إعداد: أحمد شعبان
بدأت تطلعات السوريين للديموقراطية باكرا جدا مع بدايات القرن العشرين وعقب الحرب العالمية الأولى، لكن الدول الغربية التي كانت تحتل معظم الأراضي العربية ـ لاسيما الاحتلالين الفرنسي والبريطاني ـ لم تكن لتسمح لهذا الحلم بأن يتحول الى حقيقة.
بدأت طموحات السوريين على يد ثلة من الزعماء التقدميين الليبراليين وعدد من رجال الدين الذين سعوا لإقامة نوع من الملكية الدستورية فيما كان يعرف حينها بسورية الكبرى والتي كانت تضم كلا من سورية ولبنان وفلسطين.
وقد رصدت الكاتبة اليزابيث اف. تومسون تلك البدايات في كتابها «كيف سرق الغرب الديموقراطية من العرب ـ أول برلمان سوري وتدمير التحالف الليبرالي ـ الإسلامي»، ورسمت صورة لتلك اللحظة المحورية في العالم المعاصر.
عندما ابتلع الغرب الامبراطورية العثمانية، انتفض القوميون العرب ضد حكامهم الاتراك وتحالفوا مع البريطانيين، بناء على وعود زائفة بإقامة دولتهم المستقلة، ودخل المير فيصل دمشق منتصرا عام 1918 وأعلن حكومة دستورية في سورية الكبرى.
وحظي فيصل بدعم أميركي في مؤتمر باريس، الذي عقد في تلك الآونة لكن القوى المهيمنة الأخرى خططت للحفاظ على مصالحها الاستعمارية.
وتحت تهديد أوروبي بالاحتلال، أعلن البرلمان العربي السوري الاستقلال في 8 مارس 1920، وتوج الملك فيصل على رأس «الملكية المدنية»، وأصبح الشيخ محمد رشيد رضا ـ المفكر الإسلامي المعروف حينها ـ رئيسا لـ «المؤتمر السوري» وعرف ايضا بـ «المؤتمر السوري الكبير» كأول برلمان عربي وضع مسودة الدستور لإقامة أول ديموقراطية في العالم العربي، والذي كفل المساواة بين جميع المواطنين بمن فيهم غير المسلمين، لكن فرنسا وبريطانيا رفضتا الاعتراف بحكومة دمشق، وفرضتا الانتداب على العرب باعتبارهم غير مؤهلين بعد لحكم أنفسهم، وبناء عليه غزت فرنسا الدولة السورية الوليدة في يوليو من العام 1920، وكانت النتيجة تدمير التحالف الوليد بين التقدميين العلمانيين والإصلاحيين الإسلاميين، وتدمير أول ديموقراطية عربية، ولاتزال تداعياته مستمرة حتى العصر الحالي.
تقول تومسون، بحسب ملخص للكتاب نشرته مجلة «فورين بوليسي»، إن هؤلاء القادة استلهموا تطلعاتهم من «القواعد الـ14» التي وضعها الرئيس الأميركي التقدمي الأميركي وودرو ويلسون مطلع القرن الماضي.
وكذلك تنامي نزعة حق تقرير المصير في العالم آنذاك. لكن هذه الطموحات لم تكن لترضي الزعماء الفرنسيين والبريطانيين خاصة الديبلوماسي الفرنسي روبيرت دو كيه الذي تآمر لسحق تطلع العرب للاستقلال.
وتتصور تومسون في الكتاب ماذا كان سيحصل لو أن سورية حصلت على استقلالها عام 1920، وتمكنت من التحول الى دولة أنموذج لتوافق الإسلام مع الديموقراطية الليبرالية في محيطها العربي.
ستكون النتائج بالتأكيد غير مرضية. لذلك عملت القوى الغربية حينها على وأد الاستقلال السوري في مهده، ومع حلول ثلاثينيات القرن الماضي سيطر إسلاميون متطرفون وقوميون عرب متعصبون على المشهد في الشرق الأوسط.
وتقول تومسون إنها استندت في كتابها الى العديد من المصادر التي لم يتم التطرق إليها وكذلك الى بعض المصادر الحديثة وتقارير من أرشيف «المؤتمر السوري العربي» ورسائل ومذكرات الشخصيات المؤثرة في تلك الأحداث، ويشكل توثيقا لحقبة تاريخية استثنائية جسدت الوحدة والأمل بمستقبل واعد، دمرتها المطامع والمصالح الاستعمارية.