مفرح الشمري
الموسيقى بالنسبة له عشق، وكلما حاول ان يبتعد عنها وجد نفسه يقترب منها من حيث لا يدري.. هذا هو حال الموسيقار البحريني وحيد الخان التي فرضت عليه ظروف الحياة والمتطلبات الاسرية، ان يهجر معشوقته بضع سنين، لكن في لحظة صرخت كل خلاياه قائلة: حان وقت «العودة»، لم يعد يقاوم، فانطلق الى أحضان معشوقته.
الموسيقار وحيد خان مؤخرا طرح ألبومه الموسيقي الجديد «العودة.. روح البحرين»، الذي يتضمن عشر مقطوعات موسيقية، ويصنف ضمن «موسيقى العالم – World Music»، وهو قائم على التأليف الحر الذي يستلهم بعض الألحان والأهازيج من التراث الموسيقى البحريني، ومؤخرا قدم على المسرح حفلا موسيقيا بمناسبة الميثاق الوطني بمشاركة اوركسترا القاهرة السيمفوني وبقيادة المايسترو ناير ناجي، كما شارك في مهرجان الموسيقى العربية الأخير بدار الاوبرا.
عن ألبومه الجديد والكثير من الموضوعات دار معه الحوار التالي:
كثر الحديث عن ألبوم «العودة» وأصبح الجميع متشوقا للاستماع الى هذه الموسيقى، فما سر هذه التسمية؟
٭ اسم الألبوم «العودة» هو اسم لإحدى المقطوعات في الألبوم، ومقطوعة «العودة» هي حكاية عودة الشيخ عيسى بن علي إلى البحرين، وهو الجد الأكبر لجلالة ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، فهي تحاكي موج البحر الذي تمخر فيه سفينة الشيخ عيسى بن علي، ومن جانب ثان مشهد تناقل الناس لخبر وصول الشيخ الى اليابسة وانتظار الوصول الى الشاطئ.
كل العمل في هذا الألبوم مبني على حكايات نسجتها في خيالي عن البحرين وجمال أهلها وفرجانها، خاصة المحرق التي لا تزال كما كانت في خاطري.
ألبوم «العودة» الذي عزفت معظم مؤلفاته على مسرح البحرين الوطني في ذكرى الميثاق الوطني يستلهم ألحانا وأهازيج فلكلورية بحرينية، لكن الموسيقى فيه بنيت على قوالب أوركسترالية ونسق غربي وهذه المسألة فيها صعوبة شديدة.
كيف فعلت ذلك؟
٭ المسألة صعبة، لهذا أخذت أكثر من سنتين في تنفيذ هذا الشكل الجديد على الأوركسترا، وكانت المشكلة في كيفية إيجاد صيغة أضع فيها أعمالا مستلهمة من التراث وأغنيات شعبية شهيرة بشكل تستسيغه الأذن الغربية التي تستصعب الإيقاع المركب، فثقافتهم ليست إيقاعية، وبعد فترة وجدت الصيغة، حيث قمت بإدخال الآلات المحلية بمصاحبة الآلات الشرقية والغربية، والمعروف أن الإيقاع الخليجي يمتاز بالآلات والنسيج الإيقاعي الدسم، لذا ارتأيت عدم الزج بالإيقاع الخليجي بالشكل التقليدي المستمر، وإنما أسبغت عليه بعض الخصوصية، وهذه التجربة سبق ونفذتها في بداياتي بمصر لكن بشكل أبسط من خلال أوركسترا مصري، وكانت عبارة عن تنويعات على لحن شعبي أعدتها في الألبوم الجديد بشكل آخر، وهو كيف تولف الآلات الشرقية مع الآلات الغربية بشكل بسيط يصل الى العالم الغربي، لقد كانت مغامرة وجاءت بنتائج جيدة جدا.
لماذا كتبت كل أسماء المؤلفات وكل ما يتعلق بالألبوم باللغة الإنجليزية، رغم أن مضمونه عن روح البحرين العربية وهويتها؟
٭ أحببت من خلال هذا العمل أن أرسل رسالة للعالم الغربي، وأن يروا البحرين من خلال الموسيقى، ولكي نخدم الهدف من هذا المشروع لذا كتبنا كل ما يتعلق بالعمل باللغة الإنجليزية، فأنا أرى أن أسهل طريقة للوصول الى شعوب العالم تكون من خلال الفنون وليس من خلال السياسة على الإطلاق، وأذكر بعد انتهائي من هذا العمل كوّنت لجنة استشارية من بعض الأصدقاء وسألتهم عن خطة العمل بعد الانتهاء من التأليف الموسيقي لـ C.D فاقترحوا إقامة حفلات في عدة دول عربية تبدأ بالبحرين، لكنني قررت أن أبدأ جولاتي الاحتفالية من أوروبا، ورغم اعتراضهم على الفكرة إلا أنني نفذتها، وكانت أولى حفلات تدشين الـ C.D في المجر، وكان التفاعل مع الأعمال الموسيقية التي قدمتها غير عادي وأكثر من رائع.
تقديم عملك الموسيقى في بلد غربي مثل المجر مع أوركسترا ضخم بمصاحبة نخبة من العازفين المجريين، من «أوركسترا پانون الفيلهارمونى» مسألة ليست سهلة، حدثنا عن هذه المحطة المهمة في مشوارك؟
٭ فعلا المسألة ليست سهلة، وفيها تحد وتخوف لمؤلف عربي، لأن جمهور المجر معروف عنه أنه لا يجامل، وإذا لم يعجبه شيء لا ينفعل ولا يعلو صوته بل ينسحب بهدوء ويترك المكان، لكن الحمد الله كان للنغم العربي والتيمة البحرينية وقع في نفوس المستمعين وكذلك العازفون، إذ إن هذا النغم غريب نسبيا عما يؤدى في الأعمال الأوركسترالية، لهذا فاجأني الجمهور في نهاية الحفل ولم يتوقف عن التصفيق لمدة خمس دقائق، وكان من بين الحضور سفيرنا في ألمانيا الذي أبدى انبهاره بما يرى ويسمع.
ألم يجعلك هذا النجاح الضخم في بلد لا يعرف المجاملات تندم على الغياب لأكثر من 15 عاما عن ممارسة العمل الفني والتأليف الموسيقى؟
٭ لم أندم.. لأن غيابي الفني لم يكن برغبتي، ولكنى اضطررت للغياب، حيث ابتعدت عن ببلدي لأسباب لا داعي لذكرها الآن، لكنها ليست أسبابا سياسية وإنما اجتماعية، واقتلعت من جذوري وزرعت في بلد آخر حبيب، لكني لم استطع التجذر في البلد الذي عشت فيه، وعندما رجعت كانت الأرض غير صالحة للنمو، لكن استقبال الجمهور الرائع سواء في المجر أو الأوبرا المصرية جعلني أنسى سنوات الغياب وعوضني عن هذه الفترة.
بعيدا عن عملك الأخير يهمني أن أعرف من هم الأساتذة الذين أثروا فيك في البدايات وكانوا بمنزلة الشموع التي أضاءت لك المشوار؟
٭ الحقيقة أننى كنت محظوظا بوجود مجموعة من الأساتذة الذين أثروا في مشواري الفني، أولهم في مصر د.سمحة الخولي، فهي أستاذتي ومربيتي الفنية بجديتها وشدتها وغزارة علمها، ومنها تعلمت أشياء كثيرة ليس فقط في الموسيقى ولكن في الحياة والإدارة، وهناك أيضا د.مارثا روى درس الأميركية، ود.مارجيت توث المجرية، فمنهما تعلمت وعشقت التأليف الموسيقى، كما لا أنسى دور الأخوين رحباني وفيروز في تكويني، خاصة عاصي الرحباني.
كيف ترى حال الفن الأوركسترالية في الخليج، وهل هناك تشجيع ودعم من قبل المسؤولين؟
٭ الى الآن نحن في البدايات في هذه النوعية من الموسيقي الراقية، فالفن الأوركسترالية يحتاج الى مهارات معينة بجانب علم ودراية، علاوة على ان كتابة النوتة الأوركسترالية تحوي صعوبة مؤخرا انتشرت في الخليج تقليعة جديدة (موضة) بين الملحنين البسطاء يعتقدون أنه حين يقوم باعداد (وليس كتابة) لحن الكتروني ثم يعطي لأحدهم ليقوم بالتوزيع الموسيقي ومن ثم تسجيله، يتخيل ان ذلك عمل اوركسترالي وهذا غير صحيح، المؤلف الموسيقي يجب ان يؤلف من الاف الى الياء وليس بطريقة اللحن الغنائي الأمور لا تسير بهذه الطريقة وليس هذا المعنى الحقيقي للفن الأوركسترالي!
اما عن الشق الثاني من السؤال، بالفعل هناك دعم من قبل المسؤولين، وعلى رأسهم د.إبراهيم محمد جناحي الرئيس التنفيذي لـ «تمكين»، الا ان ذلك غير كاف فلابد للقائمين على الثقافة تشجيع الموسيقيين ودعمهم لتوسيع قاعدة الفن الاوركسترالي.