- مراجعة الحسابات أظهرت للرئيس التركي أن أنقرة الخاسر الوحيد وأنه سيمنح روسيا وإيران انتصاراً مجانياً ونهائياً في سورية
- «إغراءات» أميركية بإقامة منطقة حظر جوي فوق شمال سورية مما يلبي طلباً سابقاً لأردوغان
بيروت: كانت قمة طهران التي جمعت رؤساء روسيا وإيران وتركيا معدة ومخصصة للإعلان عن اتفاق ثلاثي يتعلق بإنهاء وضع إدلب.
وهذا الاتفاق يستند الى تفاهمات روسية تركية تم التوصل إليها في الأسابيع التي سبقت القمة وتضمنت مجموعة من التدابير الهادفة الى إقفال ملف إدلب، ومن بينها نشر قوات روسية في نقاط حساسة مثل جسر الشغور وسهل الغاب، وتعهد تركيا بعدم حصول هجمات على قاعدة «حميميم» وعلى القوات الروسية المنتشرة، وفتح المعابر الحدودية بين البلدين تحت إشراف روسي من الجهة السورية، وتسلم الحكومة السورية الإدارات والمؤسسات في إدلب مع تعهدها بضبط الحالة الكردية.
هذه التفاهمات تعني عمليا أنها تشكل غطاء لدخول الجيش السوري في نهاية المطاف الى إدلب، وأن الجيش التركي سينكفئ الى خارج الأراضي السورية، وأن الوضع سيحسم عن طريق التسوية لمصلحة النظام السوري مع خسارة المعارضة لآخر معاقلها ومعاركها.
لم يحدث في قمة طهران ما كان متوقعا ومنتظرا. حدث أن أردوغان قرر عدم الانخراط في هذه «الصفقة» وعدم إعطاء الضوء الأخضر لتسوية ساخنة تطبخ على «نار عسكرية».
وانتهت القمة الى خلاف في وجهات النظر بين أردوغان الذي دعا الى وقف الهجوم المنسق ضد إدلب والى إعلان هدنة ووقف لإطلاق النار لتعديل التفاهمات، بما يعزز مكاسب تركيا ويضمن مصالحها، في حين أن بوتين أظهر تصميما على إتمام هذه العملية وإنهاء الوضع في إدلب، ذلك أن متطلبات الأمن الروسي للقواعد الجوية وللقوات المنتشرة في الشمال تتطلب إنهاء البؤرة الإرهابية الأخيرة في سورية، وأن العودة الروسية الى مفاوضات دولية شاملة من دون تحقيق هذا الانتصار العسكري يعني بالنسبة إلى بوتين هدر فرصة إحياء روسيا دوليا كشريك مفاوض يقايض ملفاته العالقة بالورقة السورية المكتملة وغير «المقضومة» تركيا.
اهتمام الأوساط الديبلوماسية والدوائر الدولية تركز في الأيام الماضية على تحديد ومعرفة الأسباب التي دفعت أردوغان الى مراجعة حساباته والانتقال من التسوية مع روسيا و«تسليم إدلب» الى رفض العرض الروسي وإرسال تعزيزات عسكرية الى الحدود والتلويح بدعم الفصائل المعارضة في إدلب ومدها بالسلاح والعتاد لتمكينها من الصمود. وأعطي لهذا التغيير الطارئ عند أردوغان تفسيران:
٭ الأول يتعلق بمراجعة للحسابات وللتفاهمات التي عقدها أردوغان مع بوتين، ليتبين له أنه في صدد «صفقة خاسرة»، وربما تكون أنقرة هي الخاسرة الوحيدة منها بين الأطراف الأربعة: موسكو وطهران ودمشق وأنقرة.
أردوغان يخسر علاقته مع ترامب وهو العارف أن الرئيس الأميركي يعارض هجوما بغطاء سياسي على إدلب يعطي روسيا وإيران انتصارا مجانيا ونهائيا في سورية. كما يخسر تأييد القوى المعارضة في إدلب وخارجها التي ستتهمه بأنه تخلى عنها و«باعها» الى الروس.
والخسارة الثالثة في داخل تركيا، إذ سيخسر شعبية كان بناها منذ ثلاثة أعوام على مشروع التدخل العسكري في سورية لضرب مشروع الكيان الكردي الحدودي.
٭ الثاني يتعلق بعروض و«إغراءات» أميركية قدمت الى أردوغان بهدف فك ارتباطه وعلاقته مع روسيا وتعطيل الاتفاق الذي توصل إليه مع بوتين، الأمر لا يتوقف هنا عند إشارات أميركية عسكرية توحي بالاستعداد لمواجهة الهجوم على إدلب بحجة أنه هجوم بالسلاح الكيميائي وبالاستعداد لموازنة حشد البوارج الروسية في المتوسط بحشد مماثل.
الأمر لا ينحصر في إشارات أميركية يستقوي بها أردوغان وتقوي موقفه وتحسن شروطه التفاوضية، وإنما يذهب الى أكثر من ذلك مع وجود عرض أميركي يتعلق بإقامة منطقة حظر جوي فوق شمال سورية، وهذا العرض يلبي طلبا سابقا لأردوغان رفعه الى واشنطن منذ سنوات ولم يتم التجاوب معه لحسابات تتعلق بالأكراد والرهان الأميركي عليهم.
أيا تكن دوافع وأسباب التراجع التركي، فإن النتيجة هي أن روسيا أخذت هذا المعطى المستجد بعين الاعتبار وأقدمت على تهدئة الموقف وتجميد العملية العسكرية باتجاه إدلب، لأن هذه العملية كانت تريدها لإنضاج الطبخة والوصول الى حل وليس لتصعيد الوضع والوصول الى حرب، العلمية جمدت ولم تلغ بانتظار ما سيرسو عليه الموقف التركي الجديد ليبنى على الشيء مقتضاه.