- تكبيل شركات القطاع النفطي رقابياً وتشريعياً يعوق عملها وسرعتها في اتخاذ القرار وشراء المواد
- إعادة الهيكلة تستهدف القيادات فقط ولكن السواد الأعظم في الموظفين.. ويستحيل تقليصهم أو تخفيضهم
أحمد مغربي
ما إن كشفت مؤسسة البترول الكويتية عن بدء دراسة دمج وإعادة هيكلة القطاع النفطي من قبل المستشار الفني العالمي وتشكيل فريق عمل لمشروع إعادة الهيكلة الشاملة، والحديث لم ينقطع في الشركات والنقابات النفطية والخبراء المهتمين بهموم صناعة النفط المحلية حول جدوى ومخاطر الهيكلة الجديدة خصوصا مع كيان عملاق كالقطاع النفطي وبأصول ضخمة تتجاوز عتبة 45 مليار دينار وهيكل وظيفي متضخم يتجاوز 24 ألف موظف وتحديات اقتصادية حالية ومستقبلية يواجهها القطاع نتجت عن انخفاضات أسعار النفط وجائحة كورونا.
ورغم اتكاء «مؤسسة البترول» على ضرورة حسم ملف هيكلة القطاع النفطي بغية تقنين المصروفات والتكامل بين الشركات النفطية ليصبح القطاع النفطي «مرنا ومتكاملا»، إلا ان الخطوة كما يراها البعض محفوفة بالمخاطر في تعديل هيكل القطاع النفطي وتحويله إلى كيان حكومي تسيطر عليه البيروقراطية والدورة المستندية الطويلة في حال انحراف المرسوم بقانون الذي يحدد الهيكل التنظيمي الجديد نتيجة التدخلات التشريعية، وهو الأمر الذي يجعل مقولة «الجود من الموجود» لسان حال العديد من المسؤولين في القطاع النفطي.
وتتعدد التصورات لهيكلة القطاع النفطي والتي تم رصدها على مدار السنوات الماضية في خفض عدد الشركات العاملة إلى النصف من 8 إلى 4 شركات فقط، فضلا عن تحويل مؤسسة البترول الكويتية الى شركة تجارية بمجلس إدارة واحد ينضوي أسفل منه قطاعات تشمل الإنتاج والتكرير والبتروكيماويات والإنتاج والتكرير الخارجي والتسويق العالمي والناقلات مع إلغاء هياكل الشركات ومجالس الإدارات الحالية، وقد يكون هذا النموذج هو الأقرب للتنفيذ لجدواه الاقتصادية وفوائده في سرعة اتخاذ القرار ومزايا عديده نرصدها لاحقا.
إلا أن خبراء نفط ومسؤولين شددوا لـ «الأنباء» على عدم الاستعجال في اتخاذ القرار ودراسته بعد البحث والتدقيق من قيادات الإدارة التنفيذية في «البترول» مرورا بمجلس إدارة المؤسسة ومن ثم المجلس الأعلى للبترول باعتباره السلطة الأعلى في اتخاذ القرار ورسم السياسة النفطية في البلاد، ونرصد في التالي المخاطر والمنافع من الدمج:
مرونة الأعمال في الشركات
وفقا لهيكل الشركات النفطية التابعة لمؤسسة البترول الكويتية فإنها تتمتع بمرونة كبيرة في أعمالها، من خلال مجلس إدارة يتمتع بالحوكمة الكبيرة والسرعة في اتخاذ القرار والعمل على مبدأ الربحية للشركات، فضلا عن مزايا آخرها في استثناء الشركات من الرقابة السابقة من الجهات الرقابية، وهو الأمر الذي يسرع من أعمالها، وعدم خضوعها لجهاز المراقبين الماليين، علما ان المدة الزمنية الحالية لصرف الفاتورة في القطاع النفطي تبلغ شهرا، وفي حال تغيرت الإجراءات الرقابية فإن صرف الفاتورة قد تأخذ عدة أشهر، وذلك بعد موافقة ديوان المحاسبة، وفقا للمصادر.
هيكل إداري متضخم
تعد إحدى السلبيات التي تعاني منها الشركات النفطية في تضخم هياكلها الإدارية بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وذلك في ظل الضغوط الكبيرة لاستيعاب أكبر عدد من الخريجين للعمل في الشركات النفطية بفضل المزايا المالية والاستقرار الوظيفي، حيث يعد القطاع النفطي من القطاعات الجاذبة للعمالة الوطنية عن غيرها من الوزارات والهيئات في الدولة، ووفقا لآخر إحصائيات العمالة في النفط، فان عدد الموظفين سيبلغ 25 ألف موظف بحلول 2022.
عدم عدالة في رواتب القياديين
قد تكون من إحدى المشاكل التي تواجه الشركات النفطية هو عدم العدالة في رواتب القياديين في الشركات النفطية، وذلك على مستوى الرؤساء التنفيذين ونوابهم، فهل يعقل راتب الرئيس التنفيذي في شركتي نفط الكويت والبترول الوطنية يتساوى مع شركة البترول العالمية وناقلات النفط؟ مع اختلاف المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقهم، ولعل إعادة الهيكلة والدمج ستأخذ ذلك الأمر بالحسبان.
التوفير في المناصب العليا فقط!
وفقا للرؤية الحالية المتمثلة في دمج الشركات النفطية في 4 كيانات فقط عوضا عن 8 فإن التوفير سيكون في قمة الهرم فقط، وذلك على مستوى الرؤساء التنفيذيين، بينما سنرى زيادة كبيرة على مستوى نواب الرئيس التنفيذي/ نائب العضو المنتدب والمديرين ورؤساء الفرق والموظفين، فقاعدة تقليص الوظائف ودمجها قد تكون صعبة المنال، لاسيما ان الوفر سيكون في رأس الهرم فقط وليس في قاعدته وهو السواد الأكبر من الموظفين.
انحراف مرسوم الدمج وإعادة الهيكلة
قد تكون من المخاوف الكبيرة التي يخشى القياديون في القطاع النفطي من الوقوع فيها وهو انحراف مرسوم قانون تأسيس مؤسسة البترول الكويتية وشركاتها التابعة، وذلك نتيجة التدخلات الكبيرة التي قد تحدث من قبل أعضاء مجلس الأمة ولجانه في ضرورة وجود رقابة (سابقة ولاحقة) على الكيان الجديد وآلية خاصة في التعامل مع المناقصات وحذف أي استثناءات تحصل عليها الشركات النفطية دون غيرها من الوزارات والهيئات الحكومية.
إن تعدد الجهات الرقابية التي تدقق على أعمال الجهاز الحكومي تسهم في تحقيق أنظمة الضبط والحوكمة.
ولكن من جانب آخر، يترتب عليها تأخر الدورة المستندية لتنفيذ المشاريع الحيوية وإبرام عقود الخدمات، ولو طبقت مثل هذه الممارسات على القطاع النفطي في هيكله الجديد لأفقده مبتغاه من جعله مرنا وسريعا في تنفيذ استراتيجيته.
ومن هنا يظهر التساؤل: هل تضمن مؤسسة البترول الكويتية ان يصدر قانون مرسوم إعادة هيكلة كما تخطط؟، أم ستكون هناك تدخلات وتعديلات تنسف مبدأ إعادة الهيكلة في ظل وجود مجلس أمة يتوجس خيفة من إطلاق العنان للحكومة في اتخاذ هذه الإصلاحات تحاشيا للدخول في مواجهة مع النقابات العمالية أو معارضة الرأي العام.
الرقابة السابقة واللاحقة
وفقا لطبيعة عمل الشركات النفطية فإن رقابة ديوان المحاسبة عليها تكون لاحقة أي بعد تنفيذ العقود والأعمال، ويستثنى من ذلك المبنى الإداري لمؤسسة البترول الكويتية، حيث يخضع للرقابة السابقة، وفي حال تغير هذا النموذج من الأعمال سيكون وضع الشركات النفطية صعبا جدا في تنفيذ بعض العقود والأعمال الضرورية الطارئة التي تفرضها طبيعة العمل في الحقول والمنشآت النفطية التي تتطلب في بعض الأحيان شراء بالأمر المباشر وطلبات مستعجلة.
التكنولوجيا والعمل عن بُعد
فرضت جائحة «كورونا» متغيرات كبيرة على آلية العمل في القطاعات الاقتصادية وأصبح العمل عن بعد هو السمة الأبرز حاليا، ولكن في قطاع تشغيلي مثل القطاع النفطي يصعب معه التحول إلى هذا النمط باستثناء الوظائف الإدارية، وبالتالي فإن مبدأ التوفير في الوظائف قد يكون من المستحيل تنفيذه في القطاع النفطي، ولكن هناك عقبات كبيرة تواجه القطاع النفطي مستقبلا وهو التوسع في استخدام الروبوت والآلة في المنشآت النفطية وهو الأمر الذي سيخفض من كلفة التوظيف في الشركات نظير التوسع في استخدام الرقمنة والتكنولوجيا.