مفرح الشمري - mefrehs@
الحب أسمى قيمة في الوجود وبه ينتصر الإنسان على ضعفه وإحباطاته وخرابه الداخلي ومن خلاله يكون للتضحية معناها العميق، ورغم هيمنة الحقد والكراهية والعنف أحيانا على النفوس فإنه يظل هناك بصيص الأمل الكامن داخل النفس الإنسانية والذي يمكن أن يتسع ليطهر أعماق البشر مما لحق بها من خراب وخواء ودنس بسبب تغليبهم نزعة الشر على نزعة الخير.
تمحور عرض «اليامعة» الذي قدمته فرقة المسرح الكويتي في مهرجان الكويت المسرحي تأليف مشعل الموسى وإخراج عبدالمحسن القفاص حول الثنائيات التالية: الحب والكراهية، الخير والشر، الإنسان والجن، مستلهما أجمل قصص الحب وأشهرها في التراث الإنساني كـ «روميو وجولييت» و«قيس وليلى» و«عنتر وعبلة» فنحن أمام حبيبين ـ «غدير السبتي وعيسى ذياب» ـ منذ الطفولة تجمعهما ذكريات أيام البراءة وحب كما الجنين يكبر وينمو مع الأيام ويقول الحبيب الشعر في محبوبته ويعيشان الحلم لا يعكر صفوهما سوى نزعة الشر الكامنة في ابن عمها (سامي بلال) الذي يريد أن يتزوجها ويفسد عليها حبها ليتصاعد الفعل الدرامي ويطلب والد المحبوبة (الفنان القدير عبدالله غلوم) من ابن أخيه أن يكون مهر ابنته «اليامعة» أو الحجاب التميمة المعلق في رقبة الحبيب ولا يفارقه منذ طفولته كتعويذة للحماية من قوى الشر، وينجح بالفعل في نهاية المطاف في تحقيق مراده والحصول على التميمة بالحيلة والخديعة ليسقط الحبيب في يد قوى الشر المتمثلة في عالم الجن والشياطين الذين يتهمونه بأنه بني آدم وكأنها تهمة ينبغي التخلص منها ولا يستسلم الحبيب ويظل يقاوم ولا يطلب سوى محبوبته كإخلاص باقي قصص العشاق في التراث الانساني وتظل الحبيبة في انتظار عودته التي طالت لكنه لا يعود ويتم الزج بها الى ابن عمها الطامع فيها ليقضي الشر والطمع على قصة الحب.
الرؤية الإخراجية
مزج المؤلف مشعل الموسى والمخرج عبدالمحسن القفاص بين عالم الأساطير المرتبط بالتمائم والتعويذات والموروث الشعبي من خلال قصة الحب الرومانسية وسط سينوغرافيا تعتمد على الفراغ المظلم والستائر السوداء ما منح الإضاءة الاستعارات الدلالية والإيحاء باتساع أو ضيق المكان والذي يوحي للمتفرج بمكان مطلق لامحدود تتحرك داخله الشخوص أو بقعة ضوئية تحتجز الممثل فيها والسدرة التي نمت وهي على حالها.
ورغم بساطة المفردات السينوغرافية في إطارها التجريدي إلا أنها كانت موحية ودالة واستعاد فيصل العبيد عافيته وأظهر إبداعه في هذا العرض خاصة في مشهد الشيطانة التي بدت كأنها عملاقة.
ووفق القفاص في مشهد الشياطين وسيطرتهم على الإنسان إذ جعلهم يخرجون من تحت عباءة الشيطانة وكأنها الأم التي تلد هذه الشياطين وكان من أعلى المشاهد في العرض، أما الفلاش باك وعودة الحبيب الى طفولته، فكنا نتمنى أن يستغل السينوغرافيا والإضاءة من خلال تقنية خيال الظل في هذا المشهد لكنها تظل رؤيته ووجهة نظره.
ويحسب للقفاص أيضا مشهد النهاية الذي أطفأ فيه بلال الفانوس في وجه الحبيبة في دلالة على مواقعتها دون خدش للحياء سواء كان لفظيا أو حركيا.
الموسيقى كانت ناعمة حالمة في المشاهد الرومانسية وصاخبة هادرة في مشاهد الشياطين فساهمت في إبراز الحدث والتأكيد على دلالته.
الأداء التمثيلي
وبالنسبة للأداء التمثيلي لابد أن أوجه التحية الى الفنان القدير عبدالله غلوم لمشاركته في العرض، فقد أثبت أنه لايزال شابا في عطائه وتدفقه وحيويته وكان حضوره على الخشبة لافتا ومميزا مع سامي بلال، حيث شكلا دويتو معا ولم تغب عنه اللمسات الكوميدية، كما نجح عيسى ذياب في تقديم شخصية العاشق الولهان المخلص لمحبوبته وتميز بالليونة الحركية والأداء التعبيري مستغلا في ذلك لياقته البدنية، أما غدير السبتي فهي بحق موهبة تستحق الاهتمام وهي مكسب لفرقة المسرح الكويتي بعد أن قدمت أداء متميزا خاصة في المونولوج الذي تناجي فيه حبيبها وتتحاور مع الشجرة أو السدرة فقدمت شخصيتين مختلفتين الحبيبة والشيطانة باقتدار وساعدها التلوين الصوتي.
«تطبيقية» مسرحية «اليامعة» وضعت المخرج والمؤلف في قفص الاتهام
شهدت الندوة التطبيقية التي أعقبت مسرحية «اليامعة» حالة من التذبذب وقراءات مختلفة للعرض، حيث وضع البعض مخرج ومؤلف العمل في قفص الإتهام، وتحدث المعقب الرئيسي عن العرض الفنان والمثقف الإماراتي مرعي الحليان، واصفا العمل بأنه من الأعمال المسرحية الناعمة التي تقدم الصراع بين العقل والعاطفة، وتستلهم من التراث الشعبي ثيمة الحب التي تحمل الكثير من الدلالات والسمات التي تصل ماضينا بحاضرنا، وقال: «ربما تكون هذه الثيمة التي انطلقت منها نوايا المؤلف غير أن هناك فرقا شاسعا بين النص الأدبي المكتوب والنص المسرحي المشاهد على خشبة المسرح فهناك إضافات كثيرة لمستها في العرض لم تكن موجودة في النص الأصلي مثل ظهور بنت العم مثلا فضلا عن أن المخرج قد استخدم التجريد القاسي في الديكور رغم حرصه على توفير ملامح الفرجة»، وأضاف: «هناك زوائد كثيرة وهوامش في بعض المشاهد كان يمكن الاستغناء عنها والاستعاضة عنها بحلول كثيرة، كما أن مجريات الأحداث بشكل عام تفتقد الوضوح والتكثيف في الدلالات».
من جانبه، أقر مؤلف المسرحية مشعل الموسى بحق المخرج في إظهار المرأة على المسرح بينما لم تكن في نصه الأصلي، وقدم الشكر لكل من مدح وانتقد العرض المسرحي. أما القفاص فدافع عن رؤيته الإخراجية وقال: من حقي كمخرج أفعل ما أشاء بالنص فأنا المنفذ، وأعمال شكسبير ما تزال تقدم منذ 500 عام بمئات الصور والرؤى، ولا أعتقد أن روميو وجولييت لاتزال تقدم بنصها الأصلي وممثليها الأصليين!
حاتم السيد: نحتاج لربيع ثقافي عربي.. والجراح: النشاط المسرحي يحتاج إلى تضافر الجهود لتسليط الضوء عليه
ضمن أنشطة مهرجان الكويت المسرحي الثالث عشر استضاف المركز الإعلامي المخرجين الأردنيين حاتم السيد وعبدالكريم الجراح وأدار المؤتمر الصحافي الزميل مفرح الشمري.
تحدث في البداية المخرج حاتم السيد حول انطباعه عن مهرجان الكويت المسرحي قائلا: انه حضر أوائل دوراته عام 1998 وكان مستوى العروض ضعيفا بالنسبة للمسرح الكويتي، لكن في الدورات التالية بدأ المستوى يرتفع، حتى وصل إلى ذروته في المهرجانات الأخيرة، مؤكدا أن مشاركة النجوم في العروض الشبابية تدفع بالحراك المسرحي، وتثري الحركة المسرحية وتدفع إلى تطوير المسرح، مثنيا على النجمين طارق العلي وعبدالله الغلوم اللذين شاركا في عرضين مشاركان في هذه الدورة للمهرجان.
وأضاف السيد أنه من حق المسرح على النجوم أن يبادروا ويدعموا الشباب من خلال الوقوف جوارهم على خشبة المسرح، وذلك لاستقطاب الجمهور والرقي بالمسرح الشبابي، لافتا إلى أنه ضد الرقابة الرسمية فالرقابة الذاتية أهم، مشيرا الى ان الأردن لا يوجد فيها أي نوع من الرقابة سواء الفنية أو السياسية، مؤكدا أن تاريخ المسرح الأردني لم يرصد أي حالة إيقاف عرض مسرحي.
ومن جهته، قال مدير إدارة الفنون والمسرح عبدالكريم الجراح ان أهم ما يميز مهرجان الكويت المسرحي هو الماكينة الإعلامية النشيطة التي تواظب على حضور الأنشطة وتنقلها عبر الصحف، مشيرا الى أن النشاط المسرحي يحتاج إلى تضافر الجهود لتسليط الضوء عليه. وأضاف: أرى أهمية فصل العروض الاحترافية عن عروض الهواة، وجعل المهرجان للمحترفين فقط، وعمل مهرجانات خاصة بالهواة، لأن نفس آلية التقييم للفئتين فيها ظلم للهواة، كما أن مشاركة الهواة كثيرا ما تجعل هناك عزوفا من المحترفين.
زيتون: السينوغرافيا لم تكن مترابطة سوى في عرض «الكويتي»
أقام المركز الإعلامي للمهرجان مؤتمرا صحافيا لشادية زيتون الحاصلة على دبلوم في الهندسة الداخلية السينوغرافيا بروكسل وهي القائم على العديد من الأعمال المسرحية والمسلسلات التلفزيونية منذ عام 1975، عضوة في نقابة الفنانين المحترفين في لبنان، والتي نالت العديد من الجوائز والشهادات التقديرية وقد رأس المؤتمر الزميل مفرح الشمري.
بداية أكدت زيتون أن مهرجان الكويت المسرحي له أهمية كبيرة جدا وهو حدث كبير ليعكس الوجه الحضاري للبلد ويزيد من الثقافة، ومن ثم عقبت على تخصصها في السينوغرافيا، وقالت: كيف يقوم المخرج بإنجاح عمل دون التطور مع محدثات العمل المسرحي او الاستعانة بمصمم سينوغرافي وبالأخص إذا كان ليس لديه حس تشكيلي لكي يزيد من الفرجة البصرية والتناغم مع أحداث الصراع والحلول المسرحية، حيث دمج الديكور والأزياء والإضاءة والموسيقى بالعمل وهي العين الثالثة للمخرج، لذا كان هناك العديد من العروض التي افتقدت التناغم بين جميع العناصر المسرحية.
وأضافت: ما قدم في المهرجان افتقر السينوغرافيا ففي مسرحيات «لو، ريتويت، على الطريق والحفار» كانت السينوغرافيا مشتتة ولم يكن لها تأثير، علما ان العناصر كانت موجودة وهي الديكور والإضاءة والموسيقى والأزياء والمكياج ولكن لم تكن مترابطة، سوى في عرض المسرح الكويتي الذي استطاع أن يثبت وجود سينوغرافيا ونتمنى أن يحذو البقية حذوه، متمنية التوفيق لجميع العروض المسرحية وعدم البحث عن الجائزة بقدر الاستفادة من التجربة والقيمة الفنية.