مفرح الشمري
بعد عرض مسرحية «المشنوق الذي ضحك» لفرقة المسرح العربي أمس الاول في مهرجان الكويت المسرحي بدورته الـ 21 والتي جسد شخصياتها كل من سامي بلال ومبارك سلطان وفاطمة الطباخ وفهد الخياط، استشعر المشاركون في المهرجان بالمنافسة القوية سواء من سبقوهم بالعروض او العروض المقبلة؛ لأن ما قدمه المعد والمخرج أحمد البناي ومن سبقوه ليس هينا ابدا، وذلك بشهادة المتابعين.
«الله يستر من اللي جاي»، هذه العبارة ترددت كثيرا بعد عرض أحمد البناي، لانه يمثل فرقة مسرحية عريقة لها صولات وجولات في الحصول على الجوائز، وايضا العروض التي سبقته حصلت على الكثير من الجوائز، ولكن ما شاهده الجمهور والاكاديميون في هذا العرض مختلف كليا، ابتداء من النص المعد من رواية الكاتب ميشيل ترامبليه «المشنوق» إلى الديكور والسينوغرافيا والاداء التمثيلي والموسيقى الحية.
مسرحية «المشنوق الذي ضحك» على الرغم من كآبة نصها الاصلي الذي كتبه ميشيل ترامبليه الى روعة ما اعده وأخرجه أحمد البناي الذي قدم المتعة والفرجة من خلال حبكة درامية لم يغب عنها عمق المضمون، وحول الشجاعة في مواجهة الواقع والماضي والذكريات على اختلافها، وشجاعة مواجهة الظلم ومد يد العون للمظلوم.
اللوحة الافتتاحية للمسرحية والتي استعرض فيها المخرج ملامح شخصية مدير السجن (مبارك سلطان) في إسقاط على الديكتاتور الذي يفسر العدالة من منظوره الضيق تعتبر هي الأبرز، بينما كان مشهد الإعدام الأول الذي أحدث خلاله المخرج مقاربة بين شخوصه الرئيسية الثلاثة (المشنوق ومدير السجن وحارسه) من اهم المشاهد في العمل، وصولا الى مشهد الإعدام الثاني لحارس السجن على يد المشنوق، حيث كان يحمل رمزية ان الذنب قتل صاحبه، ويعتبر أيضا من افضل المشاهد من حيث التكوين البصري.
قدم البناي فكرة مبتكرة مستغلا الثيمة الرئيسية لقصة ترامبليه، لكنه اشتغل عليها بما يمنحه حق وضع اسمه كمؤلف، ولكن البناي احتراما لحق كاتب الفكرة الرئيسية آثر وضع إعداد، رغم انه ذهب الى مناطق جديدة واشتغل بصورة مختلفة على ابطال المسرحية وأعاد صياغة الفكرة وفق رؤيته الاخراجية الخاصة.
لا يختلف اثنان على ان تجربة المؤلف المخرج محفوفة بالمخاطر وتضعه امام اختيار صعب، إما الولاء لما كتب أو التمرد على ما كتب مع الحفاظ على جوهر الفكرة. والواقع أن البناي انحاز للمخرج مع الحفاظ على المضمون، موظفا جميع أدواته لتمرير رسائله دون المبالغة في لغة الخطابة وتقديم صور جمالية حافظت على إيقاع العرض واختزلت الكثير من المعاني.
أجاد البناي في اختيار لغة حوارية سهلة تحمل بين طياتها معاني عميقة، يمكن تفسيرها في أكثر من اتجاه، كما اشتغل على التحولات الدرامية لشخوص المسرحية من حالة إلى أخرى، ومحركا أبطال قصته بين مراحل عمرية مختلفة، يقفز من الحاضر إلى الماضي ليعود إلى الحاضر من جديد بلغة رشيقة، حيث تابعنا كيف تفردت الفنانة فاطمة الطباخ، صاحبة الحس المختلف والرشاقة في التعامل مع مختلف الشخصيات، بأداء شخصية صاحبة المنزل العجوز وتخرج منها الى شخصية الأم الشابة، معتمدة على تغيير نبرة الصوت والانفعالات، بينما شكل حضور الفنان مبارك سلطان إضافة للعمل في شخصية مدير السجن، وأدى دوره بإتقان، في حين قدم الفنان سامي بلال وفهد الخياط مباراة في الأداء بين المشنوق وحارس السجن، وكان سجالا ثنائيا تكشف فيه مكنون كل شخصية وما تخفيه من أفكار ومخاوف، أفضت في النهاية إلى اعدام الحارس.
مزج البناي كمخرج بين عدة مدارس إخراجية متنقلا بين الواقعية والعبث بذكاء، موظفا العديد من فنون المسرح، وكانت السينوغرافيا من أهم نقاط القوة والتميز في العمل بتلاحم عناصرها فأصبحت اقرب الى لوحة صاغتها أنامل فنان محترف من ديكورات معبرة تم توزيعها على المسرح بذكاء، مستغلا الفضاء الكبير، بالاضافة الى الازياء والاضاءة التي عبرت عن الحالة النفسية للممثلين والمدلولات الدرامية لكل مشهد، وساعدت في ذلك الفرقة الموسيقية الحية التي قدمت عزفا حيا على المسرح لاقى استحسان الجمهور.
الممثلون الكبار.. والجوائز
من مميزات مهرجان الكويت المسرحي بدورته الـ21 مشاركة عدد من الفنانين الكبار مع الفنانين الشباب، وهذا يعطي للمهرجان رونقه ويحقق اهدافه للاعتماد على جيل شبابي، وأعتقد أن هؤلاء الممثلين الكبار ليسوا بحاجة لجوائز المهرجان لانهم حققوا العديد منها طوال مشوارهم الفني ويستحقون على مشاركتهم شهادات شكر وتقدير لدعمهم للشباب وبث روح الحماس فيهم، لذا نتمنى من ادارة المهرجان مراعاة ذلك، وابلاغ لجنة التحكيم بهذا التوجه دعما وتشجيعا للفنانين الشباب المشاركين في المهرجان.