- «فوضى الإدراجات» تعطى دلالات غير واقعية عن السوق
- الشركات الورقية أهم مظاهر وأسباب الخلل بالسوق
- البورصة «مستأزمة» وما يحدث ليس نتيجة أداء طبيعي للسوق
محمد البدري
تتعدد التفسيرات التي تجتهد في تحديد أسباب الوضع المتردي الذي تعيشه البورصة هذه الأيام، وتتنوع التأويلات والسيناريوهات في هذا الخصوص ما بين متفائل ومتشائم و«مصدوم»، لكن الكل يجمع على شيء واحد وهو أن ما يحدث في سوق الكويت للأوراق المالية ليس أمرا طبيعيا على الإطلاق، ويحتاج فك شفراته ومن ثم التداوي منه والتعافي من تداعياته السلبية، إلى إنعام نظر ونفاذ بصيرة وحسن إدراك لاستجلاء صورة شاملة عما يحدث، وتحديدا: لماذا يحدث؟ ومتى يتوقف؟ وكيف يمكن ضمان عدم تكرار حدوثه على نحو «كارثي» في المستقبل؟
وحسب آراء محللين ومتابعين للسوق يمكن رصد ثلاثة اتجاهات رئيسية فيما يتعلق بمحاولات تفسير أسباب ما يحدث في البورصة:
أولا: الاتجاه الفني التحليلي: الذي يرجع أسباب ما يحدث في السوق إلى عوامل فنية ترتبط بأداء المؤشرات السعرية والوزنية، وربما ربط بينها وبين حجم السيولة وعمليات المضاربة والشراء الانتقائي، وقد يتحول أحيانا الى عوامل خارجية مثل التطورات ذات الصلة بأسعار النفط والمعادن النفيسة والتغيرات في أسعار صرف العملات الرئيسية في العالم.
وعلى الرغم من وجاهة هذا الاتجاه، الذي تعبر عنه اراء المحللين الفنيين والماليين، والدراسات والتقارير التي تصدرها مراكز الاستشارات والبحوث الاقتصادية، إلا أنه يبقى جزئيا، إذ يركز على عوامل بعينها من مجمل المعطيات والعوامل العامة المؤثرة في أداء البورصة الكويتية.
ثانيا: الاتجاه العاطفي: إن جاز التعبير، الذي يعتقد أن ما يحدث في السوق ناتج عن شيوع «الحسد»، وهو الاتجاه الذي يعبر عنه قطاع كبير من صغار المستثمرين بالسوق، الذين يرون أن «الحسد» هو المولد للتطورات السلبية للسوق، مشيرين الى رغبة البعض، سواء من داخل البورصة او من خارجها، الى تقليص أرباح المستثمرين بالسوق، وعلى حد قول بعض صغار المستثمرين: «اللي داش البورصة محسود.. الكل يقول هذا داش بملايين.. يشتري.. يبيع.. يجمع.»، فيما يرى آخرون أن الحسد ربما يكون بين «الكبار» بعضهم البعض، وبالتالي يحاولون من وقت لآخر توجيه «رسائل» و«انذارات» بـ «كسر العظم».
ولعل أهم سلبيات هذا الاتجاه غلبة التفسير العاطفي وغير العقلاني عليه.
ثالثا: تفسير ما يحدث بالسوق: فهو الاتجاه الاقتصادي الشامل، الذي يرى أن ما يحدث في السوق، مرجعه أن البورصة «مستأزمة» بمعنى أنها تعاني أعراض أزمة لكنها في واقع الحال ليست بأزمة حقيقية ناتجة عن معطيات اقتصادية أو مالية أو حتى نفسية طويلة المدى، لكنها أزمة ناجمة عن وجود جوانب خلل وضعف في السوق.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي حجاج بوخضور: «ان ما يحدث في السوق لا يمكن تفسيره على أنه نتيجة لأداء طبيعي، إنما هو نتاج أزمة»، مبينا: «وهنا الأزمة مفتعلة، والافتعال ليس عن عمد وقصد بل نتيجة التفاعل السلبي مع السوق من قبل جميع الأطراف ذات الصلة»، وبالتالي «فإن بورصة الكويت لا تعاني أزمة سيولة أو أزمة ثقة أو أزمة نفسية طويلة المدى، فهي ليست مأزومة لكن يمكن القول ان بورصة الكويت مستأزمة».
ماذا بعد؟
في ضوء ما سبق، يمكننا أن نضع ايدينا على بعض العلامات الإرشادية المهمة التي قد تساهم في إقالة السوق من عثرته ولو بعد حين، «فأن تصل متأخرا بعض الشيء خير من ألا تصل أبدا»:
1 من الأهمية بمكان النظر إلى إصلاح سوق الكويت للأوراق المالية وفق منهج تنموي استراتيجي باعتباره جزءاً من عملية الإصلاح الاقتصادي الشامل، بما يتطلبه ذلك من جعل إصلاح البورصة ليس هدفا في حد ذاته بل خطوة على طريق جعل الكويت مركزا ماليا في المنطقة.
2 لما كانت البورصة هي مرآة الاقتصاد الكويتي، ولما كانت المعضلات التي تعانيها لم تعد بخافية على أحد، أصبح في مقدمة أولويات الحكومة البدء بمعالجة الاختلالات التي يعانيها السوق من مختلف الجوانب التشريعية والإدارية والفنية والتقنية والمعلوماتية.
3 إن الهبوط الذي مني به السوق في الأسابيع السابقة لا يعتبر مجرد عرض تصحيحى لحركة الأسهم، فهو مرتبط بمعطيات موضوعية وخلل في الشركات المدرجة بالسوق والتي يعد بعضها شركات ورقية تعاني من مشكلات عديدة ( قروض متعثرة/ غياب الحوكمة/ الحاجة لاعادة هيكلة/..إلخ)، لكنه في الوقت ذاته لا يرقى ليكون خطرا يهدد بوقوع أزمة مناخ ثانية لا قدر الله، بل هناك مسببات موضوعية يجب العمل على تداركها ومعالجتها على النحو السليم وفى التوقيت المناسب.
4 إن حل المشكلة لا يكمن فقط في زيادة حجم السيولة المتوافرة في البورصة، والتي يمكن إعادة امتصاصها في وقت قصير جدا..بل لابد من النظر في حلول جذرية بعيدة المدى تضع السوق على طريق العمل السوي بعيدا عن التخبط والتضارب والسير على غير هدى.
5 أهمية وضع ضوابط قانونية ولائحية لتنظيم عملية إدراج الشركات من مختلف القطاعات في السوق، خاصة لجهة اشتراط إدراج الشركات الجديدة في السوق الموازي أولا لمدد تتراوح بين 2- 3 سنوات، على تدرج الشركات التي تثبت مصداقية وكفاءة منها بعد انتهاء هذه المدة في السوق الرئيسي، حيث إن «فوضى الإدراجات» إن جاز التعبير تعطي دلالات غير واقعية عن السوق خاصة فيما يتعلق بالمؤشر السعري العام.
6 تبدو الحاجة ماسة إلى زيادة درجة الشفافية والإفصاح في البيانات والمعلومات، وفصل الجانب الرقابي في السوق عن الجانبين التشريعي والتنفيذي، وهو ما يتطلب الإسراع بتشكيل هيئة أسواق المال.