مفرح الشمري
تحمل نصوص المؤلفة تغريد الداود المسرحية دائما بين طياتها قضايا إنسانية واقعية ملموسة ومحسوسة لأي شخص في هذه الدنيا وفي أي بقعة يعيش.
في نصها المسرحي «مطلوب مهرجين» الذي قدمته فرقة مسرح الخليج العربي امس الاول ضمن العروض الرسمية لمهرجان الكويت المسرحي بدورته الـ 21، كشفت من خلاله عن كيفية استغلال الانسان صاحب الجاه والمال للانسان الموهوب الذي يبحث عن لقمة عيشه بعرق جبينه، وذلك فقط لإهانته حتى لا يكون افضل منه فيتحكم فيه ويحطمه ويقتل أحلامه.
تصدى لإخراج العرض باقتدار عيسى الحمر وجسد شخوصه بكل ثقة ناصر الدوب وعيسى الحمر وعبدالله البصيري وخالد الثويني ومصطفى محمود وسعاد الحسيني وعلي بولند، وصمم ديكوره عيسى الحمر ونفذه محمد الربيعان وصمم إضاءته فاضل النصار وأزياءه شيخة الحمر ونفذتها دلال الحساوي، والموسيقى والمؤثرات الصوتية كانت (لايف) من خلال الفرقة الموسيقية يعقوب الفيلكاوي وباسل نبيل وعبدالله الخالدي وعبداللطيف الجوهر.
«مطلوب مهرجين» يصلح لكل وقت وفي أي مكان لأنه مكتوب بطريقة ذكية، والإسقاطات التي شاهدناها في العرض من الممكن ان نجدها في كل بلداننا العربية، خصوصا عندما تختل الموازين في اختيار الأشخاص في المناصب ساعتها نكون في حلبة سيرك، والمطيع سيكون حظه أوفر في تلك المناصب.
تدور أحداث العمل حول فنانين يطردون من فرقتهم ليجدوا أنفسهم في الشارع فيظهر لهم صاحب سيرك ويعرض عليهم العمل معه فيوافقون بعدما أقنعهم، خصوصا انهم لا يجدون قوت يومهم، لتبدأ بعد توقيع العقود معه مرحلة العذاب والإهانة لدرجة انهم تناسوا انهم بشر من كثرة الاهانات التي تعرضوا لها والتي وصلت مداها بعد ما استطاع صاحب السيرك تهيئة شخص متشرد ليصبح عمدة عليهم، ما جعلهم يقررون التخلص منه ومن عقوده حتى يعيشوا بكرامة، وعندما أرادوا تنفيذ قرارهم فاجأهم صاحب السيرك بأن الباب مفتوح لهم للمغادرة لأن عقودهم منتهية منذ مدة وهم لا يعلمون.
عرض مسرحي مغلف بكوميديا سوداء للحال الذي وصلنا إليه في هذه الدنيا بسبب بعض الأشخاص الذين يتحكمون فينا، لأنهم أصحاب نفوذ فلا يوجد عندهم احترام للآخرين فيعتقدون ان بأموالهم يشترون الناس ويحطمون آمالهم.
العمل يحمل الكثير من الرسائل تتعدى حدود المسرح الذي عرض به لأنه يلامس الواقع فيما يعانيه الانسان في البلدان العربية.
ونجح عيسى الحمر بجدارة في الرؤية الاخراجية التي اعتمدها لهذا العرض واستطاع توصيل رسائل ومضامين النص بطريقة سلسة ودون تعقيد أو ملل من خلال تعامله الذكي مع الاضاءة التي كانت ألوانها متناسقة ومتناغمة ومريحة للعيون، بالاصافة الى السينوغرافيا الجميلة التي استمتع بها الحضور وكأنهم أمام لوحة تشكيلية جميلة أضاف عليها مجموعة الممثلين جمالية أكثر لأنهم استطاعوا ان ينجحوا في توصيل اهداف العمل خصوصا الممثل ناصر الدوب الذي بذل جهدا واضحا لإيضاح مدى جشعه وطمعه كصاحب سيرك في إذلال البشر لأنهم محتاجون، ناهيك عن زملائه الآخرين وتحديدا خالد الثويني الذي أضفى جوا جميلا على العمل، إضافة الى الفنانة سعاد الحسيني التي نجحت في توصيل معاناة المرأة بعد ما أصبحت سلعة في مواقع التواصل الاجتماعي.
تحية للمؤلفة والمخرج وفريقه التمثيلي والفني والشكر الكبير لفرقة مسرح الخليج العربي التي تحرص دائما في كل دورة من دورات مهرجان الكويت المسرحي ان تقدم لنا عملا يلامس العقول والقلوب.