لطالما لعبت هوليوود دور كاتب التاريخ الحديث، أو إذا شئنا الدقة، كاتب التاريخ من جديد، وذلك عن طريق الرسائل المرسلة والتي يستقبلها اللاوعي فيما يسمى «subliminal messages» أو «الرسائل المموهة»، والتي تعمل على تشكيل لاوعي الإنسان بشكل غير مباشر، فتترسخ في عقله أفكار ومبادئ مصنوعة خصوصا لخدمة كيانات أو أجندات معينة، لذا ترسخت صورة الهنود الحمر في أفلام هوليوود بشكل كاريكاتيري ساخر تضعهم في إطار الهمج أو في إطار الشخصية الصامتة الغبية التي لا تفقه الإنجليزية ولا يمكنها التعامل مع البشر، وهي العملية التي ساعدت على إقناع المشاهد بفكرة التضحية بهم من أجل ولادة الثقافة الأميركية الحالية، لينتهي الأمر بإمكانية السينما على مدار العديد من القرون من تحقيق القبول الاجتماعي الدولي حول قضية تصفية الهنود الحمر من أجل الحلم الأميركي.. كان لفيلم القيامة «apocalypto» للمخرج والنجم ميل غيبسون الدور الأكبر في التبرير الأخلاقي لإبادة شعوب الآزتك والمايا في أميركا الوسطى، حيث بدأ الفيلم بعبارة ظهرت على الشاشة، تقول «الأمم العظيمة لا يمكن أن تقهرها قوة خارجية إلا إذا كان الفساد ينخر بها من الداخل»، وكان الفيلم يدور ما بين صراعات دموية شرسة انتهت بوصول سفن المستوطن الأوروبي الى تلك الأراضي.. نلاحظ هنا أن صناع العمل كان لديهم أجندة خاصة يريدون توصيل رسائل ضمنية الى وعي المتلقي وبها يتم التلاعب بعقول أكبر عدد من الجماهير.
في البداية كان الغرض من السينما هو صنع مادة إبهار سحرية بدأت مع الفرنسي جورج ميلياس الذي كان يعمل في مجال الخدع البصرية كساحر، حيث اكتشف بالصدفة خدعة التوقف والاستبدال سنة 1896 ومنذ ذلك الحين أبدع ميلياس في استخدام الخدع البصرية باستخدام الكاميرا الخشبية، وأضاف لمسته الخاصة على ألعاب السحر التي كان يطمح الى تطويرها لجذب أكبر عدد من المشاهدين لمسرحه الخاص، مع تطور تقنيات التصوير والتقدم في صناعة السينما أو بمعنى أدق صناعة الصور المتحركة مع ظهور السينما الناطقة، هذا التطور الذي خرج من نطاق خدع التصوير الى تطور أنواع الكاميرات ومقاساتها وصولا الى تقنية الـ 4K والأبعاد الثلاثية وتطور دور العرض، جعل من السينما مادة إعلامية مؤثرة وليست مجرد مادة ترفيهية.. وهنا يكمن السؤال: هل هذه المادة الاعلامية تشكل خطرا على وعي الإنسان وإدراكه؟ والإجابة هي «نعم ولا» في نفس الوقت، نعم اذا كانت المادة الإعلامية والرسالة المرجوة من صناعة الفيلم صادقة دون وجود أهواء شخصية للقائمين على العمل الفني، ولا اذا كان هناك هوى شخصي ورسائل زائفة خلف هذا العمل ففي هذه الحالة قد يتحول الحق الى باطل والخير الى شر، فبمقدور السينما تغيير ثقافة شعوب بأكملها بما فيها من تنوع وخلق حالة من الجدل الشديد بين المجتمعات مما قد يؤدي الى خلق صراعات فردية في المجتمع الواحد.
ان كتاب الأفلام يدافعون عن أجنداتهم الخاصة بشكل أو بآخر، هناك مثلا «الرجل الوطواط، الرجل العنكبوت، وكذلك «هاري بوتر»، اجتمعت فيهم صفة اليتم، إنها خدع بسيطة يقوم بها مؤلفو السيناريوهات وقصص الأفلام، ربما لا يعطيها الجمهور ذلك الاهتمام، إلا أن الجمهور يحضر الى المسرح أو الفيلم في صالات العرض، ويخرج بوجهة نظر جديدة تختلف عن وجهة نظره قبل مشاهدة الفيلم، ربما يكون تأثير ذلك التغيير طفيفا، إلا أننا إذا أمعنا النظر، فسنجد أنه من الممكن مشاهدة مئات الأفلام في السنة قد احتوت معظمها على تلك الخدع الخفية، ألا تعتقد أن ذلك سيسيطر على عقلك في نهاية المطاف؟!