تناول التقرير الــشـهـري لشركة سبائك للإجارة والاستثمار سوق تأجير السيارات في العالم وتأثيرات الأزمة المالية على هذا القطاع وفرص النمو المتاحة فيه على المديين المتوسط والبعيد، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبشكل عام، شهدت صناعة السيارات تباطؤا حادا خلال الأشهر الـ 12 الماضية بسبب شح الائتمان وديون الشركات المصنعة وضعف الطلب وتراجع ثقة المستهلكين، فالأزمة المالية خفضت مبيعات السيارات الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية بمعدل النصف، وفي كندا بمعدل الثلث، وفي المملكة المتحدة بنسبة 30% وفي منطقة آسيا الباسيفيك بنسبة 15%، وقد زاد من الطين بلة ارتفاع معدل البطالة حول العالم خصوصا في الدول الصناعية، حيث يتفادى المستهلكون إنفاق مبالغ كبيرة لشراء مركبات جديدة، وبالتالي أثر ذلك بشكل أو بآخر على صناعة تأجير المركبات حول العالم، فبعد أن نعمت بنمو كبير خلال الأعوام الثلاثة الماضية في أميركا الشمالية وأوروبا ومنطقة الشرق الأوسط، تواجه صناعة تأجير المركبات اليوم تحديات جمة بسبب ركود الاقتصاد العالمي.
لكن وعلى الرغم من توقعات النمو المنخفضة للاقتصاد العالمي، توقع التقرير أن ينمو سوق تأجير السيارات 3.5% سنويا حتى عام 2010، وهذا النمو يأتي بفضل الأسواق الناشئة مثل الصين والهند، وكذلك أستراليا والشرق الأوسط، وتعتبر الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أكبر سوقين لصناعة تأجير السيارات في العالم، إذ بلغت إيرادات السوق الأميركي حوالي 29.5 مليار دولار في عام 2008، وفي أوروبا تخطى حجم سوق تأجير السيارات ووسائل النقل على الطرقات 251 مليار دولار عام 2008، واحتل 50% من إجمالي سوق التأجير في القارة العجوز، وقد تم تأجير أكثر من ثلثي عدد السيارات إلى القطاع الخاص، بينما بلغت حصة الأفراد من حجم التأجير 12.2% وحصة السلطات الرسمية 3% فقط.
استقرار قبل الانتعاش
ولفت التقرير الى ان أسعار السيارات الجديدة ارتفعت في الأعوام الثلاثة الماضية بسبب ارتفاع أسعار النفط والبتروكيماويات وبسبب سعي الشركات المصنعة للمزيد من الأرباح، وصحيح أن زيادة الأسعار هذه لم تؤثر بقوة على سوق الاستهلاك لكن مع الأزمة المالية العالمية بدأ المستهلكون يشعرون بثقلها، لذا حل سوق تأجير المركبات المستفيد الأول من هذه الحالة، فأرقام أسواق التأجير العالمية في عام 2009 تشبه نوعا ما الأرقام في 2008 أي ان الاستقرار قبل الانتعاش متوافر.
وفي الحقيقة، قال التقرير ان خارطة أسواق التأجير حول العالم بدأت تتغير في الأشهر القليلة الماضية، إذ راحت شركات التأجير وغيرها تبحث عن فرص ولدتها الأزمة، وتشير «سبائك» إلى حدثين مهمين يدلان بطريقة أو بأخرى على تغير ما يطرأ على صناعة التأجير حول العالم:
أولا: عادت شركة جنرال موتورز ـ العملاق الأميركي لصناعة السيارات ـ لتلعب دورا في سوق التأجير بعد أن توقفت عن تقديم الخدمات في هذا القطاع خلال أغسطس عام 2008 وذلك بسبب تدخل الحكومة الأميركية لإنقاذ الشركة من الإفلاس، ففي الفترة الماضية بات قطاع تأجير المركبات يشكل حوالي 20% من «بزنس» السيارات الجديدة لدى جنرال موتورز في الولايات المتحدة، مسببا خسائر للشركة، فالعديد من منافسي جنرال موتورز الأساسيين، مثل فورد وتويوتا ودايملر، قلصت من خدمات التأجير، لكنها لم تتخل عن هذا النوع من الأعمال بتاتا، وعودة جنرال موتورز إلى حلبة التأجير كانت مدفوعة بسبب رئيسي حسب الشركة: الكثير من عملاء التأجير في الشركة قرروا شراء سيارات مستعملة أو حتى مركبات جديدة لكن من ماركات مختلفة عن التي تصنعها جنرال موتورز، لذا قررت هذه الأخيرة العودة إلى سوق التأجير من جديد.
ثانيا: يبحث المشرعون في كندا اليوم في السماح للبنوك بدخول سوق تأجير السيارات، مما يسهل عمليات التأجير في ظل شح الإقراض، فبعد أن واجه المصنعون صعوبات عدة خلال الأشهر الـ 12 الأخيرة، يبدو أن السوق متعطش لقوى تأجيرية أخرى، فحسب الأرقام تبلغ حصة شركات تأجير السيارات 94% من سوق التأجير في كندا، وهذه الشركات شكلت لفترة طويلة سدا منيعا في وجه أي محاولات تشريع دخول البنوك إلى سوق تأجير المركبات، لكن يبدو أن الوضع اختلف اليوم، غير أن انتقادات عدة تلاحق خطوة المشرعين الكنديين، خصوصا أن بعض المحللين يعتبرون أن المصارف قلصت من تمويل شركات تأجير السيارات، بهدف دخول سوق التأجير.
وهذان الحدثان يمنحان صورة ما عن تغير في سوق التأجير حول العالم خصوصا بعد مواجهة الشركات لصعوبات عدة بسبب الأزمة المالية.
صعوبات الشركات العالمية
وقال «لاتزال شركتا هيرتز وأفيس ـ بدجت الاميركيتين تسيطران على أكبر حصة من سوق تأجير السيارات حول العالم مع عمليات في أكثر من 145 دولة، لكن شركة يوروب كار زادت حصتها أيضا من السوق العالمي خلال الأعوام القليلة الماضية، ومن دون شك، تأثرت جميع شركات التأجير الأميركية والعالمية بالأزمة، فمجموعة أفيس ـ بدجت قلصت قوتها العاملة 7%، كما هبطت أرباح هيرتز الصافية 94% في أول 9 أشهر من سنتها المالية، ولجأت شركة أدفانتج للفصل الحادي عشر من القانون الأميركي لحمايتها من الإفلاس والدائنين».
وتواجه شركات التأجير تحديات أخرى مثل الحاجة إلى التمويل لشراء أساطيل جديدة في زمن باتت فيه القروض عزيزة، فحسب محللين أميركيين وجدت شركتا (هيرتز وأفيس ـ بدجت) بداية عام 2009م نفسيهما أمام حاجة ملحة للتمويل من أجل تجديد سياراتهما، وكانت شركات التأجير الأميركية سعت للحصول على حصة من خطة التحفيز المالي التي وضعتها إدارة الرئيس باراك أوباما، والتي بلغت قيمتها 700 مليار دولار، لكنها لم تنجح في ذلك.
لذا دفعت الصعوبات هذه الشركات إلى اتباع استراتيجيات مختلفة للحفاظ على العملاء وجذب آخرين، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ستدشن شركة (هيرتز) أول مكتب للشركات في الشرق الأوسط بداية سنة 2010م، وسيكون المكتب في دبي ضمن البرنامج الاستثماري الجديد للشركة في المنطقة.
الوضع مختلف في المنطقة
لكن ماذا يحصل في سوق تأجير السيارات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ يبدو أن الوضع مختلف بعض الشيء هنا، فحسب تقرير لمجموعة (دولار ـ ثريفتي) انعكست الأزمة المالية نموا في قطاع تأجير السيارات في المنطقة، فبعد أن شددت البنوك القيود على تمويل المركبات يتجه الكثير من المستهلكين إلى شركات التأجير للحصول على وسيلة نقل، كما أن إعادة الهيكلة التي اتبعها العديد من الشركات دفعتها للجوء إلى الاستئجار بدل التملك، وقد ارتفع حجم عقود التأجير طويلة الأجل بين 10% و15% في دبي وحدها على سبيل المثال، حسب أرقام (يوروب كار)، وقد شجعت الأزمة وكلاء السيارات في المنطقة إلى الاهتمام أكثر بأعمال التأجير وتطويرها بعد انخفاض مبيعات المركبات الجديدة 60% تقريبا.
وتعد دول مجلس التعاون الخليجي أكبر أسواق المنطقة العربية وأكثرها حاجة لتأجير السيارات، لاسيما في ظل المشاريع التنموية والنهضة الشاملة التي تعيشها في الفترة الحالية، فصناعة تأجير السيارات لا تعتمد على السياحة فقط، بل على التأجير طويل الأجل للشركات العاملة، وهذا النوع من التأجير محدود في الدول العربية الأخرى. لذا ازدهرت هذه الصناعة في الخليج والسعودية، خصوصا أن سوق المملكة يشكل حوالي 60% من حجم سوق التأجير الخليجي.
أسواق الخليج
يلقي تقرير «سبائك» الشهري الضوء على بعض الأسواق الخليجية:
- 1- المملكة العربية السعودية: منذ تسعينيات القرن الماضي، ارتفع عدد وكالات تأجير السيارات في عموم المملكة، وبات نشاط التأجير يتسم اليوم بكثرة الشركات المحلية الصغيرة مع عدد من الوكالات العالمية الكبيرة، ويبلغ عدد شركات التأجير في الرياض وحدها حوالي 300، في حين يتخطى عدد الشركات في المملكة الـ 1250، وتسيطر شركة (أفيس ـ بدجت) على حصة تتجاوز الـ 35% من السوق، ويشهد السوق السعودي نموا مطردا خصوصا أن سوق السيارات يعد اليوم من أكبر المحافظ الاستثمارية نموا في قطاع الخدمات، لكن ارتفاع عدد الشركات والمكاتب المبالغ فيه يؤثر سلبا في الجودة التي تقدم.
- 2- الإمارات العربية المتحدة: أكثر من 1583 شركة تأجير سيارات تعمل في دولة الإمارات، ووفقا لإحصاءات مجموعة دبي لتأجير السيارات في غرفة تجارة وصناعة دبي فإن شركات التأجير في الإمارة تشتري 20 ألف سيارة سنويا بأكثر من ملياري درهم، ويبلغ عدد السيارات في أساطيل الشركات في الإمارات أكثر من 100 ألف مركبة، منها 75% حصة دبي وحدها، ويعمل في القطاع أكثر من 12 ألف عامل على مستوى الدولة، وتؤكد المجموعة مساهمة هذه الشركات في دعم اقتصاد البلاد من خلال دفع رسوم الإيجارات العقارية للشركات ورسوم استصدار رخص مركبات التأجير وتسجيلها والتأمين عليها، ورسوم صيانتها وقطع غيارها واستهلاك الوقود، وتأشيرات سائقيها وعمال القطاع ورسوم الدائرة الاقتصادية والبلدية إلى جانب المخالفات المرورية التي تقدر بالملايين.
- 3- الكويت: حسب آخر الإحصائيات شبه الرسمية، يقدر عدد سيارات التأجير في الكويت التي تعمل بنظام التأجير الطويل والقصير المدى بأكثر من 75 ألفا، ويعتبر السوق الكويتي من الأسواق الكبيرة مقارنة بدول المنطقة ونسبة التعداد السكاني، ويتميز في اعتماده على الحركة الداخلية للمواطنين والمقيمين، كما يتمتع بتطور مفهوم التأجير طويل المدى واعتماد الشركات والوزارات والقطاعات العامة والخاصة على استئجار حاجاتهم من المركبات لمدة تمتد من سنة حتى أربع سنوات، وتعتبر المنافسة قوية في هذا السوق، حيث تعمل حوالي 12 شركة عالمية وعشرات الشركات المحلية الصغيرة.
تداعيات الأزمة
وفي الأعوام الخمسة الماضية ازدهر قطاع شركات تأجير السيارات مع نمو الأعمال والمشاريع التنموية في المنطقة، ويعتبر السوق مربحا إذ قد يصل العائد فيه 25% من رأس المال المستثمر، وقد بلغت نسبة نمو القطاع في دول الخليج حوالي 10% سنويا آخر 4 أعوام، بفضل الطلب المتزايد على السيارات والنمو السكاني وعامل الهجرة.
لكن هل الصورة وردية بالكامل؟ بالطبع لا، إذ يبدو أن للأزمة المالية العالمية أيضا تداعياتها على القطاع في دول التعاون، فمن المتوقع ألا يتعدى نمو سوق التأجير الخليجي في عام 2009م نسبة الـ 3%، كما أن بعض اللاعبين الصغار بدأوا بالفعل مغادرة السوق لعدم قدرتهم على مواجهة الصعوبات التي اعترضت توسعهم غير المدروس في الماضي. وفي ظل تراجع الأداء والإحجام عن شراء سيارات جديدة، فإن مساهمة القطاع في دعم الاقتصاد ستتقلص، إذ ستخفف العديد من الشركات من حجم أسطولها، لأن هبوط الأرباح يمنعها من تجديد مركباتها.
ففي دبي على سبيل المثال، تخوض بعض شركات تأجير السيارات معركة بقاء في ظل الأزمة التي استنزفت مواردها، وقد تكدست أساطيلها أمام المكاتب بعد انحسار الطلب عليها، وبات أصحاب الشركات محاصرين بمطالبات البنوك بتسديد أقساط سياراتهم، ويرسم هؤلاء صورة غير مطمئنة للقطاع، بعد تراجع حجم أعمالهم بنسبة 60% تقريبا منذ بداية الأزمة.
وفي المنطقة ـ بشكل عام ـ تهدد الديون عددا من الشركات الصغيرة والمتوسطة بالإقفال، كما بات بعض الزبائن يتهرب من دفع قيمة استئجار السيارات، فعلى سبيل المثال قفز عدد الأشخاص الذين دخلوا القائمة السوداء الخاصة بمكاتب تأجير السيارات في السعودية كمتعثرين عن السداد نحو 600 ألف شخص، لذا لجأت بعض شركات التأجير المملكة إلى استخدام نظام مراقبة الكتروني يسمح بتعقب المركبات عبر الأقمار الصناعية، والأرقام المتوافرة تشير إلى تكبد سوق تأجير السيارات في الرياض فقط خسائر سنوية بحوالي 500 مليون ريال بسبب تعثر عملاء أو تهربهم من السداد.
لذا تقدمت شركات تأجير السيارات في جدة بشكوى إلى اللجنة الوطنية للنقل البري المنبثقة عن مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية، من صعوبة تحصيلهم مستحقاتهم المالية من المستأجرين وطول الإجراءات في المحاكم.
توقعات وفرص
وعلى الرغم من مشكلة تعثر العملاء وارتفاع حجم ديون الشركات، لاتزال هناك عوامل عدة تبشر بإمكانية عودة السوق في المنطقة إلى الانتعاش، ومن بين هذه العوامل تشدد البنوك في الإقراض، خصوصا تمويل السيارات، صحيح أن أسواق الخليج -خصوصا في الإمارات- فقدت نسبة مهمة من الزبائن مع انخفاض أعداد السياح، لكن التعويض جاء من المواطنين والمقيمين مع أزمة الائتمان وعدم قدرة الكثيرين على الاقتراض لتمويل سيارة.
وتعتقد «سبائك» أن سوق تأجير السيارات في المنطقة مازال يقدم فرصا كثيرة لأسباب عدة أهمها:
- ـ التأجير يسمح للشركات في تخفيض النفقات والتركيز على إدارة حصيفة لرأس المال.
- ـ الاستغناء عن تمويل البنوك في هذا الصدد، والسعي للحصول على قروض لنشاطات أخرى تؤمن التدفقات النقدية المستقرة.
- ـ تتجه اليوم الكثير من شركات التأجير الصغيرة إلى الاندماجات، وتعد مجموعة سامبا المالية على سبيل المثال مع عدد من المكاتب الاستشارية في السعودية دراسة لدمج عدد من شركات التأجير لتشكيل قوة في السوق.
وفي الختام، تعتبر «سبائك» أن الأسواق الناشئة مثل الصين والبرازيل ودول مجلس التعاون الخليجي تقدم فرصا لنمو صناعة تأجير السيارات أكثر من الدول المتقدمة، فبطبيعة الحال تشكل هذه الأسواق أبرز أركان اقتصاد المستقبل.