بيروت ـ د.ناصر زيدان
بعد لحظة الإعلان عن استشهاد اللواء وسام الحسن في 19/10/2012 ظهر تطابق في المواقف بين الرئيس سعد الحريري ورئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط خصوصا في توجيه الاتهام الى النظام السوري بعملية التفجير. انقلبت الأمور فجأة بعد ساعات وبدأ التصويب على الحكومة، وباتجاه الرئيس نجيب ميقاتي شخصيا، فانطلقت عربة التباين بين الرجلين، ولكن تحت سقف الصداقة الراسخة، والتي تعززت في لقاء باريس الشهر الماضي.
أوفد جنبلاط الوزير غازي العريضي الى الرئيس فؤاد السنيورة في محاولة لتصويب الأمور وللتفاهم على مواجهة المرحلة بتشارك يكفل تطويق مخطط القتلة الذين أرادوا من اغتيال اللواء الحسن اشعال فتنة مذهبية بل وحرب أهلية يصنع بداياتها التوتر الهائل لكن لا أحد يعرف كيف تنتهي.
فوجئ العريضي بمدى التشدد الذي أبداه السنيورة في تصويب أولوياتهم على اسقاط الرئيس ميقاتي دون غيرها من الأولويات المهمة الأخرى.
من حق قوى 14 آذار والرئيس سعد الحريري تحديدا الاستفادة من اي لحظة سياسية للرد على الإساءة التي تعرض لها أثناء لقائه الرئيس أوباما في ديسمبر من العام 2010، حيث تم اسقاط حكومته باستقالة ثلث أعضائها قبل ان ينتهي اجتماعه في البيت الأبيض، وكان ذلك خطأ غير مقبول من قوى 8 آذار ومن ورائهم دمشق التي أرادت في حينها إعلان وفاة الـ (س ـ س).
ومن حق الرئيس سعد الحريري العتب على الرئيس ميقاتي لقبوله ترؤس الحكومة في تلك اللحظة، بالرغم من ان اعادة تكليف الحريري في ذلك الوقت كان مسألة مستحيلة، وهذه الاستحالة ليست عادلة ـ صحيح ـ ولكن البلد كاد يغرق في توتر وفراغ لا ينتهي، وكانت مخالب المخابرات السورية مازالت تتحكم بمفاصل الحياة السياسية اللبنانية، بعد ان أخلي لها الجو بعيد أحداث 7 مايو 2008، حيث كانت قوى 14 آذار مكشوفة الظهر دوليا وعربيا، ومهددة بالسلاح المتفلت داخليا.
عتب قوى 14 آذار على جنبلاط لعدم استقالة وزرائه من الحكومة الميقاتية قد يكون مشروعا من وجهة نظرها، لأن لهذه القوى مونة، او لنقل أملا عند جنبلاط في الاستجابة لمطلبها، نظرا لبعض التفاهمات التي حصلت في الفترة الأخيرة، وقبل طرح مشاريع قوانين الانتخاب، خصوصا اقتراح القوات اللبنانية.
لكن عتب جنبلاط على هذه القوى أكبر، وله ما يبرره، وهو شعر ان أصدقاءه لا يريدون مفاوضته، بل يطلبون منه فقط، هكذا حصل في طلبهم الاستقالة من الحكومة، وهكذا حصل فيما يتعلق بقانون الانتخاب، وتوضحت لديه صورة لم يكن يتوقعها وهي ان هؤلاء الأصدقاء يساومونه على الورقة التي تهمه، وهي علاقته مع المملكة العربية السعودية الحريص عليها حتى في أصعب الظروف، رغم ان جنبلاط بدأ في اطلالته التلفزيونية مساء الخميس الماضي، انه ليس في وارد الاشتباك مع احد، ولا يرغب بالرد على التهجمات التي استهدفته، وما استنفر مشاعر البعض، فهم منه خطأ، ولم تكن مقاصده تحميل فئة مذهبية تبعات التعصب، وتبرئة الفئة الأخرى، وهو لم يقل الكلام الذي أشار اليه عن محاولات تبني استشهدا اللواء الحسن على لسان الرئيس الحريري شخصيا كما فهم الأخير.
أوساط جنبلاط تعتبر ان اللحظة السياسية حساسة جدا، ولا تحتمل اي شكل من أشكال الفراغ الذي قد تحدثه استقالة الحكومة، والحرب الأهلية التي يريدها بشار الأسد في لبنان قد بدأت بالفعل وتم اخمادها بحكمة رئيس الجمهورية وغيره، وبالتدخل الحاسم للجيش وبالاتصالات الدولية.
ويرى جنبلاط ايضا ان الأحداث في سورية طويلة، ولم يعد لدى اي من الأطراف اللبنانيين او الاقليميين قدرة في التأثير عليها وأصبحت لعبة دولية كبرى، فيها شيء من التآمر على الثورة، وليس صحيحا ان التوتر المذهبي الذي ظهر في لبنان بسبب حزب الله ومواقفه فقط، بل ان الأمر يتعدى ذلك الى صراع اقليمي يغذيه التطرف من الجهتين وتعمل له إسرائيل وإلا كيف يمكن تفسير استهداف مسجد للشيعة في شمال أفغانستان او حتى الحصار السياسي الذي يتعرض له العرب السنة في العراق.