محمد ناصر
عندما تصدى الكاتب هوزان عكو والمخرجة رشا شربتجي لإعادة مسلسل «أسعد الوراق»، أقدما بذلك على مغامرة ذات حدين فإما التميز وإما الإخفاق.
فأسعد الوراق الذي أصبح من كلاسيكيات التلفزيون السوري والذي تم بثه قبل نحـــو 35 عاما لايزال في ذاكرة البعض ما سيستدعي المقارنة بين النسختين القديمة والحديثة، الأمر الذي يلقي عبئا إضافيا على كاهل الممثلين الذين ستتم مقارنتهم أيضا.
أحكام مسبقة
عدة عوامل فرضت حكما مسبقا بأن أسعد الوراق سيكون على قائمة الأعمال المميزة في هذا الشهر، منها الشعبية الطاغية حاليا لمسلسلات البيئة الشامية خاصة ان العمل بنسخته القديمة كان فاتحة وبداية أعمال البيئة الشامية في التلفزيون السوري ولقي رواجا كبيرا حينها إضافة لتصدي المخرجة رشا شربتجي لإخراجه في تجربتها الأولى بنوعية المسلسلات هذه.
قسوة الحياة
يحكي العمل عن مرحلة تاريخية بين العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، وهي الفترة التي كانت فيها دمشق رازحة تحت الاحتلال الفرنسي وقد سيطرت وقتها بوادر تململ شعبي يسعى الى انتزاع الحرية.
محور هذا العمل إنساني تدور حوله الكثير من الحكايات الاجتماعية التي تتشابك مع بعضها ثم تتطور متناقضة بين اليأس والأمل حينا وبين التفاؤل والقتامة حينا آخر.
والقصة تعود لأسعد الوراق الشاب البسيط الذي تظلمه الظروف وتقسو عليه بشكل فظيع فتسوقه في رحلة شاقة نحو الوعي الذاتي والموضوعي والبلورة لمفهوم عميق للحياة الحرة كي يدافع عنها بكل ما يملك.
المط والتطويل
لكن هل أتى إنجاز المسلسل على قدر الآمال، فرغم مرور اكثر من نصف حلقات المسلسل إلا ان المط والتطويل كانا السمة الأبرز في العمل فهل يعقل ألا تبدأ الأحداث الفعلية والمتسارعة إلا بعد قتل «عدنان بك»؟ وهل يحتاج التمهيد والتعريف بالشخصيات الى 14 حلقة كاملة، وما فائدة أحداث جانبية لم يكن لها تأثير مباشرة في مضمون المسلسل كزواج وطلاق روعة ياسين (هيام) ومحمد حداقي وما علاقتها بالأحداث؟ وأين هي بصمة رشا شربتجي في المسلسل وبماذا يختلف عن غيره من مسلسلات البيئة الشامية وهي التي اعتدنا ان تخلق جديدا في اي عمل تقدمه لا بل قامت بتقليد نوعية المسلسلات هذه وجعلت من كليشيهاتها قاعدة لها في عمل اسعد الوراق.
نفخ الوجوه
رغم جمالية الصورة وسخاء الإنتاج والاتقان التام لتفاصيل الشام في تلك الفترة إلا ان عمليات البوتكس ونفخ الشفاه والوجوه لبعض الممثلات كانت مشهدا غريبا وممجوجا كأن نرى الممثلة مها المصري التي تؤدي دور شقيقة محمد حداقي والممثلة ديمة بياعة وغيرهما ممن مرّ مشرط التجميل على وجوههن وهن يؤدين أعمالا تراثية.
أداء أسطوري
أما الأوراق الرابحة في المسلسل فيأتي على رأسها تيم الحسن الذي أدهش الجميع بامتلاكه شخصية أسعد الوراق وتمكنه منها بحرفية تامة لم تقتصر على المظهر فقط من ثياب رثة وشعر مغبر بل تسلل الى أعماقها وأخرج لنا أداء لا نغالي إذا وصفناه بـ «الأسطوري».
أسعد فضة كعادته في التألق قدم دورا مميزا وكذلك مكسيم خليل وفراس ابراهيم الذي أعطى شخصية أيمن افندي روحا جديدة وأيمن رضا بدور كسام وان كان لم يضع بصمة تميزه عن أدوار المجاهدين في المسلسلات الأخرى.
أما هاني الروماني فقد جسّد شخصية أسعد الوراق بنسخته القديمة وكان محطة انطلاقه الأساسية ليكون أسعد الوراق بنسخته الجديدة المحطة النهائية في حياة الفنان الكبير الذي لم يسعفه القدر أن يشاهد دوره في العمل.
الوراق 2010
يبقى ان أسعد الوراق لم يكن مسلسلا عابرا فحسب بل يتعدى ذلك ليكون حالة فنية خاصة مغلفة بالحنين وبالتقدير وملتصق بالذاكرة الشعبية التي رفعته الى مصاف نخبة الأعمال الدرامية السورية ويبقى الحكم للجمهور بنسخته الجديدة لنتساءل إن كانت المقارنة ستظلم أسعد الوراق 2010 أم ستنصفه؟