فواز كرامي
رسم الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس ادارة شركة الشال للاستشارات الاقتصادية جاسم السعدون صورة قاتمة للواقع والمستقبل الاقتصادي المحلي (في حال استمراره على وضعه الحالي) مشبها الاقتصاد المحلي والنظرية الاقتصادية المتبعة محليا بالنظريات التي عفى عليها الزمن ولم يبق من انصارها في العالم سوى ثلاث دول هي (كوريا الشمالية ـ كوبا ـ الكويت).
واعتبر في الندوة التي نظمتها جمعية المحاسبين والمراجعين الكويتية امس الاول في مقر الجمعية بعنوان «قانون الخصخصة ومشاريع خطة التنمية» ان مشكلة الكويت بصورة رئيسية تعود الى الادارة، مشيرا الى ان اي عملية تحويل اقتصادي تحتاج الى «ادارة واعية ورؤية واضحة وقانون».
وقال السعدون ان البيئة الاقتصادية في الكويت أصبحت بحاجة ماسة الى اشراك القطاع الخاص في عملية التنمية والانتاج وتحمل المسؤولية الاقتصادية مضيفا انه بالامكان البناء على قانون الخصخصة الحالي لتطوير البنية الاقتصادية المحلية.
وأضاف ان معظم الدراسات الاقتصادية عن واقع الكويت الاقتصادي أكدت على ضرورة تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل لاسيما مع العدد الكبير للعمالة الكويتية المتوقع دخولها الى سوق العمل في السنوات القليلة المقبلة.
وذكر ان الكويت تحتاج إلى خصخصة 62 شركة مدرجة وغير مدرجة و12 مؤسسة حكومية، مشيرا إلى ضرورة الإسراع في عملية التخصيص والمحافظة على العمالة الكويتية في كل هذه المشاريع.
وبيّن الجاسم ان الخصخصة يمكن ان تكون ذات دور ايجابي وفعال في التنمية الاقتصادية في ظل بنية تشريعية مناسبة وقواعد تنظيمية قوية تقوم بها الحكومة من خلال مراقبة القطاع الخاص وأدائه مع وجود أجواء تنافسية حرة.
بناء علاقات إستراتيجية
ولفت الى الموقع الجغرافي المهم الذي تتمتع به الكويت وقدرتها على الاستفادة منه للتحول الى مركز مالي وتجاري عالمي وذلك من خلال بناء علاقات إستراتيجية واقتصادية مع الدول المجاورة للكويت، مشيرا إلى التزايد المستمر في حجم التجارة بين أوروبا وآسيا، مشيرا إلى ان التعامل بعقلية الجاهلية والانتقام مع العراق والتعامل مع إيران على أسس مذهبية لن ينفع أي كان ولن يخدم مصلحة البلد مؤكدا على ضرورة النظر الى المستقبل ومحاولة تناسي الماضي دون خسارة الدروس المستفادة منه.
واعتبر السعدون ان ثلاث دول في العالم مازالت تعمل وفق نظريات اقتصادية عفى عليها الزمان هي كوريا الشمالية وكوبا والكويت والتي تتجاوز نسبة مساهمة القطاع العام في الإنتاج فيها الـ 90% معتبرا ان الاعتماد على النظام الاشتراكي او النظام الرأسمالي البحت «ادم سميث» غير كاف ويقود الى الكارثة، مشيرا الى استفادة الصين من النظريات العالمية المتطورة «الكينزية» والتي تعتمد بصورة رئيسية على الحضور الحكومي القوي في الاقتصاد مع ترك كل عمليات الإنتاج من شأن القطاع الخاص.
وأشار السعدون إلى أن 97% من الإنتاج السلعي والخدمي في الكويت يقوم به القطاع العام ويوجد في الكويت أكثر من 271 الف موظف في القطاع الحكومي أي 77% من إجمالي القوى العاملة الكويتية يكلفون خزينة الدولة 7.2 مليارات دينار مشيرا الى ان 94% من إيرادات النفط الخام تذهب لدفع الرواتب في القطاع الحكومي، مؤكدا انه في حال استمرار الوضع على هذا الشأن فان الوضع في غاية الخطورة.
ولفت الى ان النظام التعليمي في الكويت الذي يقتل روح الحافز عند الطالب ويدفعه من بداية نشأته الى النظر الى الوظيفة الحكومية التي تفتقر الى التحدي والحافز والإبداع، مشيرا الى ان هذا الوضع يولد ما يشبه القنابل المؤقتة.
وأكد ان أيا من النظريات الاقتصادية المتمثلة في سيادة القطاع الخاص او القطاع الحكومي سقطت حيث سقطت النظرية الأولى الخاصة بسيادة القطاع الخاص مع الأزمة العالمية في عام 1929 فيما سقطت نظرية سيادة القطاع العام مع سقوط الاتحاد السوفييتي في بداية تسعينيات القرن الماضي.
التجربة الصينية
وأشار الى التجربة الصينية التي استطاعت ان تثبت نفسها خلال السنوات العشر الماضية بمزجها لهاتين النظريتين من خلال الاعتماد على النظرية الكينزية المقتصرة بصورة رئيسية على الفكر الوسط بين هذين الفكرين، مشيرا الى ان الصين تحتل اليوم المرتبة الثانية كأكبر اقتصاد عالمي وستحتل المرتبة الأولى بحلول عام 2023، وذلك من خلال اتباعها لنظام سيادة مشتركة بين القطاع الخاص الذي ينتج السلع والخدمات والقطاع الحكومي الذي يقوم بتنظيم عملية الإنتاج.
واختتم السعدون ندوته بالتركيز على بث روح التفاؤل لدى الحاضرين في الندوة بعد احساسه بكمية التشاؤم الذي ساد بين أوساط الحاضرين لاسيما مع مداخلات لأعضاء في الجمعية شدت باتجاه السوداوية التي اتبعها السعدون في نظرته الاقتصادية، مبينا ان الكويت تملك مشروع دولة وكل ركائز قيام الدولة، وليست مشروعا تجاريا كما في العديد من الدول والعمل الحالي لإرجاع الكويت الى عصر الأمجاد في ستينيات وخمسينيات القرن الماضي.
وأعطى السعدون مثالا على الكويت في أواخر خمسينيات القرن الماضي حيث قامت السلطات الحكومية في الكويت حينها بإعداد الإحصاء السكاني ووضعت الرقم على احد الجرائد اليومية وكتبت ملاحظة صغيرة تقول «إذا لم تكن مقتنعا بالرقم أو لديك اي اعتراض يرجى الاتصال على الرقم» وهو ما تقوم به حكومات العالم المتقدمة في الوقت الحالي من خلال مواقع الانترنت.