بيروت - جويل رياشي
أطلّ المصور حسين بيضون بمعرض لصور فوتوغرافية استمر ليومين في "دار النمر" بالحمرا، مقدما مادة تصلح لكتاب بحثي يروي حكايات أبناء القرى والمدن الحدودية اللبنانية، وقاطنيها من لاجئين سوريين وقبلهم فلسطينيين.
مادة بحثية موثقة، أشرف عليها استاذ العلوم السياسية دانيال ماير الذي يركز أبحاثه على مسائل تتعلق بالهويات والحدود. وكانت له تجربة بكتاب صدر في العام 2016 حمل عنوان "تشكيل حدود لبنان: المقاومة المسلحة والتدخل الدولي في جنوب لبنان".
وترافق افتتاح المعرض بندوة شارك فيها ماير ومدير قسم الدراسات المعاصرة في "المعهد الفرنسي للشرق الادنى" كامل درعي والكاتبة ريتا باسيل التي لم تخلُ مداخلتها من الزسائل السياسية معرّجة على ما يشهده لبنان حاليا من احداث ومؤكدة "ان الاقتصاد استطاع ان يجمعنا رغم كل اختلافاتنا. الاقتصاد هو الحدود". وتساءلت "اين الدولة؟ السؤال لا ينطبق فقط على الحدود المهمشة؟ اين الدولة حتى في الوسط؟".
المعرض والكتيّب الخاص احتضنتهما "دار النمر للفن والثقافة" في شارع كليمنصو بالتعاون مع مؤسسة "هينرش بل" مكتب بيروت.
والصور التي زينت جدران إحدى القاعات في "دار النمر"، التي تشهد أنشطة عدة على مدار السنة، عكست حكايات يصحّ بها القول "في كل صورة حكاية"، تتخطى الاوراق والبراويز وتصلح لشريط وثائقي.
صور بقياسات متوسطة مرفقة بشروح وافية تحتها، ما يعني ان الأمر تخطى عدسة حسين بيضون اليافع في المهنة (تقتصر مسيرته في التصوير على 13 سنة)، ذلك ان المادة تميزت بالشمولية وحملت معانٍ كثيرة، وإن طغى عليها الجانبان السياسي والإنساني.
في الأساس تعكس الحدود صورة مناطق مهمشة، حيث نطرح مرات عدة سؤالاً تقليدياً: أين هي الدولة (اللبنانية)؟ والسؤال يأتي نتيجة غياب الخدمات والمرافق الحيوية أساساً، الى ولادة نقاط (مراكز) حدودية جديدة غالبيتها بعد خروج الجيش السوري من لبنان في 26 أبريل 2005، ويشير الى ذلك سكان القرى الذين تشملهم الصور، بالإشارة مراراً الى ان "الجيش السوري كان هنا، ثم جاءت الحدود، وحضر الجيش اللبناني".
هذا الكلام ينسحب على الحدود اللبنانية السورية شمالاً حيث النهر الكبير يفصل بين البلدين، وفي البقاع الشرقي حيث تحوّلت المناطق الحدودية الجردية بين البلدين، مأوى لإرهابيي "داعش" و"جبهة النصرة"، الى ان حررها الجيش اللبناني في عملية "فجر الجرود" صيف 2017.
جنوباً وفي نقاط ممتدة صعوداً من الناقورة الى مرجعيون وصولاً الى مزارع شعبا والضفة المحاذية للبقاع الغربي حيث جبل الشيخ وحرمون حدود مع فلسطين المحتلة التي يرفع لبنان في مناطقه المحاذية إشارات تشير بوضوح الى فلسطين، وتغيب اسرائيل.
في القصص ايضاً حكايات عن ناس من طوائف مختلفة وجدوا أنفسهم يحملون السلاح لحماية حقولهم من إرهاب مسلحي "داعش" والنصرة"، وكان سبقهم جنوبيون عانوا من الاحتلال الاسرئيلي حتى التحرير في 25 مايو 2000، فعادوا الى حقولهم، ليشهد لبنان من شماله الى جنوبه نهضة زراعية وعودة الى الأرض التي تفرض شرط الاهتمام بها.
مسألة أخرى أفرزتها الحرب السورية، هي عدم تمكّن سكان طرابلس وبعض قرى البقاع الشمالي من العبور الى المناطق السورية، جراء تحولهم مطلوبين هناك بعد اتهامهم بالتورط في الحرب السورية.
وبين الصور – القصص، حكايات عن لبنانيين استقبلوا لاجئين سوريين مكثوا فترة موقتة "ترانزيت" في لبنان، ثم استقروا في دول الهجرة في أوروبا وأميركا الشمالية (كندا خصوصاً). اللاجئون شجعوا مضيفيهم على الهجرة، او اعتماد زراعات جديدة وتربية النحل مثلاً واستنساخ برامج من الدول التي استقروا فيها.
حكايات تتخطى عدسة الكاميرا الى العين البشرية والمشاعر الإنسانية، ومعالجة المآسي الناجمة عن شعوب تعيش في حدود تشهد اضطرابات في أحد جانبيها، فكيف الحال مع حدود مع إحدى كبرى مشكلات الشرق الأوسط منذ نكبة فلسطين، وصولاً الى تداعيات الحرب الأهلية السورية.
المشوار يطول في القاعة الصغيرة: القليعة، مرجعيون، الناقورة، أبل، الخيام (جنوبا) حيث الخلاف على تحديد "الخط الأزرق" بين لبنان وفلسطين المحتلة. ومنها الى عنجر ومجدل عنجر وعرسال والقاع ومشاريع القاع في البقاع الشمالي، وصولاً الى وادي خالد والعبودية والنهر الكبير شمالاً. حكايات ووجوه لأناس من إتنيات مختلفة، وتراب ضاعت هويته بين دولة لبنانية غابت طويلاً بسبب "ظروف قاهرة" ثم عادت النقاط الحدودية وفي أحد جانبيها العلم اللبناني.
الحدود اللبنانية هي عن جدارة "قصة القصص"، وتحتمل أكثر من معرض ولوحة وصورة، وترحب في المقابل بالجهد المبذول من حسين بيضون وفريق العمل.