بيروت ـ عمر حبنجر
وضع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بإعلانه مواصلة الحرب الى جانب النظام في سورية، لبنان في مهب الرياح الاقليمية والدولية الساخنة، وسط اتساع دائرة الشلل النيابي والحكومي الى مختلف مؤسسات الدولة ومرافقها، مضافا الى ذلك تعميق الانقسامات بين القوى السياسية الموزعة بين 8 و14 آذار، المعدومة التواصل والوسطية التقليدية أساسا.
وقد ظهرت معالم الانقسام في جدار حكومة تصريف الاعمال، بعدم تجاوب وزير الخارجية عدنان منصور المحسوب على «الثنائي الشيعي» أمل وحزب الله مع توجيهات رئيس الجمهورية ميشال سليمان بتقديم رسالة ـ شكوى الى مجلس الأمن الدولي ـ دون دعوته للانعقاد، حول الانتهاكات السورية، من اي طرف سوري كان، نظاما او معارضة.
مماطلة الوزير منصور في التجاوب مع الرئيس منذ قصف مروحية سورية لبلدة عرسال اللبنانية الحدودية، جعلت وزير الخارجية السورية وليد المعلم يسبقه الى ارسال مذكرة الى لبنان، تطالبه بتنفيذ اتفاق الدفاع والامن المعقود بين البلدين، وكأن سورية هي التي تقصف من لبنان، وليس العكس.
واوضح مصدر واسع الاطلاع لـ «الأنباء» ان توجيه مثل هذه الرسالة لا يعد سابقة بين البلدين، حيث كانت سورية وجهت كتابا مماثلا الى الامم المتحدة اثر احتجاز باخرة محملة بالسلاح الى المعارضة السورية، في مرفأ طرابلس وتدعى «لطف الله».
وقال المصدر ان هدف الرسالة اللبنانية ـ الشكوى، هو حفظ حق لبنان في حماية ارضه واستقراره، وانه في كامل الجهوزية للتعاون في سبيل تحقيق هذا الهدف، من دون خلفيات عدائية، وقد تبلغ مندوب لبنان لدى الامم المتحدة نواف سلام الموقف الرئاسي من هذه الاعتداءات تمهيدا لابلاغه الى المرجع الدولي.
وكان السيد حسن نصرالله، اكد بمناسبة «يوم الجريح» استمرار الحزب بالقتال في سورية، مشيرا الى ان حزبه كان آخر المتدخلين، غامزا من قناة تيار المستقبل، وقال ان المعركة في سورية طويلة ومفتوحة.
واشار الى حساسية الوضع في منطقة بعلبك ـ الهرمل التي انطلق منها الحزب الى الانخراط في الازمة السورية، ودعا الى التثبت من الشائعات التي تسري هناك، مؤكدا ان الصواريخ التي نزلت على بعلبك والهرمل والنبي شيت لم يكن مصدرها بلدة عرسال وانما مصدرها الجماعات المسلحة من داخل سورية. كلام نصرالله اثار مخاوف المسؤولين اللبنانيين، خصوصا قوله ان قوات الحزب ستكمل ما بدأت به بمعزل عن كل ما يمكن ان يستهدف الحزب ومناصريه، ماليا وعسكريا، معلنا تحريم اطلاق النار في الهواء بالمناسبات ودعا من لديه ذخيرة كثيرة الى ان يقدمها للحزب.
وواضح من كلام نصرالله ان وجود الحزب في سورية لم يعد مرتبطا بالقصير او بحلب او بمدينة ثالثة وحسب.
أعنف رد على نصرالله جاء من الرئيس سعد الحريري الذي رأى أن الأمين العام قدم دليلا جديدا على المسار الخطير الذي يقود اليه البلاد، ملاحظا أن السيد نصرالله بذل مجهودا خطابيا كبيرا لتبرير الانخراط في هذا المسار وتجميل الاهداف السياسية لمشاركة حزب الله بالحرب السورية. واعتبر أن السيد حسن لم يكن موفقا، ولم تحالفه البلاغة في إسقاط الجرائم التي يشارك حزبه في ارتكابها، على تيار المستقبل وادعائه أن التيار يرسل المقاتلين ويدفن القتلى في سورية، واصفا هذا الزعم بأنه من مخيلة السيد نصرالله ولا مكان له على الاطلاق في مراتب الصدق والحقيقة، واتهمه بالتضليل في تحديد الاسباب التي حملته على المشاركة في الحرب، وقال ان السيد نصرالله يقرأ في قاموس واحد هو قاموس المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية.
وعلق الحريري على إصدار نصر الله الفتوى بتحريم إطلاق الرصاص بالمناسبات قائلا: حبذا لو يقتنع بإصدار فتوى بوقف استخدام السلاح.
والجدير بالذكر أن رصاصا كثيفا أطلق في الضاحية الجنوبية وبعض أحياء بيروت، عند مباشرة نصرالله خطابه بمناسبة يوم الشهيد، وفي ختامه أيضا.
ولوحظ، انه ولأول مرة، غابت عمائم مشايخ أهل السنّة عن احتفال حزب الله بيوم الجريح في مجمع شاهد على طريق المطار، وعلمت «الأنباء» أن بعض الشيوخ المحسوبين على الحزب اعتذروا عن الحضور بسبب الاحتقان المذهبي المتفاقم، تحت ضغط مشاركة حزب الله بالحرب دفاعا عن النظام السوري، وانهم إن آمنوا عدم التعرض لهم من قبل الجهلة في مكان الاحتفال فلا يأمنون العودة بكرامة الى مناطقهم وأماكن مساجدهم. ويقول احد هؤلاء الشيوخ ان المراجع المعنية في الحزب، قدرت الموقف.
العماد ميشال عون، غيّر رأيه الرافض لمشاركة حزب الله في الحرب السورية، بدليل ما أعلنه أمس، من أن هدف قتال الحزب في سورية هو منع نقل المعركة الى لبنان، وإرجاعها الى حيث بدأت، وان من يتهم الحزب بالتدخل هم الذين كانوا يؤمنون الحماية للمسلحين. أنا ضد التدخل لكن أنا لا أستطيع أن أرى الحرب على حدودي وأدعها تدخل البيت.
بمقابل هذا الكلام شدد قائد الجيش العماد جان قهوجي على وجوب مواكبة هذه المرحلة الدقيقة بأقصى درجات اليقظة والجهوزية وبمضاعفة الجهود لقطع دابر الفتنة واعتبر أن تماسك الجيش بوجه الاخطار هو الضمانة الاكيدة لعدم عودة عقارب الساعة الى الوراء، وإدخال لبنان في أتون الصراعات الدولية والاقليمية، وحث الوحدات العسكرية الى عدم التهاون ازاء أي اعتداء طاول أرواح المواطنين وممتلكاتهم.
هذا وقد لوحظ أمس انتشار الاعلام الحزبية في شوارع بيروت وأحيائها، حيث ظهرت أعلام «أمل» و«حزب الله» في الأحياء الشيعية كالبسطة التحتا، والخندق الغميق وزقاق البلاط وحي اللجا بالمصطبة، حيث شوهدت أعلام حزب الله مثبتة على جدار الحديقة الخلفية للرئيس المكلف بتشكيل الحكومة تمام سلام. مقابل انتشار أعلام حزب الله والجماعة الاسلامية والبر والتقوى السلفية في باقي أحياء بيروت والطريق الجديدة، مع وجود شبان من زوايا الشوارع المتقابلة أو المتواصلة.
وعلمت «الأنباء» من مصادر رسمية أن لانتشار أعلام الاحزاب والتيارات المذهبية الطابع علاقة بتشكيل الحكومة. وقد باشرها حزب الله تعبيرا عن إصراره على الاشتراك بالحكومة العتيدة، مقابل رفض «المستقبل»، و14 آذار هذه المشاركة.
ويبدو أن تنازل حزب الله عن «الثلث المعطل» في الحكومة لم يقنع الطرف الآخر بقبول عودة الحزب الى الحكومة، دون شرط الانسحاب من الحرب في سورية، الذي يطرحه الفريق الآخر، وقد تلقى الرئيس سلام نصيحة من الرئيس نبيه بري نقلها اليه الوزير علي حسن خليل أمس بعدم المغامرة بإعلان «حكومة واقع الحال» في هذا الظرف الحساس.