بيروت ـ عمر حبنجر
يحتفل لبنان بعيد استقلاله السادس والسبعين، وقد حولته الأحداث الداخلية، وامتداداتها الاقليمية، الى مجرد ذكرى عابرة، الا في ضمائر الاجيال الصاعدة التي خرجت من قمقم الرتابة، الى رحاب المواطنية الحقة، جارفة عبر حراكها الثوري المتأجج في الاسبوع الأول من شهره الثاني الكثير من الغشاوات عن وجوه الفساد السياسي المنقطع الضمير.
احتفالات العيد اليوم، بحجم الظروف السياسية القائمة، لا عرض عسكريا تقليديا في منطقة المرفأ، بل مجرد عرض رمزي في باحة وزارة الدفاع بحضور رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري، والوزراء والنواب والديبلوماسيين العرب والأجانب، واعتماد الرمزية في العرض العسكري بسبب واقع المكان، وانتشار الجيش في المدن والساحات حيث الحراك الشعبي وشعاراته الداعية الى محاربة الفساد واستعادة الاموال المنهوبة، ورفض القوانين المستشرعة لتهريب المرتكبين بدلا من القبض عليهم. وبالتالي لا استقبال رئاسيا في قصر بعبدا كما درجت العادة.
وقال الرئيس عون من بعبدا مساء امس إن الصفقات والتسويات التي تعد لمنطقتنا ومحاولات فرضها تهدد ليس فقط استقلال الدول المعنية بل أيضا كيانها ووجودها.
وأضاف عون في رسالته الى اللبنانيين في الذكرى الـ 76 للاستقلال: «ليست التسويات الدولية وحدها ما يهدد استقرار الدول، ففي الداخل اللبناني خطر محدق يتهدد مجتمعنا ومؤسساتنا واقتصادنا هو الفساد».
وأضاف الرئيس عون «مكافحة الفساد أضحت شعارا استهلاكيا يستحضر كلما دعت الحاجة، لاسيما من قبل الغارقين به، ولكن، عند أبسط إجراءات التنفيذ، تبدأ الخطوط الحمر المذهبية والطائفية بالظهور»، مشيرا إلى أن «معركة مكافحة الفساد قاسية، لا بل من أقسى المعارك، لذلك توجهت إليكم، أيها اللبنانيون، طالبا المساعدة، فلا أحد غيركم قادر على جعل كل الخطوط متاحة ولا أحد غيركم قادر على الضغط من أجل تنفيذ القوانين الموجودة، وتشريع ما يلزم من أجل استعادة الأموال المنهوبة وملاحقة الفاسدين».
وتابع «أكرر ندائي إلى المتظاهرين للاطلاع عن كثب على المطالب الفعلية لهم وسبل تنفيذها، لأن الحوار وحده هو الطريق الصحيح لحل الأزمات»، مشيرا إلى أن «التحركات الشعبية التي حصلت مؤخرا كسرت بعض المحرمات السابقة وأسقطت إلى حد ما المحميات، ودفعت بالقضاء الى التحرك، وحفزت السلطة التشريعية على إعطاء الأولوية لعدد من اقتراحات القوانين الخاصة بمكافحة الفساد»، مضيفا «إن تسليط الضوء على مكامن الفساد عبر الإعلام وفي الساحات صحي ومساعد، وكذلك تقديم المعلومات والوثائق المتوافرة إلى القضاء، ولكن أن يتحول الإعلام والشارع والجدل السياسي الى مدع ومدع عام وقاض وسجان في آن، فهذا أكثر ما يسيء إلى مسيرة مكافحة الفساد».
واعتبر أن «إطلاق الاتهامات العشوائية وإصدار الأحكام المبرمة والتعميم، قد تجرم بريئا، ولكنها بالتأكيد تجهل المرتكب الحقيقي وتسمح له بالإفلات، وأيضا بمتابعة نشاطه في الفساد»، متوجها إلى القضاة بالقول «إن المطلوب منكم اليوم أن تلتزموا قسمكم فتقوموا بواجبكم «بأمانة»، وأن تكونوا «القاضي الشريف الصاد»، فمكافحة الفساد، أينما بدأت، فإن حسن ختامها عندكم، والانتصار فيها رهن شجاعتكم ونزاهتكم».
وقال الرئيس عون «منذ العام 2017 أحلت تباعا على القضاء ما يزيد على 18 ملفا تتعلق بقضايا فساد ورشاوى في إدارات الدولة، وإلى اليوم لم يصدر أي حكم بأي منها، وإذا كانت العدالة المتأخرة ليست بعدالة، فإن التأخر في بت قضايا الفساد هو تشجيع غير مقصود للفساد»، مؤكدا «إننا نعول اليوم على التعيينات القضائية الأخيرة من أجل تفعيل دور القضاء وتحصين استقلاليته للوصول إلى سلطة قضائية مستقلة وشجاعة ومنزهة، تكون السيف القاطع في معركة القضاء على الفساد».
وأوضح أن «تأكيدنا على استقلال لبنان لا يعني خصومة مع أي دولة أو استعداء لأحد، إنما نحن نسعى إلى صداقة صادقة والتعاطي بإيجابية مع من يصادقنا، ولكن انطلاقا من قرارنا الحر وعلاقة الند للند، وقبول ما يلائم وطننا من مقترحات، ورفض ما يشكل ضررا له وإذا كانت السياسة فن الممكن، فهي أيضا رفض اللامقبول».
وحول تشكيل الحكومة المقبلة، أوضح عون أنه كان من المفترض أن تكون قد ولدت وباشرت عملها، مشيرا إلى أن «التناقضات في السياسة اللبنانية فرضت التأني لتلافي الأخطار، وأيضا للتوصل إلى حكومة تلبي ما أمكن من طموحات اللبنانيين، تكون على قدر كبير من الفعالية والإنتاجية والانتظام».
وأكد عون أن التحديات التي تواجه الحكومة القادمة «ضخمة، والاستحقاقات داهمة». ولفت الرئيس عون إلى ان «الاستقلال الناجز يكون عبر تحررنا من نزاعاتنا الطائفية والمذهبية، والبدء بالخطوات اللازمة لإرساء الدولة المدنية»، متوجها إلى العسكريين بالقول «كنتم ولا زلتم وستبقون درع الوطن، وحماة استقلاله وسياج وحدته، وأصعب المهمات التي قد تواجه عسكريا هي المهمات الداخلية كما هو حاصل معكم اليوم، عليكم أن تحموا حرية المواطن الذي يريد التعبير عن رأيه بالتظاهر، وأن تحموا أيضا حرية التنقل للمواطن الذي يريد أن يذهب الى عمله أو الى منزله، ونجاحكم في هذه المهمة الدقيقة هو ميزان ثقة المواطنين بكم، والثقة غالية لا تعوض».
وتلقى الرئيس عون امس رسالة تهنئة من الرئيس الاميركي دونالد ترامب بمناسبة الاستقلال، مبديا الاستعداد للعمل مع حكومة لبنانية جديدة تستجيب لحاجات اللبنانيين في بناء بلد مستقر مزدهر وآمن.
الرئيس الحريري تحدث في اجتماع كتلته عن العراقيل المانعة من تأليف حكومة التكنوقراط وقال ان الامور تدور حول نفسها، وانه ليس في وارد تشكيل حكومة تكنوسياسية كما يريدون، متمنيا ان تؤلف حكومة حتى من دون رئاسة.
وكشف الحريري انه عرض على الفريق آخر تشكيل حكومة اختصاصيين لستة اشهر فقط، وبعدها يشكلون الحكومة التي يريدون، وخلال الستة اشهر اسعى إلى تدارك الازمة الاقتصادية، وسأجول حول العالم ساعيا للحصول على مساعدات وقروض، الى جانب اقرار قانون انتخابي جديد انطلاقا من اقتراع القانون المقدم من الرئيس نبيه بري.
وتقول صحيفة «اللواء» المستقلة، ان الحريري كرر القول انه ليس من الصنف الذي تملى عليه آراؤه من الداخل او الخارج، متحدثا عن العراقيل التي وصفها وزراء التيار الحر في الحكومة المستقيلة والتي ادت الى تأخير فرصة الحصول على قروض «سيدر» المقدرة بـ 11 مليار دولار.
وعن اختيار محمد الصفدي لرئاسة الحكومة قال انه عرض ثلاثة اسماء بينها سفير لبنان السابق في الامم المتحدة نواف سلام، لكن حزب الله وأمل رفضاه، لذلك عدنا الى خيار الصفدي الذي اقترحه جبران باسيل، وقال: مشكلتي في الحكومة مع جبران باسيل وليس مع الرئيس ميشال عون.
في هذا السياق، قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط: «لقد نصحت الحريري بعد الاستقالة اكثر من مرة بعدم ترؤس الحكومة المقبلة، فليحكموا حتى من لون واحد». نافيا ان يكون حزب الله ضغط عليه، اي على جنبلاط، للبقاء في الحكومة.
وأضاف: لو كنت مكان الحريري لوقفت متفرجا، لقد قلت له إياك والصفدي.
وفي حديث لقناة «ام.تي.في» وردا على سؤال عن رأيه بالخطاب الأخير للرئيس عون أجاب: انتهى العهد في الشارع، انتهت الجمهورية الثانية، انتهى الطائف.
الى ذلك، كان لكلام السفير الاميركي السابق في بيروت جيفري فيلتمان امام الكونغرس «وقع صادم» في لبنان، بحسب اذاعة «صوت المدى» الناطقة بلسان التيار الوطني الحر، وذلك بإقراره أمام الكونغرس الاميركي بأن هناك تقاطعا بين التحركات الشعبية في لبنان واهداف السياسة الاميركية في هذا البلد، وقوله ان حزب الله القوي والقادر يستهدف عبر حلفائه، اي عبر رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر.
في غضون ذلك يقيم العسكريون المتقاعدون في الحراك الشعبي «عرضا مدنيا» في ساحة الشهداء بعد ظهر اليوم الجمعة، احتفاء بالاستقلال، وتحت شعار: كلنا للوطن.