطن لحكومة تصريف الأعمال.
وقال لجريدة «نداء الوطن»: «أنا مرتاح مع نفسي وأنا أعرف حقيقة حجم الأزمة، وإذا كان هناك من يرغب بحمل هذه الجمرة، صحتين على قلبه، وأنا أدعمه»، رافضا ان يكون أسير موقف معين أو الإقفال على نفسه في قفص مغلق، هو لن يستعجل الأمور بتبنيه حكومة سياسية، أو غير سياسية، وتمنى ان يحصل التأليف في وقت سريع، لإتمام الاستحقاق الرئاسي في موعده، وتسليم مقاليد السلطة إلى حكومة جديدة.
وعن هدفه من ترؤس حكومة لأسابيع معدودة، أجاب: متابعة العمل مع صندوق النقد الدولي، مع توقيع الاتفاق المبدئي، للمعالجات الاقتصادية والمالية على السكة السليمة، وإقرار الإصلاحات المطلوبة.
ميقاتي قال انه بعد التكليف سينتقل إلى التصريف الواسع للأعمال، ولا يرى أي مانع في حينه من الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء إذا اقتضت ظروف التفاوض مع صندوق النقد والكهرباء.
واستغرب موقف كتلة اللقاء الديموقراطي منه، أما عن علاقته بالنائب جبران باسيل فأكد على ان كرة التوضيح هي في ملعب باسيل، نافيا، ردا على سؤال، حصول ضغط مضاد من جانب السعودية، وقال انه على اتصال بمسؤولين سعوديين، وان السفير السعودي وليد البخاري بصدد العمل على اجتماع له طابع سني الأسبوع المقبل، مرجحا ان يشارك به شخصيا.
وعطفا على كلام ميقاتي حول تعديلات في الأسماء والحقائب في حكومة تصريف الأعمال، تحدثت مصادر متابعة عن اتفاق على إجراء تعديل وزاري يشمل بصورة أساسية المقاعد الوزارية من حصة السنة.
بالنسبة للقاء النيابي الديموقراطي الذي سمى نواف سلام، فإنه قد يعطي الثقة لحكومة ميقاتي حال اختيار شخصية درزية، بديلا عن وزير المهجرين عصام شرف الدين المحسوب على رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال ارسلان.
وكان تيمور جنبلاط تمنى من بعبدا تسريع تشكيل الحكومة، مبديا استعداده للمساعدة في التشكيل.
عمليا، لقد أصبح نجيب ميقاتي مكلفا بتشكيل الحكومة الجديدة، إنما مع وقف التأليف. وحتى اللحظة رئيس الجمهورية ميشال عون يريد حكومة سياسية، بينما يتجنب ميقاتي ان يكبل نفسه بالمواصفات المقيدة له، وفي حسابات المصادر المتابعة ان المماطلة ستبقى سيدة الموقف وصولا إلى 31 أغسطس، حينئذ يستطيع رئيس مجلس النواب نبيه بري توجيه الدعوة إلى مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية بصورة مبكرة، حيث يدخل الوضع اللبناني في أمر واقع جديد تطغى فيه معركة رئاسة الجمهورية على مسألة تشكيل الحكومة التي تغدو لزوم ما لا يلزم، لأنه مع الرئيس الجديد يتعين وجود حكومة جديدة، هذا إذا لم تتكالب الظروف الخارجية على المعطيات الداخلية، ويكون الفراغ.
وثمة عوامل ضاغطة أخرى يمكن أن تقلب المشهد اللبناني رأسا على عقب، فبقليل من الانتباه إلى التصريحات الأخيرة لرئيس الأركان الإسرائيلي ولوزير الدفاع اللذين تحدثا عن الخطط الجاهزة لاجتياح لبنان مرورا بصور وصيدا ووصولا إلى بيروت، فيما بدا ردا على تصريح للمسؤول في حزب الله الشيخ نبيل قاووق، يمكن تصور حجم التصويب الإسرائيلي على لبنان في هذه المرحلة.. على الرغم من كون الجانب اللبناني الرسمي قام بما هو مطلوب منه من حيث التنازل عن الخط البحري 29 والقبول بالخط 23 مع غض النظر عن بواخر التنقيب، وصولا إلى القبول بمبادلة حقل «كاريش» المحقون بالغاز والنفط بحقل «قانا»، الذي ليس ثمة ما يثبت وجود النفط والغاز فيه، وكما يقول صلاح سلام رئيس تحرير جريدة «اللواء»: «لقد قبلنا بالهم، لكن الهم لم يقبل بنا بعد!».
في المقابل، ثمة أطراف لبنانية تراهن على القمة الخليجية التي ستعقد بحضور الرئيس الأميركي جو بايدن ومشاركة مصر والأردن لتكريس ما لحظته البيانات السعودية ـ المصرية والسعودية ـ الأردنية حول أهمية استقرار لبنان وحفظ أمنه.