بيــروت ـ عمــر حبنجـــر - اتحـاد درويـش
«أحد الإصرار».. كان العنوان الذي اختاره الحراك الشعبي لتظاهراته في بيروت والمدن اللبنانية كافة، بما يشبه الرد على التريث الرئاسي في توجيه الدعوة للاستشارات النيابية المُلزمة تمهيدا لتشكيل حكومة إنقاذية. وكانت أفرع مصرف لبنان المركزي هدفا للتظاهرات في بيروت وطرابلس وصيدا وصور، حيث شاركت مختلف الفئات الشعبية، خصوصا في النبطية وصور، حيث اختفت مظاهر معارضة مناصري حركة أمل وحزب الله مع غياب شعار «كلن يعني كلن» الذي كان يثير حفيظة البعض، لكنهم دخلوا على الخط واعتدوا على المتظاهرين لدى اقترابهم من البنك المركزي.
وطور الحراك أسلوب مظاهراته، باتجاه المواقع السياحية لاسيما البحرية منها، والتي لطالما طالب اللبنانيون بأن تكون الشواطئ ملكا عاما وليس خاصا، بعدما أجرتها السلطة السياسية لبعض النافذين وبأسعار متدنية. ففي بيروت، تمركز المتظاهرون في الواجهة البحرية وافترشوا شاطئ منطقة «الزيتونة باي» الراقي الذي تنتشر على جنبات المقاهي والمطاعم الفاخرة التي خلت امس من روادها، ورددوا الشعارات المطالبة باسترداد الأملاك العامة البحرية التي اعتبروها أملاكا «مغتصبة». كما قام الشباب بالسباحة والبعض الآخر منهم قام باصطياد الأسماك.
وفي طرابلس، شهد مرفأ المدينة مسيرة بالمراكب قبالة شاطئ الصيادين وتوجه المحتجون بمراكبهم الى الجزر المقابلة وحملوا الأعلام اللبنانية واللافتات التي تطالب بإنصافهم. ورسموا بواسطة مراكبهم كلمة ثورة. كما لجأ المحتجون الى التظاهر والاعتصام أمام منازل السياسيين لاسيما في طرابلس، حيث شملت الحركة منازل رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، والنائب سيمر الجسر والنائب فيصل كرامي، والوزير السابق اشرف ريفي.
ولم يختلف مشهد الاحتجاج عن مدينة عكار الواقعة شمالا والتي تعاني الحرمان منذ عقود، حيث توجه عدد كبير من المحتجين في تظاهرة الى مطار القليعات، مطالبين المعنيين بالإسراع في تشغيل المطار وأطلقوا الطائرات الورقية. وفي اليوم الخامس والعشرين للحراك الشعبي، انطلقت ايضا في مدينة صور تظاهرة حاشدة لأبناء المدينة، كما في مدينة بعلبك التي توجه أبناؤها مساء الى القلعة التاريخية في وقفة احتجاج.
وفيما خيمت المطالب الحياتية على «أحد الإصرار»، كان الوضع السياسي في خلفية الكثير مما يجري في الساحات والشوارع، حيث وجدت مختلف القوى نفسها تترقب ما سيقوله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعد ظهر اليوم وما سيتحدث به رئيس حزب القوات اللبنانية د.سمير جعجع بعده بقليل من حيث التوقيت، وطبعا ستكون الحكومة محور الخطابين حجما ومضمونا، فعلى صعيد الحجم هناك طروحات متعددة بين حكومة رشيقة واخرى ترضي أطرافا اكثر، والرئيس سعد الحريري يميل الى التكنوقراط، بينما يرى حزب الله أن تكون تكنو- سياسية تبريرا لوجود الرئيس الحريري على رأسها، ويؤيده في ذلك حلفاؤه وعلى رأسهم التيار الوطني الحر.
وتتوقع المصادر المعنية أن ينطوي خطاب نصرالله على المزيد من التسهيل للأمور قياسا على خطابه السابق، فقد سبق أن اعتبر الدعوة الى إسقاط النظام واستقالة الحكومة مرفوضا قطعا، لكن الحكومة استقالت، وها هو يعمل على أن تكون البديلة برئاسة الحريري نفسه، لأن الحريري وحده المهيأ للتواصل مع أميركا والغرب والعرب، وهو استضاف وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو في مزرعته قرب واشنطن، بينما لم يتسن للرئيس ميشال عون مقابلة مسؤول أميركي واحد خلال زياراته الى نيويورك أثناء حضوره اجتماعات الأمم المتحدة.
أما بالنسبة لعقدة «الجيش والشعب والمقاومة» التي يُصر حزب الله على إدراجها في البيان الوزاري للحكومة العتيدة، فقد تحدث وزير الداخلية السابق مروان شربل عن صيغة تسوية يجري العمل عليها تقول «جيش وشعب مقاوم». ماليا، يعقد حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة مؤتمرا صحافيا ظهر اليوم يتناول فيه القضايا المتعلقة بالخدمات المصرفية قبل استئناف عمل المصارف طبيعيا غدا.
غير أن استئناف عمل المصارف غدا مرتبط بقرار نقابة العاملين في المصارف التي تجتمع اليوم وعلى جدول أعمالها إمكانية إعلان الإضراب العام في ضوء تهافت المودعين، ما يعرض سلامتهم للخطر.
ويفترض أن يطمئن حاكم مصرف لبنان المركزي المودعين والموظفين الى سلامة الوضع في ضوء ما جرى بحثه في اجتماع القصر الجمهوري الذي ترأسه الرئيس ميشال عون ووزير المال علي حسن خليل ورئيس جمعية المصارف سليم صفير.
لكن ما صدر عن الاجتماع لم يفض الى الاطمئنان المطلوب، ان بسبب عدم دعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري اليه او لجهة التشكيك بجدوى مثل هذه الاجتماعات، بدليل استمرار توالد الأزمات في مختلف أوجه حياة اللبنانيين، وآخرها أزمة المعدات الطبية التي أجبرت وزير الصحة د.جميل جبق الى التواصل مع رئيس الحكومة ووزير المال وحاكم المصرف المركزي، داعيا لتحويل الاعتمادات بالدولار لأنه ملزم باستيراد هذه المعدات الطبية.