دلال العياف
حالة عشق شديدة وتعلق بزمن قد فات ومضى، عمرا ووقتا فقط، لكنه مخزون تراثي ضخم أخذ خانة كبيرة من الذاكرة، ويتغلغل بالوجدان بمدى عمق العلاقة وارتباطنا بذكريات ارتبطت بحب هؤلاء الذين أورثونا أرقى القيم والمشاعر وعلمونا أخلاق الفنان الحقيقية.
اليوم وأنا في شهر سبتمبر، الذي شهد رحيل علم من أعلام الفن الراقي الأصيل والذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من تاريخ فني ومشوار طويل كله احاسيس ومشاعر صادقة، أتذكر مجموعة غنائية يروق لي لحنها، مثل «تخونوه» من فيلم «الوسادة الخالية»، «خسارة» من فيلم «فتى احلامي» و«خايف مرة احب» من فيلم «يوم في عمري» و«سواح»، والأكيد أسطورة «عدى النهار» التي تغنى بها «العندليب» في حب مصر العظيمة «أم الدنيا» والحضارة والتاريخ الذي يطبع في أذهان الجميع.
الروائع كثيرة نهلت من نيل «أم الدنيا» وبهرتنا مثل أعجوبة بناء أهرامها، فظهرت تعاونات فنية جمعت أساطير التلحين والغناء، ومنهم الملحن القدير الراحل بليغ حمدي و«العندليب» عبدالحليم حافظ اللذان اقترن اسمهما منذ نهاية الخمسينيات وحتى منتصف السبعينيات، فحين نذكر «العندليب» وما قدمه، لابد ان يقترن اسمه بمن لحن له أغنياته الخالدة التي حتى اليوم صالحة وتصلح لكل زمان ومكان.
كان حظي كبيرا انني تربيت في بيت عشق الأدب والفن الاصيل والثقافة العالية، حيث تربيت على أساس سمعي نقي نظيف خال من الشوائب، وأيضا كنت متمسكة بجيل سبقني بأجيال، وهو جيل العظماء أمثال أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب، مع حفظ الألقاب، وفي كلمة رثاء لملحن شامل لحن الاغنية الشعبية الرومانسية والوطنية الحماسية، فقد اسهم بليغ حمدي في إيصال الموسيقى والإيقاعات الشعبية المصرية بطريقة تتناسب مع المطربين الكبار، وأيضا لحن الابتهالات الدينية وأشهرها «مولاي» كلمات الشيخ سيد النقشبندي، وكانت للأطفال حصة من أعماله العظيمة مثل «أنا عندي بغبغان».
في هذا الشهر تحل ذكرى وفاة الملحن الكبير بليغ حمدي، والذي لفت انتباهي رقيه وأخلاقه العالية التي لو قارناها بما يحدث الآن بين بعض الفنانين لوجدنا اختلافا واضحا، ويا ليتهم يكتسبون بعضا من رقي ذلك الجيل الذهبي وأيامهم الماسية التي لا تقدر بثمن، فكم هم عظماء في أخلاقياتهم وطريقة التعامل فيما بينهم، وأتمنى أن تنتهي مهزلة «السوشيال ميديا» بين بعض الفنانين وما فيها من تطاول على الروح والذات وقلة الاحترام الذي يسيء للفن.
الصورة التي طبعت بأذهاننا بعمق ان ابن منطقة شبرا بالقاهرة بليغ حمدي مثال يحترم نقف له احتراما، فعندما أراد ان يعاتب رفيق الفن والصديق «العندليب» عبدالحليم حافظ بعد موقف معين في احدى السهرات الفنية، شعر خلاله بليغ بالاستياء، وجه رسالة نصية لعبدالحليم يقول محتواها:
«عزيزي عبدالحليم .. تحية طيبة وبعد.. أود فقط لفت انتباهك الى أن تعليقك الساخر اليوم ونحن في السهرة قد جرحني جرحا أليما.. برجاء عدم التعامل مع مشاعري بهذا الاستخفاف والاستهانة بحب عظيم لا أظن انه يمكنك ان تفهمه.
برجاء عدم الاتصال بغرض الاعتذار الأيام التالية حتى اصفو لك تماما وأستطيع الكلام معك مرة ثانية، خالص مودتي.. بليغ حمدي».
وختاما نقول ليت ذاك الزمان يعود بأخلاقياته.