بقلم: المستشار د.محمد عيد المطيري
ظهرت خلال الفترة الماضية حالة من الجدل حول طلب وزارة المالية بتحويل الأرباح المحتجزة لدى مؤسسة البترول الكويتية على مدار السنوات الماضية الى الخزانة العامة للدولة، وذلك لاستخدامها في تغطية العجز المالي المتزايد بالميزانية نتيجة هبوط أسعار النفط، وبالتالي انخفاض الايرادات العامة للدولة، بالاضافة الى التأثيرات السلبية لأزمة كورونا على الاقتصادات العالمية.
ووفقا لمراسيم إنشاء العديد من الجهات المستقلة في الكويت، نجد ان بعض الجهات لم تلتزم بتوريد جزء من الارباح السنوية لها الى الاحتياطي العام للدولة، حيث ان القانون ينص على توريد الأرباح المحتجزة الى الخزانة العامة بعد استقطاع النسبة المقررة لها سنويا، وهي 10% فقط، ولم تترك الصلاحية مطلبة لمجلس إدارة تلك الهيئات أو المؤسسات، بل قيدتها بأخذ الموافقة المسبقة من المجلس الذي تتبعه.
وبين مؤيد ومعارض لهذه الأمر، لابد من الرجوع إلى نصوص قوانين إنشاء الجهات المستقلة بالكويت، حيث سنتحدث عن هذا الأمر بشيء من التفصيل والتوضيح فيما يلي:
1 - الهيئة العامة للصناعة
قانون رقم 56 لسنة 1996 في شأن إصدار قانون هيئة الصناعة رقم 56/1996، ووفقا لنص المادة 38 التي تنص على أن الموارد المالية للهيئة تتكون مما يلي:
٭ رسوم وأجور الخدمات التي تقدمها الهيئة للغير ومقابل الانتفاع بالقسائم الصناعية والحرفية ومواقع الخدمات.
٭ الرسوم الخاصة بإقامة تراخيص المنشآت الحرف الصناعية.
٭ ما تحققه الهيئة من إدارة وتشغيل المناطق والمنشأة الصناعية والحرفية التي تساهم في إنشائها.
٭ أي موارد أخرى يوافق عليها وزير التجارة والصناعة بناء على اقتراح مجلس الإدارة.
ويؤول فائض الإيرادات التي تحققها الهيئة في أي سنة مالية الى الخزانة العامة للدولة، وذلك بعد اقتطاع ما يقرره مجلس الوزراء من صافي الارباح التشغيلية بناء على اقتراح مجلس ادارة الهيئة لتكوين احتياطيات لإنشاء مشروعات جديدة او دعم مشروعات قائمة بحد ادنى 10% سنويا، ويتم تغطية زيادة المصروفات على الايرادات، ان وجدت بقرض من وزارة المالية.
2 ـ مؤسسة البترول الكويتية
قانون إنشاء المؤسسة العامة للبترول مادة 12، وفقا للقانون رقم 6 لسنة 1980 ينص على «اقتطاع نسبة 10% من الأرباح الصافية تخصص لحساب الاحتياطي الإجباري، على ان يوقف الاقتطاع اذا بلغ هذا الاحتياطي نصف رأسمال المؤسسة، كما تقتطع نسبة 10% اخرى من هذه الارباح لتكوين احتياطي عام، ويجوز تعديل هذه النسبة بقرار من المجلس الأعلى للبترول سواء بالزيادة او النقصان، اما باقي الارباح الصافية فإنها تؤدي الى الخزانة العامة للدولة».
3 ـ الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات
قانون إنشاء الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات مادة 12، وفقا للقانون رقم 37 لسنة 2014 تنص على: مع مراعاة احكام المادة 12 من القانون، يدخل في ايرادات الهيئة ما يلي:
أ ـ ما يحدده مجلس ادارة الهيئة من مقابل الصلح في اي مخالفة احكام قانون انشاء الهيئة باستثناء المنصوص عليها في المواد 67 حتى 80 من القانون قبل احالتها الى المحكمة المختصة وذلك بما لا يقل عن مثلي الغرامة المقررة في القانون.
ب ـ ما تحصله الهيئة من غرامات مالية او تعويضات وفقا للقانون.
ج ـ قيمة ما يقضى به من تعويض للهيئة مقابل ما فاتها من رسوم عن الانتفاع بالخدمات المادتين 74 و75 من القانون دون ترخيص.
د ـ ما يحدده مجلس الوزراء من موارد.
هـ ـ الهبات والتبرعات التي يوافق عليها مجلس الوزراء بناء على اقتراح مجلس ادارة الهيئة.
4 - مؤسسة الموانئ الكويتية
قانون إنشاء المؤسسة العامة للموانئ مادة 15، وفقا للقانون رقم 133 لسنة 1977 تنص على: «يؤول صافي ارباح المؤسسة سنويا الى الخزانة العامة للدولة بعد اقتطاع ما يقره مجلس الوزراء بناء على اقتراح مجلس ادارتها لتكوين احتياطي لها او لإنشاء مشروعات جديدة او دعم المشروعات القائمة».
5 ـ الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية
المرسوم رقم 157/2003 نقل اختصاصات رئيس مجلس الوزراء المنصوص عليها في القانون رقم 25 لسنة 1974 بإعادة تنظيم الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية الى وزير الخارجية، وفقا لنص المادة 30 يجوز بقرار من مجلس الادارة تحويل مبالغ من حساب الاحتياطي العام لأي حساب احتياطي آخر يقرر مجلس الادارة إنشاءه، وايضا وفقا لنص المادة 31 لرئيس مجلس الوزراء ان يفوض وزير المالية في كل اختصاصاته المبينة في هذا النظام او في بعضها.
6 ـ بنك الائتمان
بنك الائتمان الكويتي مؤسسة عامة ذات شخصية معنوية مستقلة تحت إشراف وزير الدولة لشؤون الإسكان طبقا للمرسوم رقم 81 لسنة 2007.
7 ـ بنك الكويت المركزي
قانون رقم 32 لسنة 1968 في شأن النقد وبنك الكويت المركزي والمهنة المصرفية 32/1968، يتم التصرف في صافي ارباح البنك على النحو التالي: يضاف صافي ارباح البنك الى صندوق الاحتياطي العام الى ان يبلغ رصيده خمسة وعشرين مليون دينار كويتي ويجوز زيادة رصيد صندوق الاحتياطي العام على هذا الحد بقرار من مجلس ادارة البنك المركزي بعد موافقة وزير المالية (تم استبدال هذه الفقرة بموجب المرسوم بالقانون رقم 130 لسنة 1977 مادة أولى).
توريد الأرباح المحتجزة
وفي ضوء هذه النصوص القانونية، نجد انها جميعا تنص على توريد الارباح المحتجزة الى الخزانة العامة للدولة بعد استقطاع النسبة المقررة لها سنويا وهي 10% فقط، ولم تترك الصلاحية مطلقة لمجلس ادارة الهيئات والمؤسسات، بل قيدتها بأخذ الموافقة المسبقة من المجلس الذي تتبعه الهيئة او المؤسسة اذا عرضت الاسباب كما حصل مع مؤسسة البترول عند رغبتها الاقتراض، وموافقة مجلس الوزراء على ذلك، وفقا للخبر المنشور بجريدة «الأنباء» بتاريخ 24/4/2019، وسنشير اليه لاحقا، كما سنوضح السلطة المسؤولة عن اعتماد نسبة الارباح التي تؤول الى الخزانة العامة للدولة لبعض الجهات المستقلة وهي كالآتي:
٭ الهيئة العامة للصناعة (وزير التجارة ـ رئيس مجلس الادارة).
٭ مؤسسة البترول الكويتية (مجلس الاعلى للبترول).
٭ الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات (مجلس الوزراء).
٭ مؤسسة الموانئ الكويتية (وزير المواصلات ـ رئيس مجلس الادارة).
٭ الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية (وزير الخارجية ـ رئيس مجلس الادارة).
٭ بنك الائتمان (وزير الاسكان ـ رئيس مجلس الادارة).
٭ بنك الكويت المركزي (وزير المالية).
مؤسسة البترول
ونجد هنا مؤسسة البترول قطعت شوطا كبيرا في الحصول على تصنيف انتمائي من قبل وكالات التصنيف، وأن مجلس الوزراء وافق على قيام المؤسسة بالاقتراض من المؤسسات المالية المختلفة لتمويل برامجها الاستثمارية خلال السنوات المالية الخمس المقبلة، وان حجم الاموال التي تحتاج اليها (البترول) يقدر بـ 16 مليار دينار وفقا لأربعة خيارات هي:
1 - الاقتراض الدينار الكويتي (بنوك محلية).
2 - اقتراض بالدولار الاميركي (بنوك تجارية).
3 - اقتراض بالدولار الاميركي (من خلال طرح سندات).
4 - اقتراض من قبل وكالات ائتمان الصادرات، حيث قطعت مؤسسة البترول شوطا كبيرا في الحصول على التصنيف الائتماني والذي يتوقع ان يكون قريبا من تصنيف الكويت السيادي الحالي عند AA، كما ان آلية التمويل ستكون 30% تمويلا ذاتيا و70% تمويلا خارجيا بالتعاون مع مستشار مالي متخصص توضح ان الهيكل التمويلي الامثل للمؤسسة يلبي احتياجاتها التمويلية من دون اللجوء الى تسييل محافظها المالية بالكامل من حيث تأثيره في بيان التدفقات النقدية للمؤسسة، وكذلك قدرة المؤسسة على خدمة الدين ومدى جاذبية هيكلها التمويلي للبنوك الممولة لتمثل نسبة التمويل الذاتي الى الاقتراض 70% الى 80%.. وتنحصر أهمية التمويل الخارجي لمشاريع البترول بالنشاط التشغيلي، وفقا لما يلي:
1 - تحسين الجدوى الاقتصادية للمشاريع.
2 - اقتناص الفرص المتاحة في الاسواق المصرفية العالمية من انخفاض كلفة الاقتراض الخارجي بأقل تكلفة.
3 - تكلفة الاقتراض على مؤسسة البترول اقل من العائد المحقق من استثمار الاموال الفائضة لدى المؤسسة، تم نشر هذا الخبر بجريدة «الأنباء» بتاريخ 24/4/2019.
أزمة أرباح «البترول»
وفي ضوء ذلك، فإن مطالبة وزير المالية بتحويل الأرباح المحتجزة لدى مؤسسة البترول الى الوزارة، تستند لصحيح نص قانون إنشاء المؤسسة العامة للبترول وفقا للمادة 12 من القانون رقم 6 لسنة 1980، اما باقي الارباح الصافية فإنها تؤدى الى الخزانة العامة للدولة.
وسنستند الى نفس تقرير ديوان المحاسبة لعام 2018-2019 بشأن استثمارات مؤسسة البترول في محفظة الوزير «MOFF» في نهاية مارس 2019 كما مرفق في الجدول.
أولا: ورد في تقرير ديوان المحاسبة أن محفظة البترول الاستثمارية بنهاية مارس 2019، بلغت نحو 17.18 مليار دولار منها 82% في سندات، و16.5% مستثمرة في أسهم، والنسبة المتبقية 3% في استثمارات بديلة ونقد (سنستبعدها).
ثانيا: في ضوء هبوط/ ارتفاع المحفظة بنفس معدل مؤشرات الأسهم والسندات بسبب تداعيات كورونا على اقتصادات العالم، يتوقع أن تكون قيمة المحفظة في 4 مايو 2020 على الاقل 18.1 مليار دولار بارتفاع حوالي 7%، وذلك بسبب ارتفاع مؤشر السندات نتيجة انخفاض اسعار الفائدة عالميا، وهنا الرقم متحفظ عليه لأنه لا يعكس اسعار سندات الخزينة الاميركية مؤشر «TLT»، الذي ارتفع خلال نفس الفترة بمعدل 32%.
وفيما يلي سنضع هذه الفرضية تحت الفحص والتقييم العلمي والمهني لتأكيد صحتها من عدمها، وهل السندات الاميركية محمية 100%:
1 ـ نظرا لعدم توافر معلومات تفصيلية وتاريخية حول مكونات محفظة (الاسهم والسندات) بالاسم والكمية المستثمر فيها، فإن تحليلي للفرضية السابقة، يرجع الى المقارنة بمؤشر السندات والاسهم العالمية وهو مؤشر اسهم عالمي MSCI World Equity Index، وهو اختيار جيد وكذلك مؤشر سندات «LQD»، لسندات الشركات ذات مستوى استثماري Investment Grade، ذات فترات استحقاق اكثر من 20 سنة واعتقد أن على المعطيات أن المقارنة صحيحة من حيث التحفظ بالأداء لأن مؤشر TLT كان أداؤه أفضل بكثير من مؤشر LQD للشركات.
2 ـ استثمار المؤسسة في أنشطة ذات مخاطر منخفضة، وهو اغلب المحفظة، حيث تبلغ نسبة السندات 82% من الـ 17 مليارا فيما، نسبته 8% (ارتفاع في السندات)، و16.5% (نسبة الاسهم) فيما نسبته 7% (انخفاض في الاسهم) وتم الافتراض باستبعاد رقم الاستثمارات البديلة والنقد لتحصل على القيمة المتوقعة، لكن عندما نجمع النسب الموجودة بالفرضية اعلاه نجد القيمة الاجمالية كالآتي: 82% + 16.5% + 3% = 101.5% وهي غير صحيحة، نجد ان كل المقارنات السابقة مبنية على الافتراضات الموضوعة، لذلك هي صحيحة على ضوء تلك الافتراضات فقط.
3 ـ أما بالنسبة لتأثر الملاءة المالية للمؤسسة لا توجد عندي بيانات مالية تفصيلية تصنيف ائتماني من قبل وكالات التصنيف حتى أتمكن من ان أبدي رأيي بشأنها، اما بشأن تأثير قرار سحب الارباح المحتجزة على المستثمر الأجنبي فليس عندي معلومات ولم أجد اي معلومات تحدد التأثير او نوعه ولم ار اي علاقة بينهم.
4 ـ كما انني لا اتفق نهائيا مع ان تقوم المؤسسات بالخروج عن نظامها الأساسي وتفتح محافظ وتستثمر سواء بالسندات او بغيرها اما بالنسبة للتحويل فأقترح ان يتم تقدير حاجة المؤسسة للسيولة ويبقى في حسابها اما الباقي من ارباح فتتحول الى الخزانة العامة للدولة سواء كانت نقدية او استثمارات ويتم تسييلها بحسب الحاجة بتوجيه مباشر من وزارة المالية والهيئة العامة للاستثمار وبحسب توصية الهيئة لجدولة التسييل وتحقيق الارباح بقرار استثماري ذي جدوى اقتصادية للصندوق.
المعركة المالية بين الصين وأميركا
هي معركة عالمية اقتصادية سياسية، وتوازنات القوى فيها ايضا موزعة، وامكانية الايلام والرد مفتوحة لدى الطرفين، ولكن لاتزال المنظومة الغربية في هذا الموضع تمتلك زمام حركة ومبادرة اعلى، الا ان هدفها اصبح تجنب الخسائر الكبرى، واستباق الازمات والتعامل مع الأمر الواقع الجديد، حيث ان ايقاد ازمة مالية في سوق الأسهم العالمية، قد يؤدي الى خسائر كبرى عالمية للأسواق والشركات عبر العالم وهذا ما حصل الآن بأزمة كورونا، وهذه الخسائر قد تتحول الى مرابح للسندات الاميركية، ولكن هذا لا يعني أن السندات الاميركية في مأمن، بل كل خطوة مؤلمة ستستتبع بردود مؤلمة، اقلها تخفيض الصين لقيمة السندات الاميركية، وتسريعها لفرض التداول بعملتها وبالآليات والأوراق المالية البديلة.
الخلاصة
ختاما، فإن مؤسسة البترول اختارت ان تستغل احتياطياتها في انشطة استثمارية ذات مخاطر منخفضة (سوقيا)، الا أنها لا تخلو من مخاطر الصدمة كما حصل في «صدمة نيكسون» عام 1971، كما نتفق ايضا في أن المؤسسة قد خالفت اغراضها الرئيسية التي نص عليها القانون وان الكتاب والاجراء الذي اتخذه وزير المالية بتحويل الأرباح المحتجزة الى الخزانة العامة للدولة صحيح وعلى سند من صحيح القانون.