دلال العياف
ليلة «عندليبية» على طراز عال من الفن الراقي والطرب الاصيل، كانت في أروقة مركز جابر الأحمد الثقافي، وأعادتنا الى الزمن الجميل ونستعيد ذكرياتنا مع عبدالحليم حافظ الاسم الذي له رونق من نوع خاص وأحبه الملايين وعشقوا صوته الذي لم ولن يتكرر، فشكرا لمن نظم تلك الأمسية الطربية، وهذا ما اعتدناه من القائمين على مركز جابر الأحمد الثقافي كونهم يمتعون الجمهور بحسن اختياراتهم الموفقة دائما.
حليم هو رمز من رموز الفن في العالم العربي وأشهر المطربين بالقرن العشرين، حورب في بداياته لكنه استمر بعزيمة وإصرار لحبه للفن، فقد كان مؤمنا بما يقدمه، وبالفعل أوصله اجتهاده إلى قمم الفن والفنون، ونال لقب «العندليب الاسمر» بفضل أغانيه التي استوطنت قلوب جمهوره الذي كاد ينهار لخبر وفاته، وكم من منتحر ومنتحرة لاجل ذلك الفنان القدير الذي كون له قاعدة جماهيرية كبيرة.
تعاون عبدالحليم مع نخبة من كبار الشعراء والملحنين في ذاك الوقت والعصر الذهبي، جيل الرواد، وكان دائما دؤوبا على إقامة الصالونات الفنية الثقافية في منزله الذي اصبح الآن ثروة ومتحفا يزوره كل من دق باب قلبه الشوق لتلك الاسطورة التي كان لها كاريزما وحضور قوي، وكانت طفولته مريرة، وعندما كبر عانى كثيرا مع مرضه، ورغم ذلك لم يكن يكترث للآلام والنزيف ويصعد على خشبة المسرح ويغني لمحبيه، وربما تضحياته تلك أسرت الجمهور وجعلتهم يتعلقون به روحيا.
درس عبدالحليم مع أطفال قريته في كتاب الشيخ احمد وبعد التحاقه بالمدرسة الابتدائية ظهر ولعه وشغفه بالموسيقى حتى اصبح رئيسا لفرقة الاناشيد في مدرسته، ومنذ ذلك الحين ولد لديه حلم الغناء في العام 1943، ومن ثم التحق بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين وتعرف على كمال الطويل من خلاله والذي كان يدرس في قسم الغناء والاصوات، وتزاملا معا في المعهد حتى تخرجهما، ورغم فشل حليم في اجتياز اختبارات لجنة الاستماع بالاذاعة المصرية، إلا انه التحق بالفرقة الموسيقية بالإذاعة عازفا على آلة الاوبوا في حقبة الخمسينيات، وتعرف على الإذاعي الكبير حافظ عبدالوهاب الذي اكتشفه وساعده على الوقوف أمام لجنة الاستماع مجددا وسمح له باستخدام اسمه حافظ بدلا من شبانة ليصبح اسمه اللامع هو علامة فارقة في سماء الفن المضيئة دائما حتى بعد وفاته بأعماله الخالدة (عبدالحليم حافظ).
وبصوت جبار للغاية غنى احمد عفت وبدأ بالأسطورة الغنائية «جبار»، من كلمات حسين السيد وألحان محمد الموجي، وسلطن بها وتفاعل معها الجمهور بشكل لافت حتى ان القاعة كادت تهتز من تعالي الهتافات والتصفيق، وبعد تلك الاغنية الجبارة قدم «ابوعيون جريئة» واندمج معه الحضور تناغما مع احساسه العالي بروح عبدالحليم، وأنهى وصلته الغنائية الرائعة بأغنية «زي الهوى».
وبعد ذلك صعد على خشبة المسرح صاحب الصوت الشجي محمد المطيري، فهو كويتي لكنه حليمي الهوى، وقدم أغنية «قارئة الفنجان» وتعتبر من أساطير نزار قباني وهي ليس من السهل غناؤها ولكن أداها بمنتهى الاحساس والقوة والثبات بإمكاناته الصوتية التي تستحق التقدير، أما الفنان القدير محمد الحلو فأبدع في اغنية «التوبة» للشاعر الراحل عبدالرحمن الابنودي، والأكيد انه مهما قلنا عن صوت الحلو فهو يشرح نفسه للقوة في الاداء والاحساس وشعرنا معه كأننا في قرية من قرى مصر، فالمتعارف عليه ان الراحل القدير عبدالرحمن الابنودي كان نقلة كبيرة في النوعية الغنائية التي قدمها حليم، ومن ثم سلطن بأغنيتي «الليالي» و«بتلوموني ليه»، وعشنا في أجواء حب عظيمة وكانت من احلى الليالي «العندليبية» على الاطلاق، وقدم رائعة طربية لمرسي جميل عزيز وهي «جانا الهوى» وبعدها شدا بالاغنية الخليجية «يا هلي» بمشاركة المطيري، وختم الحفل الغنائي الرائع بأغنية فاخرة وهي «سواح».