طارق عرابي
أكد خبيران اقتصاديان ضرورة تلافي أخطاء الماضي والعمل بجد نحو اتخاذ القرار السليم قبل فوات الأوان، فالفرصة مازالت أمامنا رغم أننا تأخرنا كثيرا إلا أن الوقت لم يفت بعد، فالبلد لديها ما يكفي من موارد ورؤى لأن تكون أفضل مما كانت.
وأضافا خلال الندوة الافتراضية التي نظمتها الجمعية العلمية الكويتية تحت عنوان «نحو مستقبل اقتصادي مستدام»، أنه لو استمرت إدارة الدولة على نفس العقلية والمنهجية السابقة، فإن الكويت ستواجه كارثة حقيقية، خاصة أنها تعتمد على اقتصاد غير مستدام وعلى مصدر دخل أحادي ناضب.
وفي بداية الندوة، قال الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة شركة الشال للاستشارات الاقتصادية جاسم السعدون، إن الاقتصاد الكويتي يعتبر من الاقتصادات الاستثنائية التي تعاني من «الورم»، ذلك أن مثل هذه الاقتصادات تعتمد على استهلاك ثروة النفط وصرفها.
واستعرض السعدون أداء الاقتصاد الكويتي خلال السنوات العشرين الأخيرة (2000-2020)، مبينا أن نمو الاقتصاد الكويتي خلال هذه الفترة كان بمعدل 5.4% كمعدل نمو سنوي مركب، في حين كان نمو النفقات العامة بمعدل ضعف نمو الاقتصاد، حيث ارتفعت النفقات العامة من 37% في 2000 إلى 65% في 2020، فيما ارتفع ميزان العمالة من 233 إلى 440 ألف عامل خلال نفس تلك الفترة، ما يعني أن الاقتصاد يستوعب عمالة أكثر من نصفها «بطالة مقنعة»، لكن إن استمرت النفقات العامة بنفس المعدل فإنها ستصبح بحجم الاقتصاد وهذا ما يجعل الاقتصاد غير مستدام.
وأضاف ان الاقتصاد غير المستدام هو الذي ينمو بمنشطات وليس من خلال نمو حقيقي، كما أن العمالة المواطنة مازالت ترتفع بشكل كبير، ومازلنا نستوعبها ما دام دخل النفط قادر على استيعابها، أما إذا انقطع النفط فكل شيء سيصبح غير مستدام.
ولفت إلى أن الاقتصاد الكويتي ليس مشوها على الصعيد الداخلي فحسب، وإنما حتى لو قارناه بالدول النفطية المجاورة لوجدنا أنه كان يشكل في العام 2000 نحو 10% من اقتصاد دول المجلس، وفي 2020 أصبح الاقتصاد القطري يعادل مرة وثلث الاقتصاد الكويتي، وهو ما يعني أن الدول الخليجية تنبهت وبدأت تعمل على تنويع اقتصادها.
وقال انه لو تنبهت الكويت في العام 2000 إلى أن اقتصادها استثنائي وقامت بضبط نمو النفقات العامة، لاستمر نمو الاقتصاد بنفس المعدلات في وقتنا الحالي، مشيرا إلى ان النفقات العامة كانت بحدود 37 مليار دولار في 2000 وكان حجم الإنفاق العام 14 مليار دولار، ولو حافظنا على نفس معدلات النمو لكان حجم النفقات اليوم 27.5 مليار دولار بدلا من 70 مليار دولار. وأضاف السعدون أنه لو استمرت الكويت على ما هي عليه، فستخسر في 2030 من حجم صندوق الأجيال القادمة 340 مليار دولار ويتبقى فيه 200 مليار، وبالتالي فإن مصيره سيكون مصير الاحتياطي العام. أما لو استمرت أسعار النفط خلال السنوات الـ 10 المقبلة بمعدل 60 دولارا فإن الصندوق السيادي سيخلو بحلول 2029.
تضخيم الإنفاق
بدوره، أكد أستاذ الاقتصاد بكلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت والخبير الاقتصادي د.عباس المجرن، أن إجمالي الميزانية العامة للكويت في 2000 كان بحدود 3 مليارات دينار تقريبا، وكان إجمالي الأجور والمرتبات لا يتجاوز المليار دولار، وبعد ذلك تم تضخيم معدلات الإنفاق في الوقت الذي تزايدت فيه الإيرادات وإن كانت النفقات العامة تزيد بنسبة 21% سنويا خلال الفترة من 2000 وحتى 2014، بينما كانت الإيرادات تتزايد 15% تزامنا مع الارتفاع بأسعار النفط.
وأضاف أن مشكلة المالية العامة في الكويت هي أننا لا نعي العلاقة الطردية بين تضخم أجهزة وإدارات الدولة والبيروقراطية التي تؤدي إلى هذا التضخم، فالبيروقراطيون هم الذين يحددون حجم الميزانية التي تتضخم دون ان تتجه النفقات إلى تعظيم الإنتاج وتحسينه.
وتابع المجرن يقول ان الهدر في النفقات العامة بالكويت مرتفع بشكل كبير مقارنة بباقي دول مجلس التعاون، فنسبة الإنفاق العام إلى الناتج المحلي في دول المجلس تتراوح بين 20 و30%، بينما تصل النسبة في الكويت إلى 50%، فالناتج المحلي بالكويت بحدود 40 مليار دينار، والميزانية بحدود 22 مليار دينار، علما ان الإنفاق المرتفع يجب أن يصاحبه تحسن في مستوى جودة الحياة بشكل عام، وهو امر غير موجود بالكويت.
وقال ان تنويع مصادر الدخل هو الحل الأفضل، مؤكدا أن تجارب الدول الأخرى النامية تشكل حلا مناسبا بالنسبة للكويت، فهناك تجارب خليجية ناجحة يمكن الاقتباس من بعضها وليس نسخها، ناهيك عن تجارب نامية مثل ماليزيا وشيلي وبيتسوانا وغيرها من الدول التي كانت تعتمد على مصدر ريعي وتحولت إلى مصادر أخرى حققت نموا في الناتج المحلي.
واختتم المجرن بالقول ان الكويت تواجه اليوم مشكلة مالية تتطلب معالجة استثنائية سريعة وعاجلة، خاصة أن صندوق الاحتياطي العام شارفت موجوداته على الانتهاء، وأن جزءا من توفير السيولة دفع الدولة إلى نقل الاستثمارات الجيدة إلى الهيئة العامة للاستثمار لتوفير سيولة مؤقتة، لذلك يجب أن يتم حسم الحل الآني قصير الأجل ومن ثم التوجه نحو الحلول المطروحة خاصة بعد تضخم مشكلات كان يمكن علاجها منذ البداية.
حلول لتنويع مصادر الدخل
طرح د.عباس المجرن حلولا عملية يمكن الاعتماد عليها لتنويع مصادر الدخل والنهوض بالاقتصاد بشكل عام، وذلك على النحو التالي:
1 - تعيين إدارة أكثر تميزا واحترافية للاستثمارات الخارجية.
2 - استغلال طاقات الشباب الطموح من خريجي الجامعات العريقة.
3 - الالتفات للمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي دعمت اقتصادات العديد من الدول.
4 - تطوير القطاع النفطي من الناحية النوعية، فالمعركة الحالية في صناعة النفط تقوم على تسويق النفط الهيدروجين الأخضر والتوسع في الصناعات النظيفة.
إصلاح الإدارة العامة
قال جاسم السعدون في رده على سؤال «من أين يبدأ الإصلاح؟» إنه لن يكون هناك حل للأزمة ما لم يتم إصلاح الإدارة العامة، فالكويت صرفت ملايين الدنانير على الدراسات منذ ستينيات القرن الماضي، ومع ذلك مازالت تسير عكس تلك الدراسات التي تم اعتمادها أكثر من مرة.
وأكد السعدون أن العمل على إصلاح الإدارة العامة يؤدي إلى إصلاح البلد كله، ولكن في حال لم تصلح فلن ينفع معها «الدرر».
حكومة رشيقة مع التوسعفي التخصيص
دعا المجرن إلى ضرورة إصلاح الإدارة الحكومية من خلال تحويل الحكومة من دورها كمقدم للخدمة إلى دور مراقب للنشاط الاقتصادي، وأن تكون الحكومة رشيقة صغيرة الحجم وذات كفاءة عالية في الرقابة والتنظيم وليست منافسا للقطاع الخاص بقدر الرقابة والتنظيم وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الانشطة الاقتصادية وتشجيع الاستثمارات.
وأشار المجرن إلى أهمية التوسع في عملية «التخصيص» على أسس واضحة، مع تحديد دقيق للقطاعات الملائمة للتخصيص في الأجل المتوسط، والانطلاق وفق هذه الرؤية نحو الإصلاح، ناهيك عن إصلاح البنية التحتية بحيث تكون جاذبة للاستثمار الوطني قبل أن تكون جاذبة للاستثمار الأجنبي.
إلغاء 340 مشروعاً إنشائياً وتأجيل 120
قال د.عباس المجرن ان نحو 340 مشروعا إنشائيا من مشاريع خطة التنمية الحكومية تم إلغاؤها، فيما تم تأجيل 120 مشروعا بسبب تفاقم عجز الميزانية، ناهيك عن تقليص الإنفاق على المشروعات والإنفاق التنموي من 7.8 مليارات إلى 5.5 مليارات دولار.
وأضاف المجرن ان ذلك يدل على انه لا توجد دراسات جدوى حقيقية يتم تنفيذ هذه المشاريع على أساسها، وان هذه المشاريع تخضع للقرارات الإدارية وبالتالي يمكن إيقافها بسهولة.