في مقالي السابق في جريدة «الأنباء» «تمويل المغامر» تحدثت عن فكرة استثمار الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في المشاريع ذات الإمكانية العالية للنمو بطريقة غير مباشرة، أي عبر مشاركة الصندوق شركات الاستثمار الخاصة التي تقوم بدورها في الاستثمار بالمشاريع. وسأسمي هذا البرنامج «تمويل المشاريع المغامرة»، لتمييزها عن تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
فقد ثبت نجاح هذا النظام في الدول الأخرى وأثارت الفكرة تفاعلا محليا وعدة تساؤلات، ومن خلال متابعتي لردود الفعل، أردت التوضيح والرد على بعض التساؤلات والمخاوف.
الملخص الأول لردود الفعل يتمحور حول مشكلة الثقة.
هناك تخوف من استخدام شركات الاستثمار الدعم الحكومي لغير الاستثمار في المشاريع. ولكن فكرة برنامج «تمويل المشاريع المغامرة» المطروح هو شراكة الصندوق مع شركات الاستثمار الخاصة وليس الاستثمار بها بمبالغ معينة، وتتم شراكتها في المشاريع بعد، لا قبل، ان تستثمر شركة الاستثمار في المشروع.
التخوف الآخر هو ان يؤدي هذا البرنامج الى مشكلة الواسطة حيث يستثمر أصحاب الشركات بمشاريع معارفهم فقط. ولكن وجود مثل هذا البرنامج يقلل من خطورة الواسطة، حيث ان هدف الشركات الخاصة هو تحقيق الأرباح، وهم يساهمون في أموالهم الخاصة، وبالتالي من الصعب الا تستثمر بمشاريع تحقق ربحية لهم، بعكس الاستثمار الحكومي الذي يعتمد على أموال عامة فقط، فإن البرنامج المطروح يؤدي الى توافق المصالح بين المبادر وشركة الاستثمار والصندوق حيث ان الربح مشترك. كما ان برنامج «تمويل المشاريع المغامرة» يعتبر وسيلة إضافية! وليست وحيدة لتمويل المبادرين، فتنوع أساليب التمويل تفتح الفرص لعدد أكبر من المبادرين، ويقلل من سيطرة جهة واحدة على التمويل.
هناك تخوف آخر عن كيفية محاسبة شركات الاستثمار التي تستخدم أموال الشعب، لاسيما أن هناك مخاطرة كبيرة في استثماراتها.
طبيعة المشاريع الناشئة ذات امكانية للنمو انها ذات مخاطرة كبيرة ولذلك تسمى الشركات التي تستثمر بها رأس المال «المغامر». فعلى سبيل المثال، ٩٥% من المشاريع المدعومة تفشل، لكن المشاريع التي تنجح تحقق نجاحا مبهرا، بالتالي يجب تقبل الفشل الكثير لتحقيق النجاح الكبير. وان كنا نشجع المبادرين على المخاطرة، فكيف لا نخاطر في الاستثمار؟. بل ان برنامج «تمويل المشاريع المغامرة» المطروح يقلل من نسبة المخاطرة في الأموال العامة من خلال مشاركة الشركات الخاصة في جزء من مبلغ الاستثمار، بدلا من استثمار الحكومة بالمبلغ الكامل. وينبغي التأكيد ان آلية هذا البرنامج تعتمد على تحرير عقود تحدد اهدافا يجب على المبادر ان يحققها، وفي حال عدم نجاحه في تحقيق الأهداف المتفق عليها، تنتقل ملكية المشروع لشركة رأس مال المغامر لإدارتها ومحاولة احياء المشروع، حيث ان من صالح شركة الاستثمار نجاح المشروع، بدلا من انتقالها لمؤسسة حكومية وموظف ليس له حافز بإحياء المشروع، وبهذا الصدد يكون نجاح المبادر من نجاح الشركة والصندوق، ولكن فشل المبادر لا يؤدي الى فشل المشروع والصندوق. وهنا يجب التوضيح ان تمويل المشاريع الناشئة يكون بمقابل حصة من المشروع، وليس عن طريق دين، فإن المبادرين في الدول الأخرى يقبلون إعطاء حصة كبيرة من مشروعهم لشركات رأس مال المغامر. والسؤال هو لماذا يقبل المبادر بمثل هذا التمويل؟
هناك ثلاثة أسباب أساسية: الأول ان تلك المشاريع تتطلب أموالا كبيرة لا يمكن للمبادر الحصول عليها من جهات أخرى، والثاني هو رغبة المبادر في الاستفادة من خبرات وإمكانيات العاملين في شركات الاستثمار، والثالث ان طبيعة تلك المشاريع تدفع المبادر لأن يتخلى عن نسب كبيرة من مشروعه لإيمانه بأن المشروع سيحقق نجاحا كبيرا. فإن امتلاك ٣٠% من مشروع يشترى بـ١٠٠ مليون أفضل من امتلاك 100% من مشروع صغير يبقى صغيرا.
الملخص الثاني لردود الفعل على المقترح يتمحور حول انه لا توجد شركات استثمار خاصة قادرة على تنفيذ المقترح، فأقول ان خطوة الألف ميل تبدأ بخطوة. كما ذكرت في المقال السابق، في السنوات الأخيرة ازدادت شركات رأس مال المغامر مثل ارزان وفيث كابيتال. كما انه من المتوقع تزايد تلك الشركات فإن تقرير «McKinsey» تقدر ان عدد المستثمرين في رأس مال المغامر في الدول العربية ازداد بنسبة ١٥١١% من سنة ٢٠٠٨ الى ٢٠١٦، كما تضاعف عدد الاستثمارات في المشاريع المغامرة في تلك الفترة. وجزء من تحقيق المقترح، انه يجب على شركات الاستثمار الخاصة التقديم على طلب المشاركة مع الصندوق الوطني للمشاريع الصغيرة، وعليه يقوم الصندوق بوضع أسس لتقييم الشركات، من خلال، على سبيل المثال: عدد الاستثمارات، نوع المشاريع، أرباح الاستثمارات، مميزات وتخصصات أصحاب الشركات الاستثمارية. ومن بعدها تتم مراقبتها ومحاسبتها كل خمس الى سبع سنوات.
وقد واجهت سنغافورة نفس الصعوبة عند بداية تجربتها لخلق نفس هذا البرنامج، فاتبعت أسلوب التعاون مع شركات رأس مال المغامر العالمية من خلال استثمار الحكومة 85% من رأس مال المشروع بعد ان تستثمر الشركات الأجنبية 15% من رأس مال المشروع، واستطاع هذا الاسلوب ان يشجع الاستثمار الأجنبي ويساعد المشاريع المحلية، واستفادت سنغافورة من الخبرات العالمية.
وباعتقادي ان هذا النظام ملائم لرؤية الكويت لعام 2035 والتي تهدف للتحول الى مركز إقليمي رائد مالي وتجاري، ومع توجهات وزارة التجارة الحديثة التي تهدف لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر بالشركات المحلية. كما ان برنامج «تمويل المشاريع المغامرة» من خلال التعاون مع شركات الاستثمار الأجنبية قد يكون ملائما أكثر مع الكفاءات المحلية في الصندوق الوطني للمشاريع الصغيرة، فإن معظم المؤسسات الحكومية في الكويت كالهيئة العامة للاستثمار تتبع أسلوبا مشابها، أي تقييم الموظفين لشركات استثمار عالمية واختيارها لاستثمار الحكومة بتلك الشركات، بدلا من استثمار الحكومة المباشر.
في الختام، برنامج «تمويل المشاريع المغامرة» يهدف الى خلق فرص خيارات مختلفة لتمويل وتشجيع المبادرين، والقصد ليس ان يكون هو الجهة الوحيدة. كما ان هذا البرنامج لا يناسب المشاريع الصغيرة التي تبقى صغيرة، ولكنه يساعد على تشجيع مشاريع «مغامرة» وإعطاء خيار جديد للمبادرين.
alabdulj@
د.نواف العبدالجادر - دكتور ريادة أعمال في جامعة الكويت