على إيقاع صدور القرار الاتهامي أقرت الحكومة بيانها الوزاري من دون تعديلات. ظل السباق على أشده بين البيان والقرار الى أن صدرا في وقت واحد، وفي وقت كان الوزراء يناقشون بنود البيان الوزاري كانت أصداء القرار الاتهامي تصل تباعا الى مجلس الوزراء وتحمل وزراء حزب الله وأمل على مغادرة القاعة لإجراء اتصالات.
لم تكن ثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة» موضع اهتمام ومناقشة، ولم يكن هناك مشكلة في اعتماد الصيغة الواردة في بيان الحكومة السابقة. كل الأنظار توجهت الى بند المحكمة الدولية الذي استحوذ على القسم الأكبر من المناقشات ولم يخل الأمر من تجاذبات، كما انه تطور للجوء الى «التصويت» لحسم تباين في الآراء، وجاءت أولى عمليات التصويت تظهر ان الحكومة موزعة «مبدئيا» الى محورين: محور 8 آذار (وزراء عون وبري وحزب الله) ومحور الوسطية (وزراء جنبلاط وميقاتي وسليمان). وان المحور الثاني لديه قدرة الاعتراض ولكن ليست له قدرة التأثير في مجريات التصويت اذا كان الأمر يتعلق بأكثرية النصف زائد واحد، فيما يتمتع بحق الفيتو وبالثلث المعطل والقدرة على الاعتراض والإسقاط في الأمور المتعلقة بأكثرية الثلثين.
الصيغة التي اعتمدت في البيان الوزاري (البند 14) هي ان «الحكومة انطلاقا من احترامها القرارات الدولية، تؤكد حرصها على جلاء الحقيقة وتبيانها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وستتابع مسار المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشئت مبدئيا لإحقاق الحق والعدالة بعيدا عن أي تسييس أو انتقام وبما لا ينعكس سلبا على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الأهلي».
وتفيد معلومات ان الرئيس بري لعب دورا أساسيا في التوصل الى هذه الصيغة التي وضعها مع الرئيس ميقاتي، وان المعلومات التي توافرت عن قرب صدور القرار الظني في غضون ساعات عجلت في إصدار البيان الوزاري واستجابة حزب الله لطلب ونصيحة بري بتجاوز الموقف الداعي الى عدم ذكر المحكمة الدولية في البيان. كما علم ان الصيغة التي أقرها مجلس الوزراء قوبلت بتحفظ من نائب رئيس الحكومة سمير مقبل والوزراء غازي العريضي، وائل أبو فاعور، علاء الدين ترو، محمد الصفدي، أحمد كرامي، حسان دياب، وليد الداعوق، ونقولا نحاس، الذين اقترحوا اعتماد الصيغة الآتية: «التأكيد على احترام القرارات الدولية ومتابعة مسار المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي أنشئت إحقاقا للحق والعدل بعيدا من التسييس والانتقام بما لا ينعكس على استقرار لبنان ووحدته والسلم الأهلي». لكن حزب الله وحلفاءه في حركة «أمل» و«تكتل التغيير والإصلاح» والوزير فيصل عمر كرامي أصروا على الصيغة التي وردت في البيان الوزاري خصوصا ان الحكومة اللبنانية ستتابع مسار عمل المحكمة الدولية التي أنشئت مبدئيا لإحقاق الحق. ورفضوا حذف كلمة مبدئيا وأصروا أيضا على عبارة «لإحقاق الحق» بدلا من «إحقاقا للحق والعدل».
وقالت إن الوزراء الذين تحفظوا على هذه الصيغة رأوا انه لا ضرورة لإدخال كلمة مبدئيا على النص باعتبار ان جميع الأطراف كانوا وراء إنشاء هذه المحكمة وأن الحكومات السابقة ساهمت فيها انسجاما مع ما ورد في بياناتها الوزارية، مشيرة أيضا الى انهم رفضوا شطب حرف «و» الذي يسبق كلمة بما لأن الإبقاء على كلمة «بما» يمكن ان يعطي تفسيرا آخر سيكون خاضعا للاجتهاد والتحوير.
ونقل عن وزيري حزب الله محمد فنيش وحسين الحاج حسن قولهما في الجلسة ان هذه الصيغة هي «أقصى ما يمكننا القبول به ولسنا في وارد الموافقة على أي تعديل، خصوصا أننا في الأساس لسنا متفقين مع ميقاتي على ذكر أي عبارة عن المحكمة الدولية وأخيرا قبلنا بهذه الصيغة ولا نوافق على أكثر منها».
هذه الصيغة اعتبرت مرفوضة من قوى 14 آذار التي وصفتها بأنها «صيغة انشائية» لا قيمة لها وتفرغ الموقف اللبناي الرسمي من مضمونه الفعلي، إذ على الحكومة ان تظهر «التزاما» بالقرارات الدولية وليس فقط «احتراما لها» وان تظهر استعدادا للتعاون مع المحكمة وليس فقط استعدادا «لمتابعة» مسار المحكمة وان تلتزم تنفيذ بروتوكول التعاون الذي وقعته الحكومة اللبنانية مع المحكمة الدولية.
واعتبرت المعارضة ان موقف حكومة ميقاتي من المحكمة ملتبس وينقصه الوضوح، وفيه «تحايل» على المحكمة والمجتمع الدولي ويعكس توجها ضمنيا الى التخلي عن المحكمة والخروج منها بطريقة لبقة وينطوي على نوايا مبيتة للتنصل من المحكمة والتبرؤ منها عندما تحين الفرص والظروف.