بيروت ـ عمر حبنجر
حصل ما كان متوقعا، واعلن الوزير السابق محمد الصفدي انسحابه من معركة رئاسة الحكومة اللبنانية، مخليا الطريق لسعد الحريري رئيس الحكومة المستقيلة بوصفه المرشح الاكثر مقدرة على التواصل مع المحيط العربي والمجتمع الدولي.
وطلب الصفدي، وهو الملياردير الطرابلسي الذي تُعد مدينته من افقر مدن البحر المتوسط، سحب اسمه من التداول كأحد الاسماء المطروحة لتشكيل الحكومة العتيدة، وأمل ان يتم تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة من جديد.
وكان الصفدي التقى الرئيس الحريري وابلغه قراره قبل انتقاله الى لقاء الوزير جبران باسيل للغاية نفسها، وتردد ان الصفدي طلب من الحريري ان يتلقى دعم مفتي لبنان ورؤساء الحكومة السابقين، لكن الحريري لم يعده بذلك، لأن موقف رؤساء الحكومة السابقين الثلاثة (نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام) كان سقوطه بالضربة القاضية.
ولاحقا، أكد الحريري أن التيار الوطني الحر ينتهج سياسة غير مسؤولة في ظل الأزمة الكبرى التي يشهدها لبنان حاليا، وأن باسيل هو من اقترح وبإصرار مرتين اسم الوزير السابق محمد الصفدي لرئاسة وتشكيل الحكومة الجديدة المرتقبة.
جاء ذلك في بيان أصدره الحريري ردا على تصريحات أدلى بها مسؤولو التيار الوطني الحر، والتي حملوا فيها رئيس الوزراء المستقيل، المسؤولية عن انسحاب الصفدي، واتهامهم للحريري بأنه تراجع عن وعوده بدعم الصفدي في إطار مناورة لحصر إمكانية تشكيل الحكومة بشخص الحريري.
ووصف البيان، شديد اللهجة، الصادر عن المكتب الإعلامي لسعد الحريري التصريحات الصادرة عن المسؤولين وأعضاء المجلس النيابي من التيار الوطني الحر، بأنها كاذبة وتنطوي على اتهامات باطلة، مشيرا إلى أن بيان الانسحاب الذي أصدره الصفدي يظهر أنه كان متيقنا من دعم الحريري له وعلى أفضل علاقة معه، كما أن الصفدي تمنى في بيانه إعادة تكليف الحريري بمسؤولية تشكيل الحكومة الجديدة.
وأشار الحريري إلى أنه سارع لإبداء الموافقة على اقتراح الوزير باسيل لاسم محمد الصفدي لتشكيل الحكومة الجديدة، لاسيما في ضوء الصداقة القوية التي تجمعه بالصفدي، ورغم أنه (الحريري) كان قد تقدم باقتراحات لأسماء من المجتمع المدني، وعلى رأسها القاضي نواف سلام، غير أنها قوبلت بالرفض المتكرر أيضا.
بيد ان ذلك لا يعني ان تشكيل الحكومة بات طوع البنان، فالرئيس الحريري مازال على كلامه بتشكيل حكومة تكنوقراط خالصة من اهل الاختصاص، بينما يتمسك الرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل ومعهما حزب الله بحكومة التكنو ـ سياسية، وآخر الطروحات على هذا الصعيد تخصيص الوزارات السيادية الاربعة (المال والدفاع والخارجية والداخلية) لوزراء سياسيين وترك الوزارات الباقية للتكنوقراط.
في حين يتمسك الحريري بالتكنوقراط من باب الاستجابة للمزاج العام ولمصالح لبنان العربية والدولية، ما يعني ان الازمة اللبنانية التي اطلت مع الخريف يمكن ان تمضي الشتاء وربما الربيع في ضوء تمسك الاطراف بحدود المواقف.
رئيس مجلس النواب نبيه بري يرى نفسه في غرفة الانتظار، وأن الامور تتفاعل على اكثر من مستوى واستمرارها ينذر بمخاطر كبرى.
وفي ضوء ما تقدم، تستبعد المصادر المعنية توجيه الرئيس ميشال عون الدعوة للاستشارات النيابية الملزمة من اجل تكليف رئيس للحكومة العتيدة قبل التفاهم مع الرئيس المكلف على كل ما يتعلق بهذه الحكومة شكلا وموضوعا واسما وبيانا وزاريا، لأنه ـ اي الرئيس عون ـ يدرك انه ما ان تجرى الاستشارات ويُعلن تكليف من اختارته الاكثرية النيابية يصبح القرار بيد الرئيس المكلف، فهو يشكل الحكومة ويرفع اللائحة الى رئيس الجمهورية، فإذا وافق يكون به واذا رفض يتعين على المكلف الاعادة، لكن اذا ما تكرر الرفض تصبح العين على رئيس الجمهورية.
من هنا استحالة الدعوة للاستشارات قبل التفاهم على التشكيلة الحكومية، ولئن كان التأليف قبل التكليف خطأ دستوري فالدستور في لبنان بات الآن وجهة نظر.
في غضون ذلك، انجز الحراك الشعبي شهره الاول وولج الثاني امس مستقبلا بحشود جماهيرية في ساحات بيروت وطرابلس وصيدا ونقاط التجمع الاخرى، كما في كل يوم احد، تحت عنوان «يوم شهداء الانتفاضة» وبإنجاز آخر مهم تمثل بإخراج الوزير السابق محمد الصفدي من السباق الى السراي الكبير عند اول منعطف شعبي حاد.
ودعا «حزب 7»، وهو احد روافد الحراك الشعبي الثائر، الى تركيز الحراك من الآن وصاعدا على التظاهر امام القصر الجمهوري ومجلس النواب ومجلس الوزراء على اساس انه من غير الجائز ان تكون كل الساحات صاخبة، بينما هذه المواقع الاساسية تنعم بالهدوء.
ورفض الحراكيون ما وصفوه بتحويل الجيش من جيش لحماية الشعب الى جيش لحماية النظام، مع رفض العودة للدولة البوليسية التي كانت سائدة في مرحلة «الوصاية السورية»، وقرروا تعطيل الجلسة التشريعية لمجلس النواب غدا المؤجلة من الاسبوع الماضي، باعتبار ان هذه الجلسة التشريعية ليست شرعية على اساس انه لا تشريع قبل اقرار الموازنة وفي ظل حكومة مستقيلة، ولأنه في جدول الاعمال المطروح ليس ثمة ما ينطبق عليه مفهوم تشريع الضرورة.
وعلى صعيد الحراك الذي قادته «بوسطة الثورة» يوم السبت الماضي انطلاقا من عكار في اقصى الشمال وصولا الى صيدا عاصمة الجنوب، التي منعت البوسطة من تخطيها الى صور والنبطية، بضغط من حزب الله وحركة امل، بداعي انها ممولة من السفارة الاميركية في بيروت، التي اصدرت بيانا تنفي فيه علاقتها بالامر، فقد ردت قناة «المنار» التابعة لحزب الله على من ساءهم منع البوسطة ومعها قافلة من ألف سيارة الى الجنوب بالقول: ان الثورة لا تحتاج الى بوسطة كي تعبر المناطق، لكن القيمين عليها ارادوا العبور الى حيث هم مكشوفون وغير مرغوب فيهم.