تعرض «الأنباء» زاوية يومية خلال شهر رمضان، يكتبها المسؤولون في القطاعات المختلفة كاستراحة يومية يتذكرون خلالها عبرا من الأزمة المالية في 2008 الأكبر تاريخيا والمستمرة تبعاتها حتى الآن، إذ يجيبون عن أسئلة حول ذكرى الأزمة والعبر الاقتصادية منها، والدروس التي تركتها فيهم.
بين الجدل القديم حول الأزمة الاقتصادية التي اندلعت في 2009 والجدل الحالي الذي يتناول مؤسساتنا بأنواعها، يكاد يكون القطاع المالي الوحيد الذي تعرض لإصلاحات حقيقية تمثلت في بروزه لمجهر الرأي العام، واحكام الرقابة عليه، وعمليات اعادة الهيكلة المتلاحقة التي مرت بها كثير من الشركات الخاصة.
وأرى أن أي حديث عن معالجة ما يسمى بالأزمة الاقتصادية لا يكتمل إلا بإصلاح جميع مؤسسات الدولة بعد ان أصبح من الثابت أن البيروقراطية ـ والتي تتسم بالبطء وعدم الشفافية ـ تشكل عبئا وتكلفة اقتصادية باهظة على الدولة، وتربة خصبة للفساد، ما يحول دون تحقيق تنمية حقيقية ويحتم إجراء عملية إصلاح جادة وعميقة للنظام المؤسسي في الدولة.
وحتى لا يكون الحديث بالمطلق وفي الماضي، لنتحدث عن المستقبل وبرامج الاصلاح الواعدة مستعرضين ثلاثة برامج محددة تتبناها حاليا المؤسسات التالية: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للكويت، والجمعية الاقتصادية الكويتية، ومجلس الأمة الكويتي، بعضها كفيل بتغيير وجهي العملة في مؤسساتنا وهما: الأول الانسان، والثاني المعرفة.
1 ـ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للكويت 2015 - 2018
أقرت وثيقة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للكويت للسنوات 2015 - 2018 في اجتماع المجلس التنفيذي في جنيف من 23 الى 27 يونيو الماضي.
الوثيقة التي قدمت كانت ثرية، ومباشرة في طرح التحديات.
ونتطلع الى أن تشهد المرحلة القادمة نشاطا في صياغة برامج واعدة وعديدة منها الاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا والإبداع وإصلاح حوكمة القطاع العام وبناء قدراته، وتعزيز قدرات وكوادر المؤسسة الديموقراطية.
وسوف تتوجه عيون المجتمع للأمانة العامة التخطيط المعنية بتنفيذ البرامج من التقرير لتحليل تحديات الادارة الحكومية بالكويت ومتطلبات اصلاحها، حيث إن جهود اصلاح وتطوير أداء الادارة الحكومية من القضايا التي كانت ومازالت تعتبر من المواضيع الملحة التي تحتاج الى تعامل جدي كي لا تكون من العوامل المساهمة في اضعاف البيئة التنافسية في الكويت.
2 ـ برنامج الجمعية الاقتصادية لتعزيز حوكمة القطاع العام
في شهر أبريل 2014 طرحت الجمعية الاقتصادية برنامجا مقترحا للحكومة يهدف الى تطبيق سياسات الاصلاح الإداري في القطاع العام الكويتي كخطوات عملية نحو تأسيس قطاع جديد وعصري من المؤسسات الحكومية، والتي تدار بالنتائج ووفق معايير واضحة لقياس الأداء، ووفق مبادئ الحكم الرشيد القائم على مبدأ المحاسبة.
وقدمت الجمعية مقترحها المتضمن خطوات عملية لتنفيذ برنامج عمل حكومي لصياغة وتطبيق سياسات الإصلاح الإداري في القطاع العام، تقوم على أربعة سياسات رئيسية هي فرض مواثيق الحكم السليم على المؤسسات العامة، وشفافية تنصيب القادة وفق مبادئ الشفافية والجدارة، وتكريس استقلالية المؤسسات وفق مؤشرات أداء واضحة، وتعميق القدرات في مؤسسات الدولة.
3 ـ برنامج البديل الاستراتيجي: أين التنافسية في البرنامج؟
من المتوقع أن يقدم القانون المسمى بالبديل الاستراتيجي في بداية دور الانعقاد المقبل لمجلس الأمة.
وفي الواقع ان الهدف من القانون نبيل، وهو مزيد من العدالة الاجتماعية بين القطاعات، لكن يجدر التساؤل هنا: هل من الطبيعي مراجعة نظام الحوافز في غياب أي ربط مع انتاجية القطاع العام؟ فإذا أردنا أن نجيب على ذلك، يكفي أن نعلم ان تقرير الكويت للتنافسية 2013 ـ 2014 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي يضع الكويت في المرتبة الأخيرة خليجيا متقدمة على البحرين.
كما أن المتابع لتطورات برنامج البديل الاستراتيجي يلاحظ تعارض هذا البرنامج مع توجهات الدولة لإصلاح الاختلالات في هيكل الميزانية والادارة الفعالة للموارد البشرية وما يتطلب من العمل على الحد من البطالة المقنعة من خلال اعادة توزيع القوى البشرية بين أجهزة الدولة بما يضمن زيادة كفاءة العمل وزيادة الانتاجية.
ولا يبدو أن البديل الاستراتيجي يركز الاهتمام على التدريب الهادف الى زيادة مستوى الأداء، وربط تقييم مخرجات التدريب بتطور مستوى الانتاجية لدى الأفراد.
>>>
في الواقع، وبعد رصد التوجهات الثلاثة أعلاه للاصلاح، ثمة حاجة ملحة اليوم الى عملة مؤسسية جديدة بوجهيها الانسان والمعرفة عبر برامج اصلاحية جادة تبعث الحيوية في مؤسسات الدولة عبر تفعيل موجهات دستورية وقانونية لإرساء بنية مؤسسية فاعلة للوزارة والهيئات المستقلة وبعث روح جديدة في تحمل المسؤولية في المؤسسات القائمة عبر النصوص قانونية، ومواثيق الحكم السليم، والمساءلة التي تعزز روح التنافسية.
مناف عبدالعزيز الهاجري
الرئيس التنفيذي ـ المركز المالي الكويتي
رئيس لجنة السياسات في اتحاد الشركات الاستثمارية
رئيس لجنة السياسات في الجمعية الاقتصادية الكويتية