محمد بسام الحسيني
«إفراج مشروط» مسلسل بوليسي يلامس حدود «الرعب» في العديد من مشاهده، ويشكل تجربة للون جديد نسبيا بالنسبة الى الدراما التلفزيونية الخليجية.
يتطلب نجاح هذا النوع من المسلسلات عناصر كثيرة أهمها رفد القصة بمغامرات ومعلومات خفية، وخلق خطوط متشابكة فيها خطر وتهديد وغموض محير، وتوجيه «مضلِّل» نحو هوية الجاني، وموسيقى تصويرية خاصة للتأثير الدرامي وتزخيم الأجواء... بما يحبس أنفاس المشاهدين. وبالتزامن مع ذلك تقع على المخرج مسؤولية مواكبة النص بالمؤثرات وبتحريكات واستخدامات خاصة للعدسات والزوايا، وتحكم في الإضاءة وموسيقى تساهم في بث الإثارة والرعب، وتكثيف أدوات التشويق والمفاجأة للإبقاء على حالة توتر عالٍ شبيه بما يدور في روايات الكاتبة العظيمة أغاثا كريستي وأفلام المخرج الفريد هيتشكوك، وكذلك الكتّاب والمخرجون النجوم الذين لحقوهما في هذا الميدان.
لذا فإن الكاتب عبدالمحسن الروضان والمخرج عيسى ذياب يتصديان لمهمة صعبة وهي إقناع المشاهد في ظل محدودية الإمكانات الإنتاجية والتقنية. وقد أقدما على تنفيذ العمل بالشكل الذي نشاهده، والذي يبدو مشوقا وجميلا أحيانا، لاسيما في الجانب الخاص بمغامرة الفتيات الأربع والصعوبات التي تواجههن، وفقيرا في مواقع أخرى مثل قصص العودة بالذاكرة إلى الماضي إلى الشق الإنساني.. الواقعي منه، حيث نرى مشاهد أقرب للأعمال التجارية منها للفنية.
القصة والأحداث
محور القصة 4 فتيات نشأن في دار أيتام وهن: ملاك (هبة الدري)، مريم (فرح الصراف)، ميساء (زينب غازي)، ومرام (شهد الياسين). الدار أنشأها رجل الأعمال ابراهيم (خالد أمين) المحاط بمساعديه سامي (أحمد إيراج) ويعقوب (عبدالمحسن القفاص)، وكلف عالية (هدى الخطيب) بإدارته.
مع وقوع الغزو تنقل عالية الفتيات الأربع ليسكنَّ معها، ويتضح لنا أن مبررات اختيارهن ليست عشوائية، وإنما مرتبطة بقصة حياة إبراهيم وعلاقاته وتمتد آثارها للحاضر، حيث يواجهن مصيرا مشتركا.
ملاك ترتبط بالدكتور فارس (محمد العلوي) ونشاهدها برفقته في بداية المسلسل كما تربطها علاقة مع مهندس مصري أمجد (مصطفى محمود) رغم تذمر والدته. تدرك الفتيات ان ثمة سرا تخفيه عنهن عالية، فيوثقنها على كرسي مع تهديدها وتركها من دون ماء أو غذاء لتعترف بما تخفيه عنهن.
تعرف الشرطة بالموضوع فتلقي القبض عليهن لتبدأ التحقيقات التي يقودها المحقق عامر (عبدالله الزيد)، وبالتزامن مع التحقيقات يقتلُ شخص غامض عالية في المستشفى ليزيد من حالة الغموض والحيرة. عند نقل الفتيات من المخفر، حيث أجريت التحقيقات معهن إلى النيابة تتعرض سيارتهن لانقلاب فتتمكنَّ من الهروب بعدما اتصلت ملاك بأمجد وطلبت منه إحضار سيارته.
من خلال الـ «فلاش باك» نستعيد الظروف التي أحاطت بحياة الفتيات، فنستعيد قصص اهاليهن الموتى منهم ومن تبقوا على قيد الحياة وعادوا ليظهروا من جديد ومنهم يعقوب - مساعد إبراهيم- وفيصل العميري (والد ملاك).
ومع تطور الأحداث ونقل عالية إلى المستشفى نكتشف أن فارس على معرفة بها ليزيد الشك وتشابك الخيوط. وعندما تفارق الحياة تظن الفتيات ان موتها يدفن السر الذي تحمله معها، لكن يتبين لهن ان السر محفوظ في كتاب تركه ابراهيم في سرداب منزله، فتبدأ المغامرة والسباق إلى هذا الكتاب مع مساعده سامي الذي يعود للظهور فتلقي الفتيات القبض عليه. ومن خلال تصفح الكتاب تبدأ الأسرار بالتكشف تباعا في أجواء من الإثارة. لكن سامي يحذر الفتيات من أن الكتاب جاء من الهند وفيه قوة شريرة ويخبرهم كيف وصل ليد إبراهيم وتسبب بالكوارث!
ويسجل المسلسل حضورا للفنان القدير سعد الفرج بشخصية دعيج المصلاح الذي يفتتحه بجملة مؤثرة: «كل لعبة ينقال لها بس.. الا لعبة الوهم ان دشيت فيها ما تطلع منها إلا بافراج مشروط». والمصلاح رجل قوي يتقرب من علية المجتمع يعارض هو وزوجته زواج ابنه إبراهيم من عذاري ابنة خزنة الخياطة ووالدة ملاك فيتزوجها إبراهيم بالسر وهي إحدى قصص الماضي التي تعطينا فكرة عما كان يدور وما هو مدون في الكتاب، وتشكّل خطوة على طريق إكمال حلّ لغز أصل الفتيات.
السيناريو
أولا، على مستوى فكرة العمل لابد أن نلفت الى نقطتين جيدتين في القصة إحداهما تطرقها لمصير مجموعة أطفال أيتام في حالة حرب كالتي واجهتها الكويت والأبعاد الإنسانية لهذا الموضوع، والأخرى هي إعطاء المسلسل بعدا تاريخيا خاصا من خلال مزامنة أحداثه مع أحداث مهمة شهدتها البلاد في نهاية الثمانينيات كخطف الطائرات ومن ثم الغزو وتأثيره على الأسر والمجتمع، وأخرى عايشتها مصر كأحداث 25 يناير 2011 بعد بداية الربيع العربي.
ثانيا، على مستوى المحتوى البوليسي للنص وعناصر الرعب يبدو واضحا ان مهمة الكاتب لم تكن سهلة بسبب التنقل المكثف للشخصيات بين الماضي والحاضر، وتكرار استخدام الاسترجاع ما يضعف عادة الترابط بين الوقائع، فتتحول الإثارة لدى المشاهد الى ارتباك وفقدان القدرة على ضبط إيقاع الأحداث في ذاكرته.
رغم ذلك يحاول الروضان أن يقدم سيناريو متماسكا ليقلل هذا الارتباك الى حدوده الدنيا عبر إثرائه بالمؤشرات الدالة التي تسهل على المشاهد الإحاطة بما يدور، ونجح للأمانة في خلق جو من الإثارة الحقيقية ومساعدة المشاهد على الإلمام بتفاصيل ما يجري، ولكن تبقى هناك ملاحظات عديدة على النص أبرزها لجوؤه الى رمز مستَهلك في هذا النوع من القصص وهو الكتاب، ما جعل بعض المشاهدين والنقاد يعتبرون أن القصة مقتبسة من أعمال أخرى، الأمر الذي كان بالإمكان تفاديه بسهولة عبر اختيار أي وسيلة رمزية أخرى.
ويلاحظ أيضاً أن الحوارات في العمل متفاوتة، وفي بعض مشاهد الـ«فلاش باك» تسودها النمطية والتكرار أحيانا. كما يبدو الفرق واضحا بين العناية بمضمون القصة البوليسية من جهة، وقلة الاهتمام بتفاصيل القصص الإنسانية الأخرى الموازية لها.
الإخراج
يبذل المخرج عيسى ذياب - مسلحا بثقافة واضحة في هذا المجال - جهدا في خلق البيئة المناسبة للإثارة والرعب، حيث صُوّرت غالبية أحداث القصة الأساسية في أماكن مهجورة وسراديب معتمة تسودها الهلاوس والأخيلة والظلال، وفي المخفر والمستشفى وعموم الأماكن المرتبطة بعالم الجريمة. كما تلاحق الكاميرا الشخصيات بعين خاصة تجعلها أكثر هذيانية وانفعالا وتأثرا وإفزاعا في المواقف الحساسة واللحظات الحرجة.
يسجل على أجواء التحقيقات أنها أقرب للصورة النمطية الغربية من الحالة العربية، حيث تعيدنا حركات المحققين وحتى طريقة جلوسهم للصور النمطية في الأفلام الهوليوودية. كما أن بعض مشاهد الخطف تتسم بالبساطة المفرطة. ومثل ما يؤخذ على النص، يؤخذ على الإخراج العناية بالمشاهد المتعلقة بمسار أحداث مغامرة الفتيات أكثر من غيرها كمشاهد الـ«فلاش باك» التي جاءت أقل نوعية واكثر فقرا في التنفيذ والديكور والإنتاج.
ورغم كل الملاحظات على العمل التي تمتد أيضا إلى الماكياج وأحيانا الموسيقى التصويرية المتفاوتة في تأثيرها لابد من التنويه إلى أن عيسى ذياب مخرج عصري تجديدي يبث حيوية ودماء جديدة في هذا المجال. وكما في مسلسل «روتين» العام الماضي يشارك ذياب في الظهور كممثل في عمله.
التمثيل
تمثيليا، يفرض الفنان القدير سعد الفرج حضوره بطريقة أدائه المميزة وهيبته التي تشكل إضافة مهمة للعمل، كما تسجل الفنانة هدى الخطيب ظهورا مميزا بدور جريء، إضافة إلى التألق الواضح للممثل محمد العلوي الذي يتقمص شخصية مناسبة بـ «لوك» جذاب وأداء متزن تلقائي ومقنع ودور بطولة مستحق.
أما النجم خالد أمين فليس في أفضل حالاته ولا يقدّم جديدا في العمل بل مجرد ظهور روتيني مع ماكياج تقليدي غير موفق، وكذلك عبدالمحسن القفاص الذي يظهر بماكياج سيئ عند تقدمه في السن، أما أحمد إيراج فلم يقدم التفاعل المطلوب خلال مغامرة احتجازه «غير المقنع في الشكل» من قِبل الفتيات.. ومشاهد تملقه لسيده إبراهيم في بداية المسلسل كانت تقليدية جدا.
أما الرباعي هبة الدري (الفائزة بشعلة «الأنباء» العام الماضي) وفرح الصراف وزينب غازي وشهد الياسين، فيشكلن مجموعة أنثوية لكن بروح عصابية تضفي رونقا جميلا وهي تجربة جديدة من حيث لون العمل، وتمثل إضافة وتجربة جديدة في مسيرة كل منهن.
في النهاية يبقى هذا النوع من الأعمال أقرب للنجاح في حالة الفيلم منها في المسلسل للأسباب التي سبق وأشرنا إليها ومنها ذاكرة المشاهد، لكن يحسب لفريق «إفراج مشروط» تقديمهم عملا بلون جديد وبصمة مختلفة هذا الموسم تستحق النظر إليها من زوايا غير تقليدية وتضيف رونقا للمنافسة الدرامية في رمضان.
اقرا ايضا