ودع أهالي العاصمة السورية دمشق ليل أمس الأول أحد أبرز الأماكن المرتبطة بذاكرتهم منذ عقود، بعد أن أقدمت الحكومة على هدم مقهى «الحجاز» التاريخي، لتنفيذ مشروع استثماري يتضمن بناء فندق بتصنيف خمس نجوم، ويحمل اسم «نيرفانا».
وأثار هدم المعلم التاريخي وسط العاصمة، موجة استنكار وغضب من قبل الدمشقيين خاصة والسوريين عموما لمكانته الكبيرة في جدانهم.
وتعود ملكية المشروع لشركة سورية خاصة تدعى «شركة الحجاز للاستثمار السورية الخاصة»، وحسب ما رصد موقع «الحرة» فلا توجد أي معلومات تفصيلية عنها، سوى أنها تأسست في الخامس من مايو 2020، من قبل شخصيتين الأولى هي أحمد بن فاروق عباس والثانية فادي موفق حمادة، الأمر الذي اعتبره مراقبون بمنزلة «أياد خفية».
وبررت المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي الخطوة بأن «المقهى الذي تم وصفه بالتراثي والتاريخي هو إشغال محدود لمقهى له طابع الشعبي باسم من وحي المكان (الحجاز).
ولا يوجد له أي تبعية تاريخية أو أي معالم عمرانية أو هوية تراثية وغير مصنف في قوائم التراث في دمشق بتاتا»، وأضافت أن من «ارتاده يعرفه كبناء وكخدمة، واطلعت على المشروع عدة جهات مختصة من المحافظة والوزارات المعنية، ونال الموافقات اللازمة ليصار إلى استكمال بناء المشروع الذي أصبح ضرورة ملحة لتأمين الخدمات المنوعة في وسط دمشق. وهو يحاكي التصاميم العمرانية ويراعي الهوية البصرية للمنطقة بشكل عام».
ونقل «تلفزيون الخبر» الموالي عن المدير العام للمؤسسة حسنين محمد علي بأن «شركة الحجاز للاستثمار بدأت بتنفيذ مشروع سياحي يتضمن فندق 5 نجوم على أرض العقار»، وأضاف علي لوسائل اعلام موالية أن «أمر المباشرة جاء بعد أن تشكلت لجان من وزارة السياحة والمؤسسة بنهاية 2020»، مشيرا «تم عرض موقع العقار 748 بمنطقة القنوات للاستثمار السياحي بالتنسيق مع وزارة السياحة بنهاية 2019 وتقدمت عام 2020 شركتين للاستثمار، ورسا العرض على شركة الحجاز للاستثمار بعد أن تشكلت لجان من وزارة السياحة والمؤسسة».
وقال علي ان «العقار مساحته 5 آلاف متر ومساحة المقهى منه ألف متر ويشمل أيضا عددا من المحال التجارية ومحطة الوليد والمحيط وسيكون مكان كل هذا فندق 5 نجوم وبدأت الآن أعمال الهدم».
من جانبه أوضح باسل، وهو مواطن يعيش في دمشق، أن عمليات الهدم طالت مبنى مقهى الحجاز كاملا، إلى جانب المحلات و«الأكشاك» الواقعة في محيطه.
ويضيف باسل الذي فضل عدم ذكر اسمه لموقع «الحرة»: «عمليات الهدم شوهت المنطقة المحيطة بمحطة الحجاز، كون المقهى يقع بالقرب منها مباشرة.
هناك تصور مؤكد لدى أهالي دمشق بأن مشروع الفندق لن ينجز على المدى القريب، وقد يلقى هذا المشروع ذات المصير للمشاريع الأخرى التي شهدتها العاصمة في السنوات الماضية والتي لا تزال حتى الآن على العضم».
ومنذ أشهر كانت وزارة السياحة في حكومة النظام السوري، قد أنذرت المستثمرين للمقهى والأكشاك المحيطة به ومستثمر محطة وقود الحجاز أيضا بضرورة الإخلاء الكامل وتصفية أعمالهم، استعدادا لتنفيذ المشروع الذي بدأت أولى محطاته على الأرض مساء الاثنين.
ومقهى الحجاز الذي يقع في شارع النصر وسط دمشق، تحيط به من جميع الجوانب الأبنية التاريخية والأثرية، ولا ترتبط الصورة الخاصة به بأهالي دمشق فقط، بل بجميع أبناء المحافظات السورية، وأيضا الزوار العرب والأجانب الذين كانوا يرتادونه في كل زيارة لهم إلى العاصمة في السنوات الماضية.
م.محمد مظهر شربجي، الذي شغل سابقا رئيس شعبة المهندسين بريف دمشق يقول إن مشروع بناء الفندق في منطقة الحجاز كان قد طرح في عام 2010، من قبل مستثمرين عرب، لكنه توقف في ذلك الوقت بعد ضغوطات من قبل منظمة «اليونيسكو» على حكومة النظام السوري.
ويضيف شربجي بحسب «الحرة»: «الضغوطات آنذاك كانت المحرك الأساسي له جمعية أصدقاء دمشق، والتي أصدرت دعوى بدورها بأن الفندق وفي حال تنفيذه سيزيل الأهمية التاريخية لمحطة الحجاز».
ويعد مقهى الحجاز أحد أشهر المقاهي السورية، ومن أقدم الأماكن الشعبية في دمشق التي شكلت مأوى لذكريات السوريين ومحطة لانتظار المسافرين.
وافتتح المقهى في بداية الخمسينيات وتبلغ مساحته 1600 متر مربع، منها القاعة الشتوية بمساحة 900 متر مربع، والباقي الفسحة السماوية (أو المقهى أو القسم الصيفي) التي تتسع لنحو 600 شخص، ويعد واحدا من مقاهي دمشق الشعبية القديمة كمقهى النوفرة والهافانا والبرازيل والكمال.