عندما سقطت حلب ألمحت المعارضة السورية الى دور ومسؤولية تركيا، وساد اعتقاد لديها يرقى الى مستوى الاتهام أن تركيا باعت حلب الى الروس مقابل السماح لها بدخول الأراضي السورية لمحاصرة المشروع الكردي عبر عملية «درع الفرات»، والآن يسود اعتقاد أن تركيا باعت إدلب الى روسيا وإيران كي تؤول الى النظام السوري مقابل السماح لها بالدخول الى عفرين عبر عملية «غصن الزيتون».
وفي وقت تصدر شكوك كردية عميقة حيال الموقف الروسي ويقول مسؤولون أكراد إن روسيا وضعتهم أمام خيارين: الاستسلام لتركيا أو الاستسلام للنظام...
فإن شكوكا تركية تصدر في شأن الموقف الأميركي ويقول مسؤولون أتراك إن واشنطن منحازة الى الأكراد وتضغط على تركيا لوضع ضوابط وقيود زمنية على عمليتها العسكرية.
منذ إعلان الأكراد عام ٢٠١٤ نيتهم إقامة إقليم كردي يتمتع بالحكم الذاتي في شمال سورية وتشكل عفرين إحدى مدنه، حدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هدفا رئيسيا له في تركيا وهو منع ربط المدينة جغرافيا بباقي المدن الكردية، وعندما أطلقت أنقرة عملية «درع الفرات» عام ٢٠١٥، ركزت لا على إنهاء الوجود الداعشي على الحدود مع سورية فحسب، وإنما أيضا على منع إقامة إقليم كردي بين منطقتي الحكم الذاتي الكردي عفرين وكوباني، وإقامة ممر يمتد على طول الحدود السورية مع تركيا، وتاليا فإن السيطرة الكردية على عفرين تحقق تواصلا جغرافيا لجميع المناطق الحدودية الواقعة بين مدينة جرابلس غرب الفرات والبحر المتوسط، ويعني القضاء على أي فرصة لتحقيق التواصل الجغرافي بين المناطق الكردية منع الأكراد من وصل مناطقهم بعضها بالبعض، لطالما أرادت تركيا منطقة آمنة على حدودها مع سورية داخل الأراضي السورية.
الآن، وقد شعرت أن نافذة الاقتسام بدأت تفتح، رأت أنقرة أن من مصلحتها الإسراع الى تنفيذ الاستراتيجية الثلاثية: تحجيم الطموحات الكردية، وإنشاء منطقة آمنة، وإعادة حوالى ٣.٥ ملايين لاجئ الى سورية، واكتسبت خطة أردوغان زخما إضافيا الأسبوع الماضي عندما أعلنت واشنطن نيتها إنشاء قوة حدودية من ٣٠ ألف مقاتل غالبيتهم من الأكراد لمنع تنظيم «داعش» من الانبعاث مجددا في شمال سورية، الأمر الذي دفع الرئيس التركي الى التهديد بوأد هذه القوة ومن يدعمها، وإعلان بدء عملية عسكرية لطرد مقاتلي «وحدات حماية الشعب الكردية» من عفرين ومنبج، وتزامنت هذه العملية مع هجوم آخر تشنه قوات النظام بدعم من حلفائها في إدلب، ومع التقدم السريع لقوات النظام وحلفائه في إدلب، فإنه لم يعد ثمة مجال لإخفاء الصفقة الجديدة القائمة على معادلة عفرين مقابل إدلب.
حقيقة التحالفات مع أكراد سورية ضائعة، تارة يقال إن الأكراد أصدقاء روسيا وتارة تعتبرهم موسكو عثرة في طريق جرافتها في سورية، حينا تتملص الولايات المتحدة من مسؤولياتها وتعهداتها نحو أكراد سورية، وحينا آخر تجعل منهم الشريك الأساسي وتمدهم بالمال والسلاح، سيرغي لاڤروڤ اتهم واشنطن بأنها تشجع «انفصالية» الأكراد واعتبر النشاط الأميركي على الحدود السورية - التركية إما «عدم فهم للوضع، أو استفزازا متعمدا»، تدرك موسكو تدرك أن تغييرا جذريا طرأ على السياسة الأميركية نحو سورية منذ كان الرئيس السابق باراك أوباما مسترخيا في ترك زمام الأمور لروسيا وفي تجنب مواجهة الطموحات الإيرانية خوفا على مصير الاتفاقية النووية، وزير الخارجية ريكس تيليرسون اتخذ قراره الحاسم الالتحاق بنهج وفكر وقرارات البيت الأبيض وفريق ماكماستر، وهذا ما لا يريح لاڤروڤ الذي اعتاد على نظيره السابق جون كيري الذي كان ينفذ له كل مطالبه في ملف سورية.
وما تدركه الديبلوماسية الروسية جيدا هو أن تماسك الرئيس دونالد ترامب وقدرته على تخطي الضغوط الإعلامية الضخمة عليه سيؤدي الى تشكيل خطر على المشاريع الروسية في سورية، يربط مراقبون التحول في الموقف الروسي بالمواقف الأميركية الأخيرة عن دور أكبر لواشنطن في سورية لحماية الأكراد.
ولكن الموقف الأميركي يستمر ضبابيا، فمع بدء العملية العسكرية التركية، عاد وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس ليصرح بأن لتركيا مخاوف أمنية مشروعة في المنطقة، وقال إن تركيا أبلغت الولايات المتحدة نيتها قبل بدء التوغل في عفرين.
وفي ما بدا أنه محاولة أميركية خجولة لوقف أو تجميد التحرك العسكري التركي، نقلت مصادر صحافية عن وزير الخارجية ريكس تيلرسون قوله إن بلاده تأمل العمل مع أنقرة لإقامة «منطقة أمنية» على الحدود المشتركة بين تركيا ومناطق سيطرة «قسد».