- القطاع العقاري يتطلب البيانات والمعلومات التي تدعم المستثمر في بناء قراراته
- ارتفاع أسعار الأراضي في بعض المواقع المميزة كان سمة بارزة في السنوات الأخيرة
- حجم البيوت الكبيرة يستنزف الموارد والطاقة ويدفع التوسع العمراني إلى مرحلة الخطر
- تعزيز مشاركة القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية عبر قانون الشراكة
- الكويت تملك أساسيات ديموغرافية ومالية تدعم تطوير المشاريع الضخمة
نظم بنك الخليج جلسة حوارية لمناقشة وضع سوق العقار في الكويت وآخر مستجداته، وذلك بمشاركة نخبة من كبار التنفيذيين في الشركات العقارية الكويتية والمختصين في القطاع العقاري والجهات الحكومية والنفع العام ذات العلاقة، وذلك انطلاقا من حرص البنك على تبادل الخبرات والتجارب بين المختصين وأصحاب القرار بما يثري بيئة الأعمال ويعود بالنفع على الجميع.
وناقش الحضور عدة مواضيع متعلقة بالسوق العقاري وأبرز الفرص والتحديات التي تواجه القطاع.
وشارك في الجلسة الحوارية كل من: مدير عام بلدية الكويت م.أحمد المنفوحي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة التنمية العقارية م.أسامة بوخمسين، نائب الرئيس التنفيذي للمركز المالي الكويتي بسام العثمان، رئيس مجلس الإدارة اتحاد العقاريين توفيق الجراح، نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة الأرجان العالمية العقارية خالد المشعان، الخبير عقاري في مركز الدليجان سليمان الدليجان، الرئيس التنفيذي لشركة أجيال العقارية عبدالعزيز الخترش، مدير عام هيئة الصناعة عبدالكريم تقي، نائب الرئيس التنفيذي للمشاريع في وفرة العقارية م.محمد الزمامي، ورئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية الكويتية مهند الصانع.
تطورات السوق العقاري
وقال المشاركون في الجلسة ان القطاع العقاري في الكويت يعتبر قطاعا صحيا مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي، وذلك بسبب عدم توسع القطاع بين عامي 2013 و2016، وبالتالي فإن المعروض يعتبر تحت السيطرة.
ورغم السيطرة على المعروض، إلا أن هناك جملة من العوامل التي أثرت على نشاط وحجم الصفقات والتداولات في بعض قطاعاته، وكان التراجع ملحوظا في أسعار القطاع الاستثماري على وجه الخصوص، الذي تراجع في كل الأرباع المالية لعام 2018، بنسب تتراوح بين 0.3% و0.5%، ليسجل مع بداية العام الحالي وتحديدا في الربع الأول تراجعا بنسبة 0.3% مقارنة بالفترة المماثلة من 2018. واثر تراجع أسعار العقار الاستثماري على حركة التداولات التي تراجعت بدورها 16.2% في الربع الأول من العام الحالي، لتشهد بعدها نموا طفيفا في الربع الثاني بنسبة 1.5%، ولتعاود الهبوط 25.7% في الربع الثالث من العام الحالي على أساس سنوي.
«السكني» و«التجاري»
وتشير الأرقام إلى أن وضع القطاعين السكني والتجاري من حيث الأسعار والتداولات يأتي أفضل من القطاع الاستثماري، فرغم ارتفاع معدلات تداول السكني والتجاري 47% و57% على التوالي في الربع الأول من العام الحالي، إلا أن ارتفاع الأسعار في القطاعين بلغ 0.2% و0.1% على التوالي في الفترة المذكورة.
قيمة الأراضي
وشهدت قيمة الأراضي في الكويت ارتفاعات ملحوظة في بعض المواقع النادرة والمميزة، فبين عامي 2015 و2016، كان متوسط سعر المتر بالعقار الاستثماري في العاصمة بحدود 800 دينار، أما حاليا فهو بحدود 1400 و1500 دينار. ورغم ارتفاع الأسعار، لاتزال بعض الشركات العقارية العائلية لها حصتها المؤثرة من تداولات العقار الاستثماري والتجاري، علما بأن عدد الأراضي الاستثمارية الخالية يتراوح بين 1200 و1300 أرض فقط بعد التوسع الكبير الذي شهدته الكويت قبل عام 2013 والذي جاء استجابة لقلة المعروض.
أما الجانب السكني فقد كان سعر المتر في محافظة مبارك الكبير بحدود 400 دينار بين عامي 2015 و2016، أما اليوم فهو بحدود 600 دينار تقريبا. ويأتي ارتفاع سعر الأراضي في القطاع السكني رغم تغييب دور الشركات العقارية بموجب قانون (28/9)، الذي يمنعها من التملك، ما دفع بعضها نحو الاستثمار في هذا المجال بدول الخليج وأوروبا.
أما العقار الصناعي فيختلف المشهد فيه نوعا ما، فهو يشهد طلبا متناميا على المخازن والأراضي الصناعية بشكل عام. فيما تظهر البيانات المتاحة حاليا ارتفاع أسعار قطاعي الخدمي والحرفي، ولكن هذا الارتفاع غير مدفوع من قبل أصحاب الصناعة، بل من متداولين يتحكمون بالعرض وسعره، والمستفيد هو تاجر العقار الذي يبحث عن النفع المادي السريع، وذلك بسبب عدم وجود قانون تملك في هذا القطاع. كما تعاني العقارات التي تستهدف قطاع التجزئة والمطاعم، في الوقت الحاضر بسبب ضعف الطلب بالنظر ربما إلى ارتفاع أسعار الإيجارات، ولن يعود الطلب على المعروض في هذه الشريحة إلا إذا انخفضت الإيجارات.
المشروعات الضخمة
وأوضح الحضور في الجلسة أن أسعار بعض الأراضي تشهد ارتفاعا ملحوظا في الوقت الذي تعتبر فيه البلاد الأقل إنفاقا بين دول مجلس التعاون الخليجي على المبادرات الضخمة مثل تطوير الواجهة البحرية، والشويخ الصناعية، ومنطقة الشاليهات، ومشروع سكن العمال، أو ما يسمى بالمجتمعات المغلقة (Gated community) وغيرها من المشاريع الكبيرة كالمدن الصناعية.
وفيما تتوجه الدول المجاورة إلى تطوير «المشروعات الضخمة» (Mega Projects) التي حقق العديد منها نجاحا، لم تواكب الكويت هذا التوجه رغم ما تملكه من أساسيات ديموغرافية ومالية تدعم تطوير مثل هذه المشاريع بما يعود بالمنفعة على الشركات التي تشارك فيها، فضلا عن فئات المجتمع التي تستهدفها.
وبناء على ذلك، يحتاج القطاع اليوم إلى طرح مناطق سكنية واستثمارية وتجارية جديدة من قبل الحكومة التي تعتبر المالك الرئيسي للأراضي، وذلك لتعديل هيكلية التداول العقاري بالكويت، رغم مساعي الهيئة العامة للإسكان إلى طرح مشاريع عقارية كبرى مثل المولات والمكاتب والسكن الاستثماري في مشروع مدينة جابر الأحمد ومدينة صباح الأحمد السكنية والمدن السكنية الجديدة مثل جنوب سعد العبدالله وفق نظام الشراكة.
تعزيز الشفافية
ورأى المشاركون في الجلسة أنه لايزال توفير المعلومات المطلوبة عن العقار بكافة أشكاله معضلة يعاني منها السوق، فالقطاع يعتمد على بيانات تجمعها مختلف الجهات الحكومية عند تسجيل وتداول العقارات. واللامركزية هذه تحد من إمكانية إصدار دراسات معمقة فيما يخص التطلعات المستقبلية والفرص التي قد يوفرها هذا القطاع.
وتفتقد الشركات العقارية إلى وجود جهة يكون الغرض منها تجميع كافة البيانات الخاصة بالقطاع من السوق، وتوفيرها لجميع المستثمرين من الشركات والأفراد الباحثين عن استثمار رؤوس أموالهم في الكويت، فهذه البيانات تعتمد عليها الشركات العقارية في إعداد الدراسات لوضع منهجية واضحة تحقق أهداف المستثمر وكذلك ازدهار القطاع، كما تحميهم بدورها من الفشل في التطوير العقاري.
وتعتبر تعزيز الشفافية من أسس النهوض بأي قطاع حيوي، وبالتالي فإن تفويض جهة مستقلة قادرة على توفير البيانات اللازمة عن القطاع، وتعمل على تنظيمه من خلال وضع الأطر والحلول المناسبة للنهوض به، سيساهم في رفع مستوى الشفافية بالقطاع. وعندما تتعزز الشفافية يرتفع مستوى تدفق رؤوس الأموال، لأن المستثمر ينظر قبل الدخول في أي استثمارات إلى البيانات والمعلومات المتوافرة عن أي استثمار يرغب بالدخول فيه. ومن الحلول التي يجب تنظيمها تحت إشراف هذه الجهة هو إتاحة الفرصة لاستثمار الأراضي ووضع معايير وقوانين واضحة للمطورين العقاريين، وخلق توازن بين العرض والطلب.
تحديات تنظيمية
وفي ظل ما يشهده القطاع العقاري المحلي من ضعف وانخفاض ملحوظ في النشاط والحاجة إلى خلق بيئة أكثر شفافية، تنظمها قوانين ورؤية واضحة ومعايير بناء وتمدين تساهم في تعزيز دوره على المدى الطويل، وتشجع على استقطاب الاستثمارات، يبرز القطاع الخاص كأحد الحلول الرئيسية لتلبية متطلبات الصناعة والنهوض بمستواها في ظل النقص الذي تشهده الكويت على مستوى جودة التطوير العقاري.
ويواجه مطورو العقار العديد من العقبات في السوق، من بينها تباين الأرقام وعدم تطابقها مع البيانات والقوانين التي يعمل بها العقار، فالبعض منها يشير إلى أن قطاع السكن الخاص يستقطب 50% من إجمالي التداول في القطاع العقاري على الرغم من أن الكويت تشهد أزمة إسكانية ملحة ينتج عنها بدلات إيجارات فاقت الملياري دينار خلال السنوات الـ 5 الأخيرة. أما شركات التطوير العقاري فهي مغيبة عن لعب دور لإيجاد حل للأزمة التي يعيشها القطاع، رغم الإمكانيات التي تتمتع بها والمتمثلة في تطويرها مشروعات خارج الكويت.
تحديات وفرص
وناقش الحضور خلال هذه الجلسة الوضع الحالي لسوق العقار المحلي، وحددوا أهم الفرص والتحديات التي تواجه القطاع والمتمثلة بالآتي:
1 ـ يعاني قطاع العقار السكني في الكويت من مشكلة حجم البيوت الكبيرة الذي يستنزف الموارد والطاقة والبنية التحتية، ويدفع التوسع العمراني إلى مرحلة الخطر، ويكمن الحل في تجزئة العقار وخلق مدن جديدة وبنسب بناء منخفضة. وبالتالي تحتاج القرارات الخاصة بحجم البيوت إلى المراجعة.
2 ـ الصناديق العقارية المدرة للدخل REITs التي تم طرحها مؤخرا في بورصة الكويت تعتبر أداة تساهم في تعزيز الاستثمارات المحلية والعالمية بهذا القطاع في الكويت، وتخلق بيئة أوضح وموثوقة، وهي منتج جديد للمستثمر الصغير تعد بتوزيعات ثابتة، ويتوقع أن تستقطب رؤوس أموال جديدة للسوق. وبالتالي تحتاج هذه الصناديق العقارية إلى تعزيز دورها كأداة استثمارية جديدة في السوق.
3 ـ يغيب عن السوق الرهن العقاري الذي يعتبر من أساسيات بناء القطاع الخاص وتطوير قطاع السكن الخاص، كما إن إقراره سيساعد في حل المشكلة الإسكانية.
4 ـ إصدار قوانين جديدة قادرة على استقطاب الأموال الكويتية بدل هروبها، وإشراك القطاع الخاص في توفير حلول للأزمة الإسكانية.
5 ـ تعزيز مشاركة القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية عبر قانون الشراكة.
6 ـ توفير البيانات والدراسات الخاصة بالسوق لمساعدة المستثمر على اتخاذ قراراته الاستثمارية.
قيمة الأرض تمثل 60 إلى 70% من الاستثمار
أوضح المشاركون في الجلسة الحوارية أن قيمة الأرض تمثل نحو 60% إلى 70% من قيمة الاستثمار الإجمالي للعقار، في حين أن النسبة المجدية اقتصاديا لتطوير عقار ينبغي أن تساوي 20% من قيمة الاستثمار.
ويعود سبب ارتفاع القيمة إلى احتكار الأراضي أولا، وإلى مشاكل طالت القطاع منذ أكثر من 50 عاما ثانيا، من ضمنها شبكة الطرق، والبنية التحتية، التي باتت تحتاج إلى الاستثمار فيها بشكل أكبر وأوسع، وذلك عبر طرح مشاريع بنية تحتية للمناطق الجديدة وفق قانون الشراكة.
علاوة على ذلك، من المهم الأخذ بالاعتبار الجانب التجاري والجدوى الاقتصادية في التطوير العقاري، والتي في وضعها اليوم لا تدعم الوصول إلى القيمة العادلة في أسعار العقارات بسبب الاحتكار وانعدام التنظيم، حيث يجب على الجهات الحكومية تقبل فكرة أن القطاع العقاري سيبدأ بالتنظيم تلقائيا عند معالجة الخلل الأساسي وهو نقص الدعم والمحفزات للقطاع الخاص ونقص في معايير البناء، أو ما يسمى بالـ «كود» على مستوى السكن الخاص وغيرها، ولابد من النظر إلى أهمية إيجاد خطة واضحة توفر حلولا لقضية تخطيط الأراضي.