عبدالحميد الخطيب
انتقل إلى رحمة الله صباح امس الفنان القدير سليمان الياسين بعد مسيرة حافلة بالأعمال الخالدة في شتى مجالات الفن.
وكان الفنان الراحل قد دخل خلال الايام القليلة الماضية الى العناية المركزة بالمستشفى الأميري عقب تعرّضه لوعكة صحية شديدة تسببت في إصابته بجلطة.
ويعد الياسين واحدًا من أعمدة الحركة الفنية والمسرحية الكويتية، كما يتميز بشخصيته الهادئة، ويمتلك في رصيده عددًا كبيرًا من الأعمال المتنوعة.
ودرس الفنان الراحل في كلية الآداب والفنون في جامعة باريس بفرنسا، وحصل على ليسانس من معهد بوليتكنيك للفنون السينمائية.
وكانت بداية مسيرة الياسين الفنية عام 1968، من خلال السهرة التلفزيونية «الصراع»، وبعدها انتقل للعمل في المسرح لفترة.
ومن أبرز أعماله المسرحية «الواوي، مجنون سوسو، وخر لا يعاديك»، ليعود بعدها للدراما التلفزيونية ليشارك في العديد من الأعمال، ومن أبرز أعماله «خوات دنيا، غريب، الشمس تشرق مرتين، بيت تسكنه سمره، اجندة».
تتقدم «فنون الأنباء» بأحر التعازي والمواساة إلى أسرة الفنان القدير الراحل سليمان الياسين، سائلين المولى عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويدخله فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
(إنا لله وإنا إليه راجعون)
..ورحل سليمان ياسين
وهكذا يغيب الموت زميلا آخر من رفاق الدرب ليلحق بنخبة من زملائه الذين سبقوه، ويفقد فن المسرح ممثلا كبيرا من درجة عالية من الثقافة، وقد عرف عنه شغفه بالمسرح وبالفنون الدرامية منذ صباه المبكر عندما زامل المرحوم فؤاد الشطي في المسرح المدرسي، انضم فؤاد ـ رحمه الله ـ للمسرح العربي ونصح زميله سليمان بالانضمام لفرقة مسرح الخليج، وهكذا نعمنا بصحبته وصداقته وثقافته وفنه.
ولقد لعب ادوارا صعبة وادوارا خفيفة وأدى بامتياز كل ما أسند إليه.
ومن منّا لا يتذكر دوره في «حفلة على الخازوق» وفي «مجنون سوسو» وسوى ذلك من الأعمال التي أداها في فرقة مسرح الخليج العربي، ثم ذلك الدور الذي لا ينسى في «رحلة حنظلة» مع رفيق دربه وصديقه الحميم الراحل فؤاد الشطي.
رحم الله صديقنا وزميلنا سليمان ياسين ـ بو كنان ـ وعزاؤنا الحار لأهله وزملائه وللأسرة الفنية في الكويت.
فقدت معلماً كبيراً
لا توجد قسوة أكثر من أن نسمع خبر وفاة من نحبهم، فيكون الخبر صدمة كبيرة لنا تؤثر في حياتنا، لا نستطيع أن نعود كما كنا من قبل، ولا تبدو لنا الحياة بنفس بهجتها ورونقها، صحيح ان الموت حق على كل إنسان في الحياة إلا أنه مفجع ويترك ألما لا يمحى مع الزمن، وليس أمامنا إلا أن نسلم بإرادة الذي خلق الإنسان وعلمه البيان.
اليوم فقدت معلما كبيرا وفنانا عبقريا متمرسا، وقدوة حسنة، أسس وأرسى قواعد فنية وأخلاقية أثرت في حياتي ومسيرتي بصفة خاصة، فنان صادق صال وجال أمام الكاميرا وعلى خشبة المسرح وخلف ميكروفون الإذاعة، فحصل على جوائز مهمة من لجان التحكيم، إلا أن الجائزة الكبرى كانت حب واحترام الجماهير له، ليس على مستوى الكويت فحسب، بل على المستويين الخليجي والعربي.
ويكفي أنه من أوائل الذين حصلوا على جائزة الدولة التشجيعية عام 1989 عن دوره في مسرحية «القضية خارج الملف» إخراج الأستاذ الكبير فؤاد الشطي.
اليوم فقدت الفنان الكبير سلمان ياسين (بوسارة) الذي كان بالنسبة لي أهم المراجع الفنية، ومصدر بهجة وراحة نفسية، فعندما كنت أراه في المساء وأتسامر معه في ديوانية المسرح العربي - مكانه المفضل - تطيب لي الأمسية كلها لأن في حديثه، أيا كان وفي أي مجال، فائدة لي أقلها تبادل الابتسامات والضحكات الصافية من موقف أو حدث ما، تصفو به القلوب وتهنأ ببعضها ودا وحبا.
في ذاكرتي حكايات كثيرة لم يكن أبدا بينها فراق (بوسارة)، الآن أتألم جدا، وأبكي بلا صوت، وسيظل في ذاكرتي هو وتلك الحكايات، أتلوها على قلبي كل مساء، فأدعو له بالرحمة، ولابنتيه سارة وماجدة وأهله الكرام ولي ولكم بالصبر وحسن العزاء، ألا ما أهون الحياة.
فنان استثنائي..
لم يكن الفنان الكويتي الصديق الراحل سليمان الياسين ـ رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه ـ إلا ابن عصره الذهبي الذي تقاطع فيه الفكر بالوعي المجتمعي، بالفنون في أبهى منعطفاتها الإبداعية، بالثقافة في تجلياتها النوعية المؤثرة، بالمنطلقات الثورية التمردية الخلاقة في سبعينيات القرن الماضي، بالفضاءات الرؤيوية الاكتشافية المتجددة حتى زمن آخر، لم يكن هذا الفنان إلا ليكون في بؤرة الخلق والإبداع أينما اتجهت وارتحلت بوصلتها، فهو الفنان الاستثنائي الذي اشتبكت وتقاطعت رؤاه مع رموز الفكر والإبداع الاستثنائيين في الكويت إبان السبعينيات وحتى آخر رمق في حياته، وكان حينها مسرح الخليج العربي بيئة التكوين والانطلاق والتأسيس والوعي المغاير في الكويت، حيث المسرح ترجمة لوعي ثقافي مستنير متعدد الاهتمامات والمشارب، إذ كان أغلب من ينتمي لهذا المسرح هم من تأسست رؤاهم من خلال أنواع أدبية وثقافية عدة، في القصة القصيرة والرواية والفكر والبحث بجانب الفنون المتعددة في حقول الدراما والسينما والتشكيل، وكان المسرح حينها بيئة لاستقطاب أهل الرأي المستنير في الكويت وخارجها، والذين معهم وبهم نضجت الرؤية وتماسكت وتمكنت من أن تهيئ لانطلاق رافد ثقافي نوعي في الكويت له وهجه المضيء وفعله التغييري المؤثر.
في هذه الهالة النورانية السبعينية يتشكل ضوء الفنان سليمان الياسين اليافع فكرا ورؤية حتى آخر لحظة من حياته، ليضفي وهجه الخلاق على هذه الهالة، وليصبح واحدا من أهم الممثلين في فرقة مسرح الخليج العربي، بل في الكويت والخليج العربي، ولينتزع من خلال أدواره النوعية التي قام بأدائها في أغلب المسرحيات التي أخرجها الفنان المبدع المخرج الراحل صقر الرشود وكتبها المؤلف الباحث المبدع عبدالعزيز السريع أنعم الله عليه بالصحة والعافية وطول العمر، والمؤلف العربي الراحل محفوظ عبدالرحمن، والمؤلف العربي الراحل سعد الله ونوس وخاصة في مسرحيته رحلة حنظلة التي أخرجها الفنان الراحل فؤاد الشطي، لينتزع شخصية الممثل النوعي بامتياز، والتي تمكن من أن يلفت من خلالها أنظار النقاد والفنانين والمثقفين العرب وليس الكويتيين أو الخليجيين فحسب.