نقل عن مصادر ديبلوماسية فرنسية أن باريس غير مرتاحة أبدا للطروحات الموجودة على الطاولة والتي نتجت عن قرار الرئيس الأميركي سحب قواته من سورية، ولا تجد في قرار دونالد ترامب سوى نتائج سلبية أبرزها:
٭ انسحاب كل الغربيين في سياق الانسحاب الأميركي.
٭ حشر الأكراد في وضع بالغ الصعوبة.
٭ التسبب بفراغ عسكري وسياسي.
٭ التخلي عن ورقة ضغط أساسية على النظام وروسيا.
٭ إراحة إيران وتمكينها من تعزيز وجودها ونفوذها في سورية.
٭ فتح المجال أمام «داعش» وتمكينه من التنفس مجددا.
والانسحاب الأميركي يمكن أن يفتح الباب أمام احتمالات عديدة قد يكون من بينها رغبة النظام في الإسراع بالعودة إلى الشمال والشمال الشرقي وربما عبر عملية عسكرية. لكن احتمالا كهذا لا يمكن فصله عن الوضع في إدلب ومنطقتها الضالعة فيه تركيا وروسيا والنظام، كما لا يمكن تناسي العامل الإيراني وما له من قدرات تأثير ميدانية، ناهيك عن الصراع الإيراني ـ الإسرائيلي على الساحة السورية وما له من تبعات محليا وإقليميا.
وحسب هذه المصادر، فإن «العقدة الكردية» تشكل نقطة استقطاب لعمل الديبلوماسية الفرنسية التي تنشط في كل اتجاه وخصوصا باتجاه واشنطن، حيث لعبت باريس دورا مهما في فرملة اندفاع ترامب إلى الانسحاب العسكري السريع، وفي «تحسيس» الإدارة الأميركية بضرورة عدم ترك الأكراد لمصيرهم حتى يتم افتراسهم إما تركيا وإما على أيدي النظام وأتباعه بمباركة روسية. وحثت باريس التي تعي بأنها لا تستطيع على الوقوف بوجه المخططات الأميركية.
ثمة قناعة مترسخة بأن باريس تعد «حامية» الأكراد الأمر الذي يفسر أن وفدا من «مجلس سوريا الديموقراطية» (مسد) سارع إلى لقاء المسؤولين الفرنسيين مباشرة بعد إعلان ترامب عن سحب قواته. وتحلل باريس الخيارات المتاحة أمام الأكراد على الشكل التالي:
٭ خيار التفاهم مع النظام: للمصادر الفرنسية رأي قاطع إزاء هذا الاحتمال وهو أن الأكراد لا يستطيعون التفاهم مع النظام بل المعروض عليهم هو الخضوع له. ونقل الطرف الكردي إلى باريس فحوى المناقشات التي جرت مع النظام والتي يمكن تلخيصها كالتالي: «سنستعيد السيطرة على المنطقة عاجلا أم آجلا. وإذا أردتم التفاهم معنا، فنحن جاهزون للاعتراف لكم ببعض الحقوق الثقافية. لكن إعطاءكم «وضعية خاصة» تسعون إليها ليس مطروحا بتاتا».
وتجزم باريس بأنه لا وساطة روسية بين الطرفين المعنيين بل ان موسكو تقول للأكراد: تفاهموا مع دمشق وهي، في أي حال، «لا تطلب من دمشق أن تمنح الأكراد وضعا خاصا».
٭ خيار التفاهم مع تركيا، حيث تحث باريس منذ شهور طويلة الطرفين الكردي والتركي على التفاهم. لكنها تنظر إلى هذه الفرضية على أنها بالغة الصعوبة، نظرا لاعتبار أنقرة أن وحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على قوات سوريا الديموقراطية (قسد) ليست سوى امتداد لحزب العمال الكردي الذي تحاربه تركيا منذ عقود، وبالتالي سيكون شبه مستحيل أن يفضي حوارا بين طرفين لا يثق أحدهما بالآخر إلى نتيجة إيجابية.
٭ يبقى خيار المنطقة الآمنة أو الأمنية، الذي يبدو اليوم أن له الغلبة بفضل القرار الأميركي. ومن الواضح أن باريس لن تكون قادرة على الوقوف بوجهه، إلا أنها ستعمل وكما دأبت على ذلك دوما، على التخفيف من وطأته على الأكراد ومن خلال السعي لتوفير ضمانات أمنية وسياسية لهم والحد من الطموحات التركية. وما هو ثابت أن وحدات الكوماندوز الفرنسي التي تنشرها والتي يقدر عددها بـ 350 فردا ستنسحب في سياق الانسحاب الأميركي، وبالتالي لن يكون لديها سوى العمل الديبلوماسي والضغوط السياسية للتأثير على مسار الأحداث.