- «عاشت منيرة المهدية الثلاثين سنة الأخيرة من عمرها حاقدة على هذا الاختراع الصغير الحجم الكبير الأثر، واعتبرته عدوها اللدود الذي سرق منها سلطنة الطرب، والذي لولا ظهوره لظلت سلطانة الطرب بلا منازع»
- «امتلك صالح عبدالحي من قوة الصوت ما أهله لأن يغني بدون ميكروفون، وبقي محافظاً على المدرسة التقليدية في الغناء ولم يكن يميل للتجديد أو التطوير»
في تجربة جديدة على المشهد الموسيقي المعاصر، وعلى الفرق الموسيقية العربية الكبيرة، تجري التحضيرات في قاعة الشيخ جابر العلي الموسيقية - في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي - لحفل موسيقي يتطلب أداء خاصا من العازفين والمطربين، وأسلوبا يجمع بين الشكل التقليدي للموسيقى العربية والأوركسترا الغربية، حيث تقدم الموسيقى بصورتها الخالصة، بدون مؤثرات صوتية من ميكروفونات وسماعات ومكبرات للصوت وغيرها، لتصل النغمات إلى آذان المستمعين بأقل قدر من الحواجز.
يحيي الحفل كل من الفنانين طارق بشير وإيمان باقي وفريق الكورال، بمصاحبة فرقة المركز الموسيقية بقيادة د. محمد باقر.
وتتنوع فقراته بين المقطوعات الموسيقية والأغنيات لكبار الملحنين، مثل سيد درويش وزكريا أحمد ومحمد عبدالوهاب ومحمد القصبجي ورياض السنباطي.
مغامرة يخوضها مركز جابر الثقافي، الذي يسعى القائمون عليه إلى تقديم مادة فنية وثقافية متجددة، مع اهتمام خاص بكلاسيكيات الموسيقية العربية وجواهرها.
وعن الحفل المرتقب يقول د. محمد باقر، قائد فرقة مركز جابر الموسيقية:
«إن أمسية «من غير ميكروفون» قد تعتبر الأولى على مستوى المنطقة العربية، وفرقة المركز اليوم أمام تحد جديد، ولعل هذا النوع من التحديات هو ما يطمح له كل موسيقي لديه شغف بالمبادرة وبتنمية المهارات الموسيقية واختبار الأفق الواسع للثقافة والفنون».
من غير ميكروفون
طارق بشير
هو أحد الأصوات الطربية المتخصصة في الغناء الشرقي الكلاسيكي الذي كان سائدا في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، مثل الأدوار والموشحات والمواويل، ومن خلال مساحة صوته وأدائه المتمكن، يعد بشير من الأصوات النادرة القادرة على إعادة إحياء التراث العربي السائد في العهد العثماني وعصر النهضة العربية.
وطارق بشير أيضا من عازفي العود المتميزين في مجال التقاسيم والقطع الموسيقية العربية.
يعزف العود على الطريقة المصرية وينتمي تحديدا إلى مدرسة محمد القصبجي.
وقد قدم كثيرا من الألحان، وكتب العديد من الأشعار الغنائية باللغة الإنجليزية.
إيمان باقي
بدأت الغناء في حلب، وكانت أولى مشاركاتها في سن الثانية عشرة في مهرجان بصرى الدولي.
وفي سن السابعة عشرة، نالت شهادة الأولى على سورية في الغناء في حفلة مسرح نقابة الفنانين، حيث غنت لأم كلثوم، وكانت الحفلة سبب شهرتها في سورية وحظيت بعدها برعاية من الفنان الكبير صباح فخري.. في العام ١٩٩٤ انتقلت إلى القاهرة، حيث غنت في دار الأوبرا وفي مهرجان الموسيقى العربية بتشجيع ورعاية من د.رتيبة الحفني، كما كانت لها مشاركة تلفزيونية عندما أدت دور بديعة مصابني في مسلسل «زمن عماد الدين».
الدور والطقطوقة
الدور قالب غنائي عربي قديم، ازدهر في العصر العباسي، لكن الأدوار الحديثة اتخذت شكلها المتعارف عليه بفضل محمد عثمان (1855-1900) الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لقالب الدور، والذي أعطاه شكله المميز في منتصف القرن التاسع عشر، بينما يعد سيد درويش أهم ملحني الأدوار الذين وصلوا بالدور إلى كمال تركيبه وعظمته.
ومن أشهر الملحنين الذين وضعوا ألحانا للدور نذكر إضافة للأسماء السابقة عبده الحامولي، داود حسني، إبراهيم القباني، أحمد عبدالقادر، محمد صادق، محمد عبدالرحيم المسلوب، محمد القصبجي، زكريا أحمد، رياض السنباطي، محمد عبدالوهاب وغيرهم.
يتكون الدور من مذهب وأغصان، وآهات تتيح للمؤدي إبراز مساحات صوته وقدراته. وكلمات الدور تكون عبارة عن قصيدة صغيرة بالعامية قد لا تراعى فيها أصول العروض والوزن وتتألف من أبيات تحمل معاني عاطفية قوية تفتح الباب أمام الملحن للإبداع في تلحينها وتكرارها بأشكال متنوعة.
أما الطقطوقة، فهي أحد أشكال الغناء مصرية النشأة، البساطة أهم ما يميزها من حيث الكلمات واللحن، فهي أهزوجة خفيفة تمتاز ببساطة اللحن وسهولة الأداء. تكتب الطقطوقة بالزجل، وتتألف من عدة أجزاء الأول منها يسمى بالمذهب ثم تليه الأغصان، ويتكرر المذهب بعد كل غصن. ويكون التركيز كله في المذهب من حيث سهولة الكلام واللحن، لأنه أكثر ما يكرر في الأغنية، وإذا نجح نجحت الطقطوقة.
منيرة المهدية والميكروفون
الفنانة منيرة المهدية هي أول مصرية تقف على خشبة المسرح وتخوض هذا الميدان بشجاعة، كما كونت فرقة باسمها عام 1917 على نمط فرقة الشيخ سلامة حجازي. لقبت منيرة المهدية في بداية حياتها الفنية بـ «الست منيرة» وعندما ذاع صيتها وعملت في حي الأزبكية لقبت بـ «مطرية الأزبكية الأولى»، وعندما أصبحت المطربة الأولى في عالم الغناء لقبت بـ «سلطانة الطرب». كانت الست منيرة تغني مباشرة أمام الجمهور بلا أي محسنات صوتية إضافية وبدون ميكروفون. وقد ماتت وفي نفسها حسرة من الميكروفون، وعاشت الثلاثين سنة الأخيرة من عمرها حاقدة على هذا الاختراع الصغير الحجم الكبير الأثر، واعتبرته عدوها اللدود الذي سرق منها سلطنة الطرب، وكانت تعتقد أنه لولا ظهوره لظلت سلطانة الطرب بلا منازع.
تعتبر منيرة المهدية أيضا هي أشهر من قدمت الطقطوقة ففي رصيدها الغنائي نحو 100 من هذه النوعية إضافة إلى 37 قصيدة، و16 لحنا، و7 منولوجات، و4 مواويل، و8 أدوار غنائية، و42 مسرحية. وتعتبر هذه الطقطوقة «حبك يا سيدي»، التي تقدمها الفنانة إيمان باقي في حفل «من غير ميكروفون» المقبل، من أشهر أعمالها، والتي تتضمن أيضا «بعد العشا»، «يا بنت يا بتاعة النرجس»، «يمامة حلوة»، وغيرها.
توفيت منيرة المهدية في 11 مارس 1965 عن عمر يناهز الثمانين عاما.
دور أنا هويته وانتهيت
عاش سيد درويش حياة فنية قصيرة خلدها بالألحان الرائعة وخصوصا الأدوار، ومن بين الأدوار العشرة التي لحنها، ترك دور «أنا هويته وانتهيت» أثرا خاصا في الغناء العربي، وأغرى عددا كبيرا من الفنانين لأدائه. سجل سيد درويش هذا الدور عام 1923 لأول مرة على أسطوانة، بعد سنوات من تلحينه. لاحقا، أداه كل من محمد عبدالوهاب، ورياض السنباطي، وفيروز، وعباس البليدي، وسعاد محمد، وآخرون.
يمتاز سيد درويش في هذا الدور بمسحة عاطفية، ورغم جمال صوته وتمكنه، إلا أن الصوت ليس مجال نبوغه، بل الموسيقى باعتباره مجددا، وخصوصا في تعبير الفنان العاطفي للحن، واعتبر سيد درويش رائد هذا الاتجاه.
ويؤكد الموسيقار محمد عبدالوهاب أفضلية سيد درويش في إدخال التعبير على اللحن، حتى في الأدوار الكلاسيكية، خص منها ثلاثة أدوار، وأهمها «أنا هويته وانتهيت». ويشير عبدالوهاب إلى أن سيد درويش منح قالب الدور الدراما، أي التعبير باللحن بما يتفق مع الكلام.
طقطوقة ليه يا بنفسج
برغم ما قدم صالح عبدالحي من أغنيات بقي يعرف من خلال هذه الطقطوقة. ففي 31 مايو من عام 1934، انطلقت أول إذاعة رسمية عربية في القاهرة، وبدأ تقديم أول وصلة غنائية لأول مطرب عربي استمع الناس إلى صوته عبر هذه الإذاعة المصرية الجديدة في ذلك الوقت. هذا المطرب هو صالح عبدالحي.
نشأ صالح عبدالحي في بيت يعشق النغم، فخاله هو المطرب عبدالحي حلمي، وقد احترف الغناء بتشجيع من عازف العود علي الرشيدي، الذي قدمه لجلسات الطرب في قصور الأمراء والوجهاء، حيث أذهلهم المطرب الشاب بجمال صوته، مسترعيا انتباه كبار الموسيقيين.
كان صالح عبدالحي أهم وأشهر من قدم هذا الشكل الغنائي الذي يكاد يكون غير متاح على خريطة غناء اليوم إلا فيما ندر. كما كان حافظا للغناء الشرقي الأصيل، حيث كان له الفضل بأن تستمع الأجيال المختلفة لألحان عبده الحامولي ومحمد عثمان وإبراهيم القباني وداود حسني. كان حلقة الوصل الأخيرة بين زمنين، كونه نقل ألحان من ذكرناهم، ومن خلال معايشته لهم أوصل أغانيهم بنفس الطريقة التي كانوا يؤدونها إلى جيل أم كلثوم وعبدالوهاب ورياض السنباطي، ولا زلنا نعيش مع هذه الأغنيات إلى الآن والتي لولا عبدالحي لاندثرت.
طقطوقة يا صلاة الزين
ساهم شيخ الملحنين زكريا أحمد بشكل كبير في تجديد طابع الموسيقى العربية بصورة تجعله جديرا بأن يكون ضمن صناع تراث الموسيقى العربية. درس زكريا أحمد (1861-1896) في الأزهر وكان أبوه يؤهله ليصبح من علماء الدين، لكنه مال إلى الإنشاد الديني، وساعده حفظ القرآن على التمكن من روح اللحن العربي وتعلم أصول الإيقاعات الموسيقية على يد الشيخ درويش الحريري الذي كان حجة في الموسيقى العربية. ولذلك لقب بشيخ الملحنين، اللقب الذي لازمه حتى آخر حياته رغم تخليه عن زي المشايخ بعد أن سافر إلى باريس وعاد منها يرتدي البدلة والطربوش عام 1932.
خاض شيخ الملحنين تجربة التلحين للمسرح لأول مرة عام 1916، وفي عام 1923 اتجه إلى مجال تلحين الأغاني الخفيفة والطقاطيق ويعتبر ممن قاموا بتطوير الشكل اللحني للطقطوقة إلى جانب القصبجي وسيد درويش. كان تأثير ألحان الشيخ زكريا من الأغانى والطقاطيق ساحرا لا يجارى، فهو يتبارى مع الملحنين الآخرين في إبراز جانبين غاية في الأهمية، الموسيقى الشعبية والأنغام الشرقية، وقد صنع الشيخ زكريا من كلمات بيرم التونسي الشعبية صورا فنية تعد لآلئ نادرة يصعب تصور تلحينها بواسطة غيره من الملحنين. وتعتبر طقطوقة «يا صلاة الزين» من أشهر أعماله وكانت من «أوبريت عزيزة ويونس»، آخر أعماله للمسرح عام 1945، وقد غناها بنفسه للتلفزيون المصري عام 1960 وهو في الرابعة والستين من عمره، وقبل وفاته بعام واحد (14 فبراير 1961).
عن قاعة الشيخ جابر العلي الصباح الموسيقية
قاعة مخصصة للعروض الموسيقية وحفلات الأوركسترا، حيث جاء تصميمها بمواصفات تقنية عالمية في مجال الترددات الصوتية، وتزين سقفها ألواح ذهبية تضافرت في شكل أضفى على القاعة فرادتها، وهي ألواح تعمل في الوقت نفسه كعاكسات صوتية، حيث تم تجميعها لتكون «موجة صوت عملاقة» توزع الصوت في جميع أجزاء القاعة، من دون الحاجة إلى استخدام ميكروفونات.