أوضح تقرير صادر عن شركة بيت الاستثمار العالمي «جلوبل» حول الاستثمار الأجنبي المباشر في دول مجلس التعاون الخليجي أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية الواردة سجلت انخفاضا تاريخيا من أعلى مستوياتها على الإطلاق البالغة 1.979 مليار دولار خلال2007 لتصل إلى 1.697 مليار دولار خلال العام 2008 مسجلة تراجعا بنسبة 14.2%.
ووفقا للبيانات الأولية التي جاءت في تقرير الاستثمار العالمي(wir)، استمر هذا الاتجاه الهبوطي خلال الربع الأول من العام 2009، حيث انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة بنسبة 44% إضافية. كانت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في فترة ما قبل الأزمة المالية، تركز على الدول النامية والقطاعات التي يسهل فيها الحصول على الائتمان. وعقب تفشي أزمة الائتمان في جميع أنحاء العالم، تحولت الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الدول المتقدمة إلى الدول النامية والناشئة ومن ضمنها دول مجلس التعاون الخليجي.
وقال التقرير ان تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى الدول النامية ارتفعت بمعدل 18% في حين ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة في أفريقيا بالغة 88 مليار دولار خلال العام 2008، بزيادة مقدارها 26% مقارنة بالعام الأسبق. وتمثلت كبريات الدول المستفيدة من هذه التدفقات في دول أفريقيا، والدول ذات الموارد الطبيعية، والدول الغنية بالسلع الأساسية. وفي جنوب آسيا، ارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 17% خلال العام 2008 لتبلغ 298 مليار دولار، وتركزت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة الضخمة في الصين، والهند، وهونغ كونغ. وشهدت جنوب شرق أوروبا، وأميركا اللاتينية، والكاريبي نموا في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إليها بنسبة 17، و13% على التوالي وبلغت قيمتها 114 و144 مليون دولار على التوالي خلال العام 2008. ولكن، في المنطقة التي تضم دول مجلس التعاون، قال التقرير ان غرب آسيا شهدت سادس ارتفاع لها على التوالي في الاستثمارات الأجنبية المباشرة حيث ارتفعت بنسبة 16% لتصل إلى 90 مليار دولار خلال العام 2008، تم توجيه 63.4 مليار دولار منها إلى دول مجلس التعاون الخليجي. نمت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 31.5% خلال العام 2008، كما نمت بمعدل سنوي مركب مقداره 57.2% خلال الفترة ما بين العام 2003 والعام 2008.
منذ أوائل التسعينيات، قال التقرير ان منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، شهدت إصلاحات مستمرة وجديدة تهدف إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وخلق بيئة قانونية مواتية لصالح المستثمرين الأجانب. وتشمل هذه التطورات المواتية تحرير دخول المستثمرين، ومنحهم المزيد من الحوافز الاستثمارية، وخفض الضرائب، وتوفير الضمانات والحماية. وهناك حاليا العديد من الشركات الأجنبية التي تعمل وتمتلك مكاتب تابعة لها في دول مجلس التعاون الخليجي ومن ضمنها مجموعة شركات رويال داتش شل، وشركة هيونداي للهندسة، وجنرال إلكتريك، وبريتيش بيتروليوم.
الاستثمارات الأجنبية
ومن بين كبريات الدول المستفيدة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، قال التقرير ان المملكة العربية السعودية بلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إليها خلال العام 2008 ما قيمته 38.3 مليار دولار، بزيادة مقدارها 57.2%. وعلى أساس معدل النمو السنوي المركب، ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى المملكة العربية السعودية بنسبة 117.9% خلال الفترة ما بين العامين 2003 و2008، مما يبين الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية بهدف تنويع اقتصادها.
المركز الثاني
ولفت التقرير الى أن الإمارات العربية المتحدة احتلت المركز الثاني بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تلقت من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة ما قيمته 13.7 مليار دولار أميركي خلال العام 2008، بانخفاض بلغ 3.4% عن مستوى العام الأسبق. وبذلك استحوذت السعودية والإمارات مجتمعتين على 81.9% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى دول مجلس التعاون الخليجي والبالغة 63.4 مليار دولار أميركي. وسجلت قطر زيادة هائلة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إليها خلال العام 2008، وذلك بفضل السياسات الحكومية الرامية إلى تسهيل اللوائح التنظيمية المطبقة على المشاركين الأجانب. وفي قطر تم توجيه الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى قطاعات الغاز الطبيعي المسال والطاقة والاتصالات.
تخفيف القيود
من جهة أخرى، قال التقرير ان الكويت وسلطنة عمان شهدتا انخفاضا في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إليهما. وعلى الرغم من أن كلا البلدين عملا على تخفيف القيود المفروضة على المشاركة الأجنبية، فقد سجلت الكويت انخفاضا بنسبة 54.5% في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إليها في حين سجلت عمان انخفاضا بنسبة 6.3 %. وفي إطار جهوده الرامية إلى زيادة المشاركة الأجنبية، أقر مجلس الأمة الكويتي قانونا لخفض الضرائب المفروضة على الشركات الأجنبية العاملة في الكويت من 55% إلى 15 %، هذا بالإضافة إلى إلغاء الضرائب على الأرباح الرأسمالية في سوق الأوراق المالية الكويتية.
وبلغت قيمة تدفقات الاستثمار الأجنبي الصادرة من دول مجلس التعاون الخليج 29.7 مليار دولار، بانخفاض بلغت نسبته 33.9%. ويعزى هذا الانخفاض إلى إستراتيجية الاستثمار المتحفظة التي تتبناها دول مجلس التعاون الخليجي، فقد حدت صناديق الثروة السيادية والتي تعتبر الصناديق الاستثمارية الكبرى الوحيدة التي تمثل دول بعينها في مجلس التعاون الخليجي، من استثماراتها إلى حين العثور على فرص استثمارية مغرية.
وكان لأزمة الائتمان التي ظهرت خلال العام 2008 تأثير سلبي على الاستثمارات الأجنبية المباشرة حيث تسببت في تراجع نشاطها بنسبة 14.2% على مستوى العالم. وتحولت الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الدول النامية إلى الدول المتقدمة كما ظهرت صناديق الثروة السيادية والتي تتواجد بصفة أساسية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي.
وتوقع التقرير أن تتأثر تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة إلى دول مجلس التعاون الخليجي بشكل طفيف خلال العام 2009، ولكنه من المتوقع أن تعاود الظهور بقوة خلال العام 2010. وفي خلال الفترة الممتدة من يناير حتى سبتمبر من العام 2009، بلغ متوسط سعر برميل النفط 55 دولارا ومن المتوقع أن يبلغ متوسط سعر برميل النفط 70 دولارا في الربع الأخير من العام 2009، وتعتزم حكومات دول مجلس التعاون الخليجي الاستمرار في تجميع فوائضها المالية الهائلة بفضل بلوغ متوسط سعر التعادل لبرميل النفط قرابة 50 دولارا للبرميل، ومن ثم فإن الإنفاق الحكومي على المشاريع سيستمر كما ستظل هناك حاجة إلى الخبرات الأجنبية في مجالي التقنية والإدارة. ومن ناحية ثانية، من المتوقع أن ترتفع تدفقات الاستثمار الأجنبي الصادرة خلال العام 2009 نظرا للسيولة النقدية الهائلة التي جمعتها دول مجلس التعاون الخليجي، والفرص الاستثمارية القيمة المتنوعة المتوافرة في جميع أنحاء العالم.
ويعكس الاتجاه المتصاعد للاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى حد ما التخفيف المستمر في الإطار التنظيمي الخاص بالاستثمارات الأجنبية المباشرة. وفيما يتعلق بالمبادرات السياسية، تواصل دول المنطقة تشريع قوانين ولوائح تنظيمية جديدة بغية جعل بيئتها الاستثمارية مواتية أكثر للمستثمرين. وقد حررت معظم الدول في المنطقة قوانين الاستثمار، خاصة في الصناعات غير المتعلقة بالطاقة لاسيما في قطاع الخدمات مثل التمويل، والعقارات، والاتصالات. ومن المرجح أن تستمر تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الواردة والصادرة في الزيادة، إذا كانت هناك جهود متواصلة مبذولة في سبيل الإصلاح الاقتصادي ومزيد من التحسينات في مناخ الأعمال يدعمهما نمو اقتصادي واعد.