قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني إن المخاوف بشأن الاقتصاد العالمي واصلت تأثيرها على أسعار النفط، إذ انخفض سعر مزيج خام برنت - المعيار العالمي لتسعير النفط - بنسبة 7.3% في أغسطس لينهي تداولات الشهر عند مستوى 60.4 دولارا للبرميل فيما يعد أكبر انخفاض شهري منذ تراجعه بنسبة 11.4% خلال مايو الماضي.
ومنذ ذلك الحين شهد النفط مزيدا من التراجع ليبلغ حوالي 58.3 دولارا للبرميل في 3 سبتمبر، كما انخفض المؤشر القياسي لأسعار الخام الأميركي، خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 6% في أغسطس ليصل إلى 55.1 دولارا للبرميل. وعلى الرغم من تعافي برنت بنسبة 8% منذ بداية العام الحالي، إلا انه فقد 22% تقريبا مقارنة بذروة أسعاره خلال شهر أبريل 2019.
وقد أدى لجوء الإدارة الأميركية الحالية لاتخاذ إجراءات حمائية والدخول في جولات متواصلة من تصعيد الرسوم الجمركية المتبادلة مع الصين في الضغط على آفاق نمو الاقتصاد العالمي إلى حد كبير، هذا بالإضافة إلى التأثير السلبي على الطلب على النفط، مما أدى إلى تراجع الأسعار.
وخاصة مع الخطوة الانتقامية الأخيرة التي اتخذتها الصين في فرضها رسوما جمركية تصل إلى 10% على واردات أميركية بقيمة 75 مليار دولار بما فيها النفط وحبوب وزيت فول الصويا (5%). وكانت الصين أكبر مستورد للنفط الأميركي خلال النصف الأول من العام 2018 حيث وصلت وارداتها إلى حوالي 376 ألف برميل يوميا في المتوسط إلا أنها قلصت وارداتها النفطية منذ ذلك الحين بأكثر من 60% خلال العام 2019 في ظل تصاعد وتيرة الحرب التجارية.
وعلى خلفية ضعف آفاق الاقتصاد العالمي، قامت الوكالة الدولية للطاقة بخفض توقعاتها لحجم نمو الطلب العالمي على النفط للعام 2019 للمرة الثالثة هذا العام في أغسطس، بواقع 100 ألف برميل يوميا ليصل هذا التخفيض إلى 1.1 مليون برميل يوميا. إلا أنه على الرغم من ذلك، فإنه من المتوقع أن تتسارع وتيرة نمو الطلب خلال النصف الثاني من العام 2019 بدعم من ارتفاع استهلاك البنزين ووقود الطائرات وزيادة إنتاج البتروكيماويات.
وعلى الرغم من التوقعات الإيجابية التي تشير إلى ارتفاع الطلب على النفط والذي يعد دافعا لارتفاع الأسعار إلا أن الرؤية المستقبلية تزداد تعقيدا في ظل استمرار تراكم المخزونات العالمية وارتفاع إنتاج النفط الصخري الأميركي.
وقد ارتفعت مخزونات النفط التجارية التابعة لبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) خلال شهر يونيو وخلافا لموسمها المعتاد لتصل إلى 2.961 مليون برميل أي بزيادة قدرها 66.9 مليون برميل يوميا عن متوسط المخزون خلال نفس الشهر طوال الخمس سنوات الماضية.
ويعد خفض مخزونات النفط العالمية أحد الأهداف الرئيسية التي تسعى منظمة الأوپيك وحلفائها إلى تحقيقها، خاصة بعد ثلاثة أشهر متتالية من ارتفاع المخزونات. وفي ذات الوقت، يواصل إنتاج النفط الأميركي تحطيم أرقام قياسية جديدة. ففي أواخر شهر أغسطس، وصل الإنتاج إلى 12.5 مليون برميل يوميا على خلفية نمو الإنتاج بواقع 800 ألف برميل يوميا في العام 2019 فقط.
وقد أدى ارتفاع إنتاج الخام الأميركي في زيادة تعقيد الوضع بالنسبة لمنظمة الأوپيك وحلفائها، نظرا لأن تلك الزيادة تعوض حوالي نصف إجمالي ما تم خفضه من الإنتاج (1.7 مليون برميل يوميا) والذي قامت منظمة الأوبك بتقليصه في إطار اتفاقية فيينا لخفض الإنتاج التي دخلت حيز التنفيذ في يناير الماضي.
كما حدث ذلك على الرغم من تحقيق الأوبك وحلفائها لمعدلات التزام وصلت الى 141% في يوليو، حيث انخفض إنتاج الأوپيك إلى أدنى مستوياته المسجلة في خمسة أعوام وبلغ 29.6 مليون برميل يوميا نتيجة للتخفيضات الشديدة للإنتاج خاصة في السعودية، وكذلك في أنغولا والكويت بالإضافة إلى استمرار التراجع القسري لإنتاج إيران وفنزويلا نتيجة للعقوبات.
وفي ظل ضبابية أوضاع العرض، يبدو أنه لن تتمكن أسعار النفط من استعادة بريقها مرة أخرى إن لم تحرز المحادثات التجارية الصينية الأميركية بعض التقدم في المدى المنظور.