- الفرصة سانحة لفريق الفلاح «النظيف» للاستعانة بنصابي الأزمة المالية.. وبرواتب منطقية
- من بين الإحالات للنيابة.. لم نسمع إلا عن توقيف «ميسي السوق» الباقي في الملعب بأسماء أخرى!
- الأسواق العالمية متقدمة باستخدام المتلاعبين بالأسهم لنصب أفخاخ لزملائهم
أحمد بومرعي
في مقابلة مع رئيس هيئة أسواق المال صالح الفلاح أجرتها مجلة اكسفورد معه، ونشرتها «الأنباء» قبل أيام، قال الفلاح في سياق رده على أحد الأسئلة، أنه «اذا أردنا تعظيم المنفعة في السوق فعلينا أن نخلق بيئة صالحة، ولكي نكون قادرين على المنافسة في المستقبل، فإننا بحاجة الى تعزيز الدراية والخبرة في مسائل الأسواق المالية».
ثمة من فسر ذلك على أن البيئة الحالية غير صالحة، وأن المنافسة المستقبلية لسوق الكويت للأوراق المالية تفترض الخبرات والدراية في عالم الأسهم، التي ربما غير موجودة الآن في البورصة وإداراتها الكثيرة، وربما في هيئة الأسواق، وهو أمر مفهوم للأخيرة باعتبارها حديثة الولادة نسبيا.
في الواقع، يملك الفلاح فريقا مهنيا جيدا كمفوضين في مجلس إدارة الهيئة، واختصاصاتهم تجمع بين القانونيين والماليين والمصرفيين وخبراء في الاستثمار والاسهم.
والفلاح نفسه لديه خبرة مصرفية طويلة، اضافة الى أنه آت من عالم الأسهم، اذ ان منصبه السابق مدير عام للبورصة، المنصب الذي اتاح له التعرف على كثير من عمليات الاحتيال والتلاعب التي قامت بها شركات كثيرة في السوق قبل الأزمة المالية.
ملاحقة المتلاعبين
ولقرارات الفلاح الفضل في توقيف سيل إدراجات الشركات وعمليات الاكتتابات العشوائية التي تمت قبل الأزمة وشفطت الملايين من الناس تحت وطأة البروباغندا الزائفة لمسؤولي هذه الشركات.
ومعروف عن الفلاح وفريقه، أنه نظيف الكف، أو هكذا ما يقال في كواليس السوق وفي السر والعلن في ديوانيات الكويت وتجمعاتها، رغم انه قليل الاطلالات الإعلامية ولا يمدح نفسه بل يترك الأمور تأخذ مجراها كما يجب.
وفريق محترم مثل هذا، يسعى الى «خلق بيئة صالحة»، لابد أنه سيتعثر في معرفة طرق الاحتيال والنصب والتلاعب التي «يبدعها» (ان صح الوصف) المتلاعبون والنصابون والمحتالون في اسواق المال (وهم كثر في بورصة الكويت كما في أسواق العالم)، فهؤلاء لديهم فائض انتاج في ابتكار طرق احتيال جديدة كل يوم، وكلما تم الضغط عليهم من اليمين، صنعوا مهربا من اليسار، واذا تم التشديد عليهم بتعليمات قاسية وقوانين صارمة، فلهم حيلهم لتفسير القوانين بجيش من المستشارين القانونين لديهم الذين يمكنهم أن يخرجوا المتلاعب مثل «الشعرة من العجين».
كره الفلاح
ولا شك أن محتالي الأسهم يكرهون الفلاح وفريقه، وسبب الكراهية واضح من كثرة احالة هؤلاء للقضاء، التي تقوم بها الهيئة بشكل مكثف منذ عام تقريبا. ومع أن المتهم بريء حتى تثبت ادانته، لكن بمجرد التحويل للنيابة العامة تعني أن ثمة علامات استفهام تراها الهيئة في سياق التداولات اليومية للأسهم وتفترض التحقيق فيها.
لكن حتى الآن لم يتم الإعلان في الجريدة الرسمية أو على موقع هيئة اسواق المال عن حبس متهم أو تغريم المتلاعب بمئات الآلاف من الدنانير، على حسبة أن المتلاعب الذي ثبتت التهمة عليه، قد حقق ربما الملايين من تلاعبه، كما اضر بمصالح السوق وسمعته، وخسر كثيرا من المتداولين في جريمته المالية، (من دون اغفال أن شركاءه في اللعبة استفادوا، وهم مجرمون ايضا اذا ثبت تواطؤهم).
واكثر امر سمعناه قبل اشهر هو توقيف ما يسمى بـ «ميسي السوق»، وهو مضارب سريع الحركة دخولا وخروجا، مع بعض الأسماء الوهمية معه، لكن «ميسي» انطلق من ملعب آخر ومازال يسدد الأهداف هنا وهناك، محققا مكاسب على حساب المساكين في السوق.
استشارة المحتالين
اذن ما العمل؟ في الأسواق العالمية يأتون غالبا بالنصابين والمحتالين والمتلاعبين كمستشارين لهيئات اسواق المال، وهذا امر حصل في أميركا كما في أوروبا، والشواهد كثيرة.
فهؤلاء النصابون يصبحون خبراء في المجال، ويمكنهم سريعا كشف عمليات التلاعب وتسهيل المهمات على هيئات الأسواق المالية لتتفرغ لأمور اخرى توعوية للمستثمرين او تطويرية للسوق، اضافة الى جذب الاستثمارات وغيرها من المهام المكلفة بها.
بينما المهمة الأصعب وهي كشف التلاعبات اليومية في الأسهم، فتكون من اختصاص الضالعين بها، أي المحتالون انفسهم الذين تم كشفهم وابعادهم عن الأسواق نهائيا أو مؤقتا، (لا يعني كلامنا أبدا استشارة ميسي السوق لكي لا تختلط الأمور على البعض، فالتقدير عائد للفلاح وفريقه)، وإن استشارة هؤلاء لا شك ستقلب موازين اللعبة البورصوية، وتحد من عشوائيات السوق وتحمي الصغار، أي نصب الأفخاخ من قبل واضعيها.
وبذلك تكون الهيئة قد حققت احد اهم أهدافها في القضاء على التلاعبات في السوق، التي يشكو الصغار منها كل يوم، وحتى كبار المستثمرين (المحترمين) يشكون من ضعف سوق المال وعدم القدرة على متابعة سير اتجاهاته وقياس أدائه الحقيقي، وتفضيلهم هجرته الى أسواق أخرى أو وضع أموالهم في البنوك بشكل يضمن له الأمان من تقلبات الأسهم.
يحدث في العالم
وبالمناسبة، الاستعانة بمستشارين محتالين هو امر يحدث في مجالات اقتصادية اخرى في اسواق العالم غير البورصة، ولطالما كان هؤلاء وقود تحركات وزراء مال ومحافظين للتفتيش عن امور في السوق.
كما تمت الاستعانة بهم من قبل الأمنيين لكشف سرقات واحتيالات وعمليات نصب وحتى مافيات، ومشاهدة برامج «ناشيونال جيوغرافيك» كفيلة بذلك.
وما يعرف بـ «بونزي ستايل» أو طريقة بونزي الاحتيالية الشهيرة، جاءت من التلاعب في أسواق المال، ومازالت تستخدم في الأسواق حتى الآن.
وبونزي، اكبر المحتالين في التاريخ المالي الأميركي وهو مهاجر من اصول ايطالية، جاء لعالم الأسهم من خلفية مصرفية واستثمارية، تماما كما جاء حديثا برنارد مادوف الى هيئة الأسواق المالية الأميركية، وتم القبض عليه في أكبر عمليات احتيال في عالم المال والأسهم.
وبالعودة للسوق الكويتي، تم في السنوات الأخيرة طرد كثير من المتلاعبين والمحتالين (والمتلاعبات والمحتالات) مع شركاتهم من السوق، وبعضهم اصبحوا بلا وظائف أو عالة على شركاتهم (المطرودة) مع رواتب قليلة اذا ما قورنت بسنوات العز، علما أن البعض مازال يحلب ما تبقى من اموال المساهمين للحصول على رواتب كبيرة من ناحية، بينما وبكل وقاحة يحصل على بونصات من شركته شبه المفلسة.
فرصة رخيصة
لذا فإن الفرصة سانحة الان لصالح الفلاح للاستعانة بهؤلاء كمستشارين، من خارج سلم الرواتب والوظائف في هيئة الأسواق أو freelancer مع اعطائهم مبالغ كبيرة لكي يتفرغوا اولا لملاحقة المتلاعبين والنصابين (زملائهم السابقين)، اذ إن هؤلاء يحبون المال كثيرا، وثانيا لكي يجتهدوا في الكشف عن الجرائم المالية وخيوطها.
وفي الفترة المقبلة ستكون هناك خصخصة للبورصة الكويتية، وحسب قانون خصخصتها، فستتنافس الشركات للفوز بنسبة 50% من رأسمالها، على أن تنال كل شركة فائزة 5% بحد اقصى، اي أن هناك 10 شركات أو مجموعات ستنال نسبة الـ 50%، كما ستكون الحصة المتبقية (50%) من نصيب المواطنين في اكتتاب عام.
لذا فإن الجهد سيكون مضاعفا على هيئة الأسواق للفصل بين المصلحة الخاصة للشركات الفائزة، والمفترض أنها ستشكل مجلس ادارة البورصة، وبين المصلحة العامة التي تقتضي أن تعمل البورصات كمصدر ثانوي للناس لاستثمار أموالها ومدخراتها، وأن تكون أيضا فرصة للشركات للحصول على سيولة بأقل تكلفة من اسواق الاقتراض التقليدية (البنوك، شركات التمويل)، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفلاح قال في مقابلته مع «اكسفورد» أن البورصات تدار بشكل افضل من قبل القطاع الخاص مقارنة مع القطاع العام.