بيروت - بولين فاضل
كثيرون قالوا ما قالوه في التكريم الماكروني لفيروز الرمز والحلم والوطن، لكن أن يقول رحباني من العائلة ما يجب أن يقال في دلالات الزيارة وأبعادها، فأمر يستحق القراءة.
أسامة الرحباني، الابن الأصغر للراحل منصور الرحباني، والذي عايش عبقرية والده خمسا وأربعين سنة، له تقييمه الخاص للزيارة الحدث، وهو ينطلق من واقع ان فرنسا وكونها بلد الفكر والفلسفة والأدب وبلد الشعراء والعظماء كان من البديهي أن تلتفت إلى عظيمة من لبنان بهدف التكريم، قائلا: فيروز هي شحنة فكرية وتكريس للحلم الرحباني، وهي اليوم أهم رمز يجسد بقاء لبنان الوطن حتى انها أكبر من الوطن.
وإذا كان البعض يربط فيروز بقهوة الصباح وينظر إلى أغنياتها بكونها رفيقة الصباحات فحسب، فإن أسامة يحزن لحصرها من قبل هذا البعض في لحظوية الصباح، ويؤكد أن حضورها ينسحب على النهار والليل بكل فتراتهما، والأجمل كما يقول أن فنها أو بالأحرى الإرث الرحباني لايزال حيا ومتوقدا كالشمس، ومع مرور الزمن يزداد جمالا ويترسخ بقاء وخلودا، وهذا يعود لصدق عاصي ومنصور وفيروز وحقيقتهم ودخولهم بيوت الناس وتبينهم عاداتهم وتراثهم.
أسامة وفي حديث لمحطة MTV رفض تشبيه فيروز بأي فنانة أخرى لأن المطربين شيء وفيروز شيء آخر، واصفا إياها بالحالة الفريدة والصوت العجائبي، على الرغم من أن صاحبة هذا الصوت إنسانة عادية مثلها مثل كل الناس تتألم وتحزن ولها مشاكلها، لكنها تحسن إخفاءها ليبقى الوجه الرمز بهالته وغموضه.
وأسامة الرحباني، الذي رصد تفاصيل استقبال السيدة فيروز للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في منزلها بالرابية، لا يجد ما يمكن ان يضاهي أو يفوق جمال استقبال كهذا، متوقفا عند عباءة فيروز التي تشبه طبيعتها وبساطتها، وعند الدفء الذي يسكن المنزل بزحمة أشيائه اللبنانية وجمالها.
وفي قراءة للملامح الفيروزية، يقول أسامة إن وجه فيروز كوجه قلائل كبار مثل عاصي ومنصور الرحباني وسعيد عقل فيه من جمال الأرض والأرز والسنديان، مضيفا: «في ناس غير عن الكل». ويرى ان في وجه فيروز كما في أغنياتها جمال لبنان بفصوله وطقسه وجبله وبحره واختزالا للأرض والعاطفة والشعر وكل ما هو عظيم.
ويعتبر أن جانبا من عظمة فيروز يكمن في عزلتها والتزامها الروحاني الذي مضت فيه حتى الذروة، مثنيا على الرهبة التي تحيط بها في عيون الناس، وهي رهبة كان يشعر بها وهو صغير تجاه ثلاثة في العائلة هم عاصي ومنصور وفيروز، ويقول: أذكر جيدا تلك الرهبة حين كنا صغارا، أذكرها حين كنت ألمح والدي قادما من بعيد في أول الشارع وحين كانت والدتي تخبرني بأني سأتناول معه العشاء، صحيح ان هؤلاء الثلاثة كانوا يمثلون العائلة بالنسبة إلينا، لكنهم كانوا أشبه بالأساطير الحية القائمة بيننا و«كبار كتير علينا»، حتى انهم علمونا كيف نتصرف كأولاد في المجتمع أو في الحفلات حين نظهر معهم، وبالتالي الصورة التي رسمناها لهم هي صورتهم كأقانيم ثلاثة ذابت في بعضها لتشكل مدرسة رحبانية أعقبت المدرسة المصرية، وهذه الصورة نحتاجها كوننا نقتفي السبيل الرحبانية نفسها ونتابعها ومجندين من أجلها.