هذا السؤال طرح بقوة في الساعات الماضية مباشرة بعد تعليق اجتماعات جنيف السورية وفي ضوء موقفين لافتين: ـ الموقف الاتهامي الروسي ضد تركيا بأنها تعد وتمهد لتوغل عسكري وعملية برية في شمال سورية.
هذا الاتهام صادر عن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية الجنرال إيغور كونا شينكوف الذي قال إن لدى موسكو أسبابا جدية للاشتباه في أن تركيا في مرحلة إعداد مكثفة لعملية عسكرية، مشددا على أن وزارته ترى العديد من مثل هذه الاستعدادات على الحدود السورية ـ التركية حاليا، بما في ذلك استعدادات تجري بمشاركة قوات عسكرية وآليات حربية.
وكشف المسؤول الروسي عن رفض تركي لطلب روسيا بتحليق طائراتها فوق المناطق الحدودية مع سورية في الأجواء التركية، وهذا الرفض الذي يعد انتهاكا لاتفاقية الأجواء المفتوحة وسابقة خطيرة هو محاولة لإخفاء نشاطات عسكرية غير مشروعة قرب الحدود السورية.
ـ الموقف التشكيكي التركي في شأن العملية السياسية ومفاوضات «جنيف ٣»، وهذا الموقف صادر عن الرئيس رجب طيب أردوغان الذي اعتبر أنه «لا طائل من محادثات جنيف بينما تواصل قوات الأسد وروسيا هجماتهما وقتل الناس في سورية».
في وقت دعا رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو الولايات المتحدة لاتخاذ موقف أكثر حزما من روسيا بشأن تدخلها في سورية.
ولم تكن عبارة أوغلو خلال مؤتمر المانحين في لندن «عقلي ليس في لندن وإنما في الحدود السورية ـ التركية» إلا رسالة من رسائل تركيا الكثيرة الى المجتمع الدولي ضد التدخل الروسي الذي يلحق الضرر مباشرة بتركيا.
من الواضح أن تركيا تستشعر أخطارا وضغوطا متزايدة من الجهة السورية بسبب التطورات العسكرية والميدانية الأخيرة التي جرت تحت «غطاء جنيف».
وهذه التطورات أسفرت عن تقدم ملموس للجيش السوري المدعوم بغطاء جوي روسي في عدة مناطق قريبة من تركيا وشمل ريفي اللاذقية وحلب.
فجاءت النتائج الميدانية للأيام القليلة الماضية تكشف أن الوقت المستقطع الذي طلبته موسكو هدفه استعادة معظم المناطق السورية التي تسيطر عليها المعارضة، وصولا الى حلب بهدف تقزيم الدور التركي في سورية، وإلغاء المعارضة وإعادة تركيب الوفد المفاوض مع النظام.
هذه التطورات خلقت واقعا وحقائق ميدانية جديدة تعني تركيا في خمس نقاط حيوية وأساسية: ١-موجة هجرة ولجوء جديدة وكثيفة من شمال سورية باتجاه تركيا، وحيث إن هناك نحو سبعين ألف سوري ينتظرون منذ أيام بعد معارك حلب للدخول الى تركيا التي تواجه صعوبة في فتح حدودها أمام هذا العدد الهائل، وأيضا تواجه حرجا في إبقاء حدودها مقفلة، خصوصا وأن عددا كثيرا من اللاجئين هم من أصول تركمانية.
٢ ـ انقطاع خطوط الإمداد والتواصل بين حلب والحدود التركية، بحيث لم يعد للفصائل السورية الموالية لتركيا من متنفس إلا ريف إدلب الذي يواجه أيضا تضييق الخناق عليه من جهة «جسر الشغور».
٣ ـ التقاء وحصول تماس جغرافي بين الجيش السوري والقوات الكردية وقيام حالة من تعاون وتنسيق بين الجهتين. وقد ساهم فك الحصار عن نبل والزهراء في فك حصار تلقائي عن مدينة عفرين الكردية وفي زيادة الضغوط على «أعزاز» الحدودية.
٤ ـ توافر فرصة ميدانية متاحة للقوات الكردية (يبلغ تعدادها في سورية نحو ٢٥ ألف مقاتل وقاعدة تمركزهم القامشلي والحسكة) للربط بين كانتونات ومناطق الإدارة الكردية الذاتية، وبما يمهد لإعلان إقليم أو كيان كردي متاخم لحدود تركيا الجنوبية.
5 ـ رسم وتبلور خطوط ومعالم «دويلة علوية» متاخمة لتركيا.
والتعبير الأوضح عن هذا المنحى جاء من وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند الذي حذر من خطة روسية لسحق المعارضة السورية وتقوية «داعش» وتقويض إمكانية بقاء سورية موحدة وتأسيس «جيب للنظام» (دويلة) في شمال غربي البلاد واستخدام العملية السياسية كـ«ورقة تين» للتغطية على خططهم الحقيقة.
مجمل هذه التطورات ستدفع بتركيا، وحسب محللين فيها، الى تدخل عسكري في سورية ينثر أوراق اللعب من جديد، ويقطع الطريق على أكثر ما تخشاه أنقرة، وهو إعلان دولة كردية متاخمة لحدودها الجنوبية، ويصفع حلف موسكو الأسد في شمال سورية ويخفف من ضغط أزمة اللجوء على الأقل في مناطق جنوب تركيا.
وبوادر هذا التدخل بدأت باستعداد أنقرة لتنظيف بعض المناطق القريبة من الحدود السورية من الألغام، وباجتماعات أنقرة المكثفة مع حلفائها، لم تخل من إشارة إلى تدخل بري.