يضع خبراء مسعى السعودية لتحسين علاقاتها مع العراق في إطار حملتها لإقناع بغداد بالتخلي عن دعمها لبشار الأسد، وذلك رغم النفوذ الذي تتمتع به طهران، حليفة دمشق وخصم الرياض، في العراق.
وقبل أسابيع قليلة من انعقاد القمة العربية في بغداد في 29 مارس الجاري، رشحت السعودية سفيرها لدى الأردن ليكون سفيرا غير مقيم في العراق، في خطوة تعيد العلاقات الديبلوماسية المقطوعة منذ 1990.
وتلا هذا الترشيح زيارة قام بها وفد امني عراقي رفيع المستوى الى الرياض، قبل ان تعلن بغداد عن بدء تعاون امني بين الجانبين وعن زيارة قريبة لوزير العدل الى السعودية. وفيما يكتسي هذا التقارب قالبا اكثر جدية، يجد العراق نفسه عالقا بين دعوات دول الخليج للرئيس السوري بشار الأسد للتخلي عن السلطة، وموقف ايران الداعم للنظام في سورية.
ويقول النائب الكردي المستقل محمود عثمان لوكالة فرانس برس ان «السعوديين يريدون ان يصبح العراق اقرب الى دول الخليج».
ويضيف «هم يعملون على ان يكونوا على علاقة طيبة مع العراق بهدف جذبه نحو موقعهم، ضد ايران وسورية».
ويرى عثمان ان الشرق الأوسط ينقسم بين محورين، الأول يجمع الدول العربية السنية وتركيا، والآخر ايران والجماعات الشيعية.
ويوضح ان «العراق سيكون في وضع صعب»، مشيرا بذلك الى العامل الديموغرافي حيث يسيطر الشيعة الذين يشكلون غالبية السكان على الحكم، في ظل وجود شريحة سنية كبيرة حكمت البلاد لعقود.
ويتابع عثمان «العراق سيواجه مشاكل كثيرة خلال توجهه نحو هذا المحور او ذاك».
وتنظر السعودية منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003 وانتقال مقاليد الحكم من السنة الى الشيعة، بريبة الى الحكومات العراقية المتلاحقة.
حتى ان علاقة رئيس الوزراء نوري المالكي بالرياض لم تكن جيدة خلال السنوات الماضية، وبدت الرياض اقرب الى منافس رئيس الحكومة الشيعي، اياد علاوي وهو شيعي ايضا توجهاته علمانية ويدعمه السنة.
ورغم ذلك، عمل العراق والسعودية على توطيد تعاونهما مؤخرا، حيث اشاد المسؤول الأرفع في وزارة الداخلية العراقية عدنان الأسدي بانفتاح الرياض على بلاده.
وقد أعرب الأسدي في بيان عن تفاؤله بان «يكون هذا التعاون مقدمة لانفتاح علاقات البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية بالاضافة الى الأمنية».
الا ان هذا التطور ورغم أهميته، لا يمنح الرياض الأفضلية على طهران في السباق المتواصل بينهما على ممارسة اكبر قدر من النفوذ في العراق.
فإلى جانب الإرث الشيعي المشترك بين العراق وايران حيث يتبادل ملايين العراقيين والايرانيين سنويا زيارة المراقد والمواقع الدينية، يتشارك العراق في أطول حدوده مع إيران التي تعتبر احد ابرز شركائه التجاريين.
وكانت ايران الملجأ الأهم لكثير من القادة العراقيين الحاليين خلال فترة حكم صدام.
ويقول محرر موقع هيستوريا الذي يعنى بأخبار العراق ريدر فيسر لفرانس برس ان «على السعوديين الجري لمسافة طويلة حتى يلحقوا بإيران في العراق».
ويضيف ان «العراق سيحاول الاستفادة من الانفتاح بين البلدين بما يخدم مصالحه، وقد يستند الى هذا الانفتاح للابتعاد قليلا عن ايران، الا ان السعوديين ورغم ذلك لن يؤدوا في العراق ابدا دور الوسيط الذي تتمتع به طهران».
بدوره يؤكد عثمان ان «النفوذ الايراني في العراق متجذر وموجود منذ الأيام التي كانت تتعرض خلالها المعارضة للنفي» في ظل حكم صدام.
ويوضح ان «السعودية قد تمتلك علاقات جيدة مع سنة العراق، ولكن ليس اكثر من ذلك. هم لا يستطيعون مقارعة النفوذ الايراني في العراق الحالي، واليد الطولى هي لطهران».
وبحسب المعلق السياسي العراقي طارق المعموري، فإن سعي السعودية لتطوير علاقاتها مع العراق يمثل اعترافا بأن بغداد «عادت لترسخ موقعها».
ويرى المعموري ان «العراق سيلعب دورا في العالمين العربي والإقليمي، وحتى على المستوى الدولي، والسعوديون لا يمكن ان يتجاهلوا هذه المسالة اكثر من ذلك».
في مقابل ذلك، يشكك آخرون في ان يكون للتقارب بين السعودية والعراق اي اهداف استراتيجية من طرف الرياض.
ويقول ديبلوماسي غربي في بغداد رفض الكشف عن اسمه «لا اعتقد ان الانفتاح الأخير يشكل تقاربا نهائيا.. هناك كم هائل جدا من عدم الثقة والشك من قبل الطرفين».
ويضيف «اعتقد انها خطوة ايجابية، لكنها تكتيكية لا استراتيجية».
ويرى الديبلوماسي الغربي ان التقارب «مرتبط اكثر برغبة الرياض في ان يكون لها دور محوري في القمة العربية، حيث من المحتمل ان تتمثل بالسفير».