دلال العياف
بحور الفن على من يخوض فيها أن يكون على قدرها ومن لم يستطع فسيغرق ويطبع مركبه مثل ما نقولها بالكويتي، فمن لا يحسن العوم فله أن يتعلم والا تغيب عنه الروح، والفن هو المعبر عن روح الانسان ووجدانه، بما يمثله من تطلعات سواء معاناة أو مخاوف أو حزن أو فرح، ومتى وصل هذا الفن الى ملامسة هذا الوجدان، هناك من يعبر بصدق وينقل لنا ما كتب على أوراق بيضاء طبع عليها حبر وبكل جملة تقال في مشهد يصاغ بحرفنة، يجب على الممثل ان يوصلها كما كتبت وينقل روح الكاتب ولكن بأسلوبه ولا ينقلها بصورة رديئة لا تقنع المشاهد والجمهور بشكل عام، هنا تكمن الكارثة، حيث كانوا في السابق والجيل الذهبي تحديدا ينقلون لنا احاسيس ومشاعر صادقة وتعابير حركية صحيحة وإيماءات وجوه مقنعة تخدم المشهد، وحتى لو ارتجلوا مشهدا كاملا فإنهم يتقنونه ويأخذه المخرج ويعتمده من أول مرة أو أول شوت، ولكن اليوم هناك متغيرات لدى بعض الجيل الجديد من الفنانين ولا أعرف ما السبب أو ماذا يدور بأذهانهم، هل الفن لعبة تلعب ولكن تحتمل الخسارة أم واجب وظيفي أم مكسب مادي فقط؟ هناك تساؤلات كثيرة حول ذلك الموضوع المؤثر حاليا، هل رداءة المستوى الفني حاليا ام رداءة الثقافة الفنية أم قلة الخبرة وعدم وجود الموهبة الفعلية؟ أم ان هناك سببا آخر لعدم التعبير بذا الصدق الذي يجب ان يصل الى المشاهد؟ هل استخدام العقاقير المستحدثة مثل الفيلر والبوتكس يحد من سلامة التعبير، أم اننا قد نرى وجوب توفير احد عناصر نجاح العمل وهي الاستعانة بدكتور نفسي مثلا يعالج معهم أدوارهم قبل الدخول بالشخصية التي ستقدم؟!، كل هذه التساؤلات دارت بأذهاننا ومن ثم تجاذبنا أطراف الحديث وتناقشنا مع المختصين لنرى رؤاهم ووجهات نظرهم في الموضوع، لربما خيرة، وليتها تكون حلولا تنهض بها الساحة الفنية.
الموهبة هي الأساس
حيث قال الطبيب الاختصاصي في الطب النفسي، د.محمد السنافي:
أرى ان العنصر الأول في نجاح وأداء الممثل هي الموهبة وسبحان الله هناك بعض الشخصيات وهبها الله من الذكاء الاجتماعي الشعوري انهم يجيدون الدخول في تقمص الشخصية ويستطيعون امتصاص الحالات ويتميزون بذاكرة قوية والتحول من حالة الى حالة وهذا مما رأوه في الأمور الحياتية، والانتقال من وضعية الى وضعية بالاحساس لكن أنا أرى ان الطبيب النفسي سيكون له دور فعال ومهم جدا خصوصا مع كثرة الممثلين حاليا وقلة الموهبة، هناك بعض الممثلين لم تمر عليهم في حياتهم صدمات معينة ولم يعرفوا ردة فعل بعض الحالات، مثلا الاغتصاب أو حالات وفاة لا يستطيعون ان يعرفوا كيف تتفاوت ردة الفعل فتجد الدور ليس متقنا وغير حقيقي، بالإضافة الى بعض الادوار المركبة واذا كانت طويلة وأدوار شر أو قتل تؤثر على الحالة النفسية لدى الممثل نفسه فيجد نفسه بعد إنهاء العمل وخصوصا اذا عاش الحالة فترة طويلة سيؤثر عليه وعلى نفسيته، ومن الممكن أيضا ان الطبيب النفسي يعطي بعض النصائح ليساعد الممثل على تخطي تأثير دوره على حياته الشخصية، أما النقطة الثالثة فهي بعض البرامج تكون لها محاور شخصية مثل الادمان تجد المريض يصل درجة أوفر في تجسيد الحالة المرضية للادمان أو ضربة الابرة والإحساس وأحيانا يضعون معلومات مغلوطة عن الادمان بشكل عام فأنا ارى الطبيب النفسي له حاجة كبيرة ومن الممكن ان يكون دوره تكميليا ولكن العنصر المهم والاهم هو الموهبة، وللأسف لقد قلت كثيرا في الآونة الاخيرة، وهناك موضوع الموهبة من وجهة نظري أو التحليل النفسي بأن غالبا الموهبة بالتمثيل يكون لها ذاكرة شعورية قوية جدا فتمكن الممثل بأنه يسترجع ويعيد معايشة الدور واللحظات، ومن العناصر المهمة ان يكون الفنان سريع البديهة وقوي الذاكرة.
فقدان التعبير
أما الناقدة القديرة ليلى أحمد فقالت:
«كل الممثلات والممثلين عندهم جمود في الأداء، اللي نافخ وجهه لدرجة فقدان التعبير واللي مو نافخ إلا قليلا، لو عندنا نقابة فنانين قوية لها قوة قرار وتنفيذ لا تسمح لأي احد بالتمثيل..الا لو كان أو كانت خريجة معهد فنون مسرحية أو خريج أكاديميات التمثيل وشهادته من خارج البلاد أو على اقل تقدير يكون دخل ودخلت في ورش تمثيل فيها للتدريب وفيها لجنة تحكيم محترفة، أما ما يحصل عندنا فالممثلون بنات وشباب كبار وصغار لا تجديد لديهم في الأحاسيس والأداء، ونعرف ردود أفعالهم وهي التي تشبه أداءهم في أعمال سابقة، وطبعا سبب كارثتنا في الدراما الكويتية ان المخرج غالبا ضعيف.
قلة المعرفة
أما الفنان القدير عبدالعزيز المسلم: للأمانة سؤال مهم وذكي جدا وملاحظة قيمة تحدد مستقبل النجوم بالمستقبل، النجوم الذين درسوا التمثيل على يد أساتذة كبار ومارسوا التمثيل يدركون مدى دراسة الشخصية وأبعادها، واذا جاهم مسلسل تلفزيوني لم يوضح الكاتب ابعاد الشخصيات لهم في نص المسلسل كانوا يجلسون معه ويتناقشوا أو بمعنى اصح هم من يبني الشخصية، حاليا النصوص فقيرة مكتوبة بشكل غير علمي لجهل الكاتب بالدراما وتشريح الشخصيات وأدوات الكتابة فنجد جميع الشخصيات المسلسل تتكلم في منطق واحد وهو منطق المؤلف، لذلك معظم المسلسلات لا توجد بها ابعاد حقيقية للشخصيات والسبب قلة المعرفة للكاتب، واذا كانت الممثلة جديدة أو توها صايرة نجمة أي (مشهورة) بالسوشيال ميديا مقياس للنجومية، تجدها غير قادرة على التعبير عن الشخصية، وليست لها ملامح فطبيعي تكون غير مقنعة وهذا لا يحدث عن الفنانات اللواتي شاركن كبار النجوم حتى وهن في طور التدريب لأنهن يعرفن قوة النص وكيفية التعايش مع الشخصية، كما أن كثرة عمليات التجميل تقلص ردود الفعل لدى الممثل، وتغيب تفاصيل الخجل والحب..الخ، فيكون بالتالي غير مقنع.
مرض العصر
وقال المخرج محمد دحام الشمري: اذا أصبنا القول فعلينا أن نقول إن أعمال التجميل هي مرض العصر، وأقوى من المخدرات، واغلب البنات يدركن مضارها ولكن لا يستطيعن الابتعاد عنها، والبعض خسر حياته بسبب تلك العمليات، يعني «اوووفر» تجميل، والشاشة والمسلسلات تعكس الواقع وأنا عن نفسي وبقدر الإمكان أحاول الابتعاد عن الوجوه المشوهة تجميليا، خصوصا بأعمال الحقب الزمنية القديمة، وانصحهم قدر الامكان ان يبتعدن عن هذه العمليات و«اللي» ما تسمع الكلام ابتعد عنها عمليا وتطلع من قائمتي اما عن التعبير الحركي وايماءات الوجه، فهذا يعتمد على قدرة المخرج على تأهيل الفنان لدوره.
ورش تدريب
وأما المخرج سائد الهواري فقال، بالفعل أنا واحد من الناس أعاني من بعض الممثلات لا نجد تعابير معبرة في الوجه لسبب طبعا هو وجود عمليات التجميل وهذا على الجانب الشكلي الخارجي، أما عن المحتوى والمضمون فنحن نفتقر لفنان يدرس شخصيته ودوره وهذا للبعض فقط والأكيد أن هناك معهدا للفنون المسرحية ويتخرج منه خريجون لهم قدرة فائقة في إجادة الأدوار ويبدعون بذلك.
تكثيف القراءة
اما الكاتبة أنفال الدويسان فكانت لها وجهة نظر في هذا الموضوع حيث قالت للانباء: هذا الموضوع بالضبط كان على بالي لأن في كثيرا من الفنانين يطلعون عن الحوار المكتوب فمن الممكن أن يقولوا جملة حلوة واحيانا قد تكون مبتذلة أو غير مقبولة فنرى أن الجمهور ينتقد والمشكلة ينتقدون الكاتب لأنهم يعتقدون انه هو من كتب تلك الجمل فأنا كنت دائما أحرص على الفنانين والمخرج بالالتزام بالنص المكتوب حرفيا والحين دائما ادقق وأحط عيني على الفنانين الذين يلتزمون بالنص لكي يكونوا من خياراتي لأعمال قادمة، الفنان يستطيع ان يدخل بالحالة النفسية للدور دون اللجوء لدكتور نفسي يكفيه تكثيف القراءة والجلوس مع الكاتب ويتقمص الشخصية.