بيروت ـ عمر حبنجر واتحاد درويش
حصلت الموازنة العامة، التي اعدتها حكومة سعد الحريري المستقيلة، على ثقة اكثرية مجلس النواب بعد تبنيها من جانب رئيس الحكومة الجديدة حسان دياب، ما اعتبره تيار المستقبل بمنزلة رد على اولئك الذين اعتبروا ان المشكلة في حكومة الحريري وأسقطوها في الشارع.
لكن وفي المقابل، فإن الحراك الشعبي الذي اسقط حكومة الحريري حجب ثقته عن حكومة دياب وشرعيته عن المجلس النيابي من خلال محاولاته المتعددة الاشكال والظروف لمنع انعقاد هذه الجلسة مع المناداة بانتخابات نيابية مبكرة.
كتلة المستقبل حضرت متأخرة لكنها رفعت الحضور النيابي الى 75، وكان هدفها الحصول على تبني موازنة الحكومة السابقة من قبل الحكومة الحالية، وقد كان لها ما ارادت بعد جدال دستوري مع رئيس المجلس نبيه بري الذي احتاج ليعمل «السبعة وذمتها»، كما قال، من اجل عقد هذه الجلسة، مستعينا بالجيش الى جانب القوى الامنية، ثم استكملها باختصار عدد المتكلمين من 23 الى 7 نواب كل يمثل كتلته، بحيث تمكن من انهاء الجلسة في يوم واحد بدلا من يومين، تجنبا للعقبات الامنية التي واجهت الجلسة.
الرئيس بري برر انعقاد الجلسة بالاعراف التي تجيز انعقادها في ظل حكومة تصريف اعمال حضرها رئيسها دياب من دون الوزراء، وقد رد عليه النائب سمير الجسر باسم كتلة المستقبل متحفظا وملحا على موقف واضح من رئيس الحكومة بشأن تبني موازنة الحكومة السابقة، والتي تجاوزها الواقع السياسي والمالي، وباتت ارقامها خارج الميدان بعد اجتياح الدولار الاميركي لليرة اللبنانية.
وشارك في الجلسة نواب حزب الله وحركة امل والتيار الوطني الحر وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والحزب القومي، فيما قاطعها كل من النائب سامي الجميل وكتلة حزب الكتائب وكتلة القوات اللبنانية والنائب فيصل كرامي والنائب نعمة افرام وبولا يعقوبيان وميشال معوض. واعطى الرئيس بري الكلام لرئيس الحكومة حسان دياب الذي قال: لا شيء عاديا في لبنان اليوم. كل شيء استثنائي، وتعقيدات الظروف الاقتصادية المالية والنقدية تملي علينا التصرف من منطق الضرورة والعجلة، وايضا الاستثناء. رئاسة الحكمة تدرك جيدا المفاهيم الدستورية، وتتمسك بالصلاحيات المعطاة لها، وهي تضع نصب اعينها مصلحة الدولة والمواطنين.
ولأن الواقع استثنائي، فإن الحكومة في ظل وضعيتها الراهنة، اي قبل نيلها الثقة، وبحسب الرأي الدستوري الراجح، هي حكومة تصريف اعمال بالمعنى الضيق، ويفترض ان يكون عملها محصورا بإعداد البيان الوزاري، وبالتالي لا يمكن لها ان تمثل مجتمعة امام المجلس النيابي الكريم في جلسة مناقشة الموازنة العامة، كما انه لا يحق لها استرداد الموازنة. ان الحكومة لن تعرقل موازنة اعدتها الحكومة السابقة، وناقشتها لجنة المال والموازنة النيابية واللجان المشتركة، واكتملت اجراءاتها. انطلاقا من ذلك، فإن الحكومة تترك الامر الى المجلس النيابي الكريم، مع احتفاظها بحق تقديم مشاريع قوانين لتعديلات في الموازنة بعد نيل الثقة.
هنا، طلب النائب سمير الجسر الكلام بالنظام باسم كتلة المستقبل سائلا: هل ان رئيس الحكومة الجديدة يتبنى مشروع الموازنة الحالي، هو يتبني او لا يتبني، هذه الموازنة، لقد تحدث عن اجراءات تعديلية بعد الثقة، فهل هو يتبنى او لا يتبنى، والا غدا يرمي اوزار المشاكل الحاصلة على الحكومة السابقة؟
ورد عليه الرئيس نبيه بري بقوله: المادة 32 تتكلم عن عقدين تماما كما تفضلت العقد الثاني يبدأ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من اكتوبر وتخصص جلساته بالبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر، هذا موضوع ليس انه عندما اصبحت في يناير لأنه عادة اذا لم تنته الموازنة تنهيها عادة في آخر يناير، لذلك اصررت ان يكون في هذا الوقت.
وتابع: بمجرد صدور مرسوم التكليف جرى العرف في لبنان انه تنتقل عملية تصريف الاعمال من الحكومة القائمة الى الحكومة التي صدرت مراسيمها، صح، هذا الشيء قائم، والحكم يا سيدي كما تعلم فهو استمرار والفصل بين السلطات قائم، والمادة 16 من الدستور تقول ان حق التشريع مطلق لمجلس النواب، والمطلق على اطلاقه وليس على حجمه، ولا يتوقف هذا الامر على مدى الصلاحيات التي تتمتع بها الحكومة، يعني المجلس النيابي من حيث المبدأ لولا أنه موضوع من سنة 92 انا لم اكن اقبل ولا بأي شكل، نظرا للموضوع الطوائفي الذي احترمه ليس الطائفي، الطوائفي يعني مثلا عندما لا يكون في جلسة طائفة معينة لا يوم على ما اعتقد وانتم ستشهدون ان شاء الله اني سمحت بالاستمرار بالجلسة، ولكن هذا الامر لا يعني ان المجلس النيابي ليس له حق بالتشريع حتى ولو لم يكن هناك امامه حكومة انتبه، حق التشريع مطلق لأنه على اطلاقه في هذا الامر، لذلك نحن كما قال دولة الرئيس الآن الظرف استثنائي والظرف اكثر من ضروري، حكومة انا اريد ان اقول لك عنه، الحكومة اذا سمح لي امامها ثلاثة اشهر او اربعة اشهر حتى تثبت ان هناك شيئا جديدا وتكسب ثقة الناس وثقة الشعب، لذلك اذا لم تكن هناك موازنة منتهية ثلاثة اشهر يقعدون في الموازنة ولا ينهونها وانت تعلم هذا الشيء لذلك لنتكل على الله والتفاسير تكون لمصلحة الناس وليس ضد الناس.
هنا تدخلت النائبة بهية الحريري بسؤال للرئيس بري: هل يتبنى رئيس الحكومة (دياب) موازنة الحكومة السابقة ام لا؟ فأجاب دياب: لو ان موقفنا عدم التبني لما جئنا الى هنا، وقلت الكلمة التي قلتها.
وفي النهاية، جرى التصويت على الموازنة، فأيدها 49 نائبا وعارضها 13 وامتنع 8 هم نواب الحزب الاشتراكي وقسم من نواب تيار المستقبل الذين انقسموا بين معارض وممتنع.
من جانبه، غرد الرئيس سعد الحريري على صفحته الرسمية على تويتر قائلا: أؤكد لكل من يهمه الأمر ولكل من يجد الفرصة مواتية لفبركة الحملات، ان كتلة المستقبل لن تكون أداة للمقاطعة وتعطيل المؤسسات وقد قامت بواجبها ولم تتهرّب من مسؤولياتها وقالت كلمتها في المجلس صراحة تحت سقف الدستور.
وأضاف الحريري: هذه مدرسة رفيق الحريري ولن نحيد عنها مهما اشتدت الصعاب وتكاثرت من حولنا أبواق المزايدين، وعندما تحين ساعة القرار الذي يخدم مصلحة لبنان نأخذ القرار المناسب ونستودع الله وطننا الحبيب وشعبه الطيب.
على صعيد الشارع، بَكَرت مجموعات من الحراك الثوري في قطع طرق مداخل بيروت التقليدية، فيما توجه آخرون الى المداخل المؤدية الى مجلس النواب ليفاجأوا بانتشار كثيف للجيش دعما لقوات مكافحة الشغب الامنية وبكثافة غير مسبوقة، وخلافا للاجراءات المعتمدة سابقا، والتي اولت الجيش مهمة حفظ الامن خارج بيروت، وقوى الامن الداخلي في داخلها، الا في الحالات الاستثنائية النادرة، ما اوحى بسياسة امنية اكثر شدة من جانب الحكومة الجديدة.
وعلى مداخل ساحة النجمة المسوّرة بالجدران الاسمنتية والحديدية والاسلاك الشائكة، بدأ الاحتكاك المباشر بين الحراك الثوري والقوى الامنية عندما حاول المحتجون اقتحام الحواجز المحصنة اعتبارا من العاشرة والنصف صباحا، وسرعان ما بدأ رشق الحجارة.