بيروت ـ عمر حبنجر
هدر الوقت والاستقرار مع تجاهل تداعي الاقتصاد مازالت السلطات اللبنانية تواجه به الحراك الشعبي المنتشر في شتى الانحاء اللبنانية المدعوم بحركة طلابية، جامعية وثانوية جامعة، بلغت الذروة مساء اول من امس عندما دوت «قرقعة الطناجر» في مختلف المواقع والساحات، من بيروت الى طرابلس شمالا مرورا بجونيه وجبيل، والى صيدا وصور وكفررمان جنوبا، وزحلة وبعلبك بقاعا، اضافة الى تظاهرة الشموع الهائلة في وسط بيروت والتي جمع الآلاف من النساء اللواتي لم يسبق لهن الخروج من البيوت ليلا للمشاركة بهذا الحشد.
لكن الحراك مستمر، وصراع الارادات مستمر ايضا بين شعب قرر ان يستعيد وحدته وحقوقه بعيدا عن التفسخات الطائفية والالتزامات بالتبعية لجهات خارجية واقليمية.
وكلا الطرفين يراهن على تعب الآخر، الحراكيون ـ وخصوصا منهم الطلاب ـ والسلطة المنشغلة باعادة هندسة حكومتها بأقل خسارة ممكنة، ويقينها ان المتظاهرين لابد انهم سينكفئون، حسبما قال الوزير جبران باسيل للرئيس سعد الحريري، لكن هؤلاء لم ينكفئوا، وكما قالت احداهن: ما نفع العِلم اذا ضاع الحلم؟
والراهن ان المعنيين في السلطة ادركوا متأخرين خطأ ازاحة «الحراك» عن الطرقات والجسور حيث كان بوسع القوى الامنية الشرعية والمشرّعة التعامل معه تحت ذريعة عدم جواز اغلاق الطرق الآن يعتمد الحراك على طلاب الجامعات وتلامذة المدارس من جميع الطوائف والمناطق في التظاهرات والاعتصامات امام الوزارات والمؤسسات الحكومية، خصوصا منها التي تعد منبعا للفساد كمؤسسة كهرباء لبنان والاملاك البحرية التي وضعها الحراكيون على جدول اعتصاماتهم اليومية من «زيتونة باي» الى «ايدن باي» الى بيال المملوكة بأغلب اسهمها الى سياسيين او اولادهم او وكلاء عنهم، الامر الذي اربك القوى الامنية التي لا تستطيع مواجهة الطلاب كما فعلت مع الحراكيين الآخرين، وحتى حزب الله، الذي هاجم رجاله المعتصمين على جسر الرينغ وفي ساحة الشهداء، يقف مكبلا امام هذه البراعم الغاضبة.
ومع دخول الحراك الشعبي غير المسبوق أسبوعه الرابع، احتشد مئات الطلاب لليوم الثاني على التوالي أمس أمام وزارة التربية والتعليم العالي في بيروت، رافعين الأعلام اللبنانية ومطالبين بمستقبل أفضل.
ورفعت لافتات كتب على إحداها «لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس»، وعلى أخرى «ماذا لو كان لدينا طاقم سياسي شاب ومثقف ونظيف وكفؤ؟».
ونظم طلاب آخرون تظاهرات عدة ومسيرات في جميع أنحاء لبنان لاسيما في الأشرفية في شرق العاصمة وجونية شمال العاصمة وشكا وطرابلس شمالا وصيدا والنبطية جنوبا وبعلبك شرقا.
وانتقل التلاميذ من مدرسة إلى أخرى داعين زملاءهم إلى الالتحاق بالحراك، وهم يحملون حقائبهم المدرسية على ظهورهم ويلفون أكتافهم بالعلم اللبناني.
واحتشد الطلاب في مناطق مختلفة أمام مصارف ومدارس وجامعات ومرافق عامة، ولا سيما مكاتب شركة الاتصالات «أوجيرو» ومصلحة تسجيل السيارات، لمنعها من العمل، بحسب الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية.
كما تجمع عدد من المحتجين أمام مجلس النواب في إطار التحركات لإقفال المرافق الحكومية، مطالبين بحل المجلس الحالي تمهيدا لانتخاب مجلس جديد، وفق ما أفادت الوكالة الوطنية.
وفي طرابلس، كبرى مدن الشمال، حيث لم يتراجع زخم الحراك منذ بدايته، تجمع المئات في ساحة النور رافعين الأعلام اللبنانية.
وهتفوا بشعارات كثيرة من بينها «ثورة نحو التغيير، ثورة على الفساد، ثورة ضد الحكام، ثورة ضد النظام».
سياسيا، يبدو ان اللقاء الثاني بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسل لم يتوصل الى نتيجة ايجابية، فالحريري مازال مصرا على حكومة تكنوقراط، بمعنى لا يكون فيها باسيل ولا حزب الله مراعاة للمجتمع الدولي، وللمعتصمين في الساحات وامام المرافق والوزارات، بينما لا يتصور الرئيس ميشال عون نفسه موافقا على تشكيلة حكومية ليس في عدادها صهره الوزير جبران باسيل.
ونقلت المؤسسة اللبنانية للارسال (ال.بي.سي) عن الرئيس نبيه بري انه مع حكومة «تكنو ـ سياسية» يتمثل فيها اختصاصيون والحراك الحقيقي وان الساعات المقبلة ستكون حاسمة.
وأعلن بري تأييده المطلق لتسمية سعد الحريري رئيسا للحكومة الجديدة للبلاد، مؤكدا أن هذا الأمر الذي يصل إلى حد الإصرار يأتي انطلاقا من حرصه على مصلحة لبنان.
وقال رئيس المجلس النيابي في تصريح نقلته قناة «إن.بي.إن»: «أنا مصر كل الإصرار على تسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة، وإصراري على تسميته لأنه يحقق مصلحة لبنان، وأنا مع مصلحة لبنان».
في هذا السياق، تأتي على ما يبدو الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس الحريري الى القصر الرئاسي في بعبدا، حيث اجتمع مع الرئيس عون، لكن تصريحه بعد الاجتماع لا يوحي بالتوصل الى جديد حيث قال إنه سيواصل إجراء المحادثات مع الرئيس اللبناني وأطراف أخرى.
واضاف «جئت لأحكي مع فخامة الرئيس ونتشاور وسنكمل المشاورات مع الأفرقاء الآخرين لكن لا أريد أن أحكي كثيرا ولكن هيدا الشي الوحيد الذي أود قوله».