على حافة مساحة من الأرض البور مخصصة لإنشاء حي مالي عليها في الشق الآسيوي من مدينة اسطنبول، تتألق في نور الشمس الواجهات الدائرية لخمسة أبراج فندقية ضخمة وراقية ستكون حجر الزاوية لمجمع سكني جديد مترامي الاطراف.
وطالما عزف مشترو العقارات الأجانب ولاسيما من أوروبا عن هذا النوع من مشاريع التطوير العقاري مفضلين الاستثمار في الوحدات السكنية المخصصة لقضاء الاجازات على ساحلي المتوسط وبحر ايجة في تركيا.
لكن ثمة موجة جديدة من المستثمرين الأثرياء من الشرق الأوسط وروسيا تبدي اهتماما متزايدا بالمشاريع العقارية الفاخرة في اسطنبول النابضة بالحياة يحفزهم تخفيف حدة القوانين العقارية والانخفاض النسبي في الأسعار والتقدم الاقتصادي.
في مشروع فارياب ميريديان العقاري تم بيع 92% من الشقق المعروضة للبيع به وعددها 1200 شقة قبل ثلاثة أشهر من اكتمال تنفيذ المشروع واستحوذ الأجانب على 7% من المشتريات.
يقول اردينك فارليباس الرئيس التنفيذي لشركة فارياب المطورة للمشروع «اسطنبول في طريقها لأن تصبح لندن ثانية بالنسبة للعالم العربي».
وتم تعديل القوانين العقارية في تركيا في مايو الماضي بإلغاء قاعدة المعاملة بالمثل التي كانت تسمح للمستثمرين بشراء العقارات في تركيا فقط ان كانت بلادهم تتيح للمواطن التركي الشراء على أراضيها ومن هذه البلاد بريطانيا وألمانيا وهولندا.
وسمح تعديل القانون للحكومة أيضا بمضاعفة مساحات الأراضي التي يحق للأجنبي شراؤها الى 60 هكتارا رغم أن سقف 30 هكتارا لايزال معمولا به حتى الآن.
وحسب «مؤشر أسعار المنازل العالمية» لشركة نايت فرانك سجلت أسعار العقارات في تركيا ثالث أسرع نمو في العالم هذا العام حتى يونيو بعد البرازيل والنمسا محققة قفزة تزيد عن 10% ومتجاوزة روسيا وهونغ كونغ.
ويحفز ارتفاع أسعار العقار التركي والتوقعات بسن قوانين أقل تشددا مع الأجانب طموحات أوساط عقارية تركية ترى أن اسطنبول ستسجل ارتفاعا سريعا يضارع مراكز عقارية راقية جديدة مثل موسكو التي تضاهي أسعار الوحدات الراقية فيها لندن ونيويورك.
وتتوقع الجمعية التركية لشركات الاستثمار العقاري تضاعف مبيعات العقار للأجانب الى أربعة مليارات دولار تقريبا عام 2013 من 2.5 مليار العام الماضي بفضل التعديلات التي ستفتح السوق أمام مستثمري الخليج وروسيا وآسيا الوسطى.
ويقول ايزيك جوكايا رئيس مجلس إدارة المجموعة والذي يقود دعوات الى سن تشريعات تمنح الإقامة لحائزي العقارات الأجانب في البلاد ان مبيعات العقارات السنوية قد تبلغ عتبة العشرة مليارات دولار في المدى المتوسط، لكن صناديق الاستثمار تتوخى الحذر بشكل كبير.
وبينما ترى هذه الصناديق جاذبية العقار التركي فان ارتفاع الأسعار بمعدلات سريعة يزيد خطر حدوث فقاعة في القطاع الفاخر.
ويتراوح عائد ايجارات الشقق الفاخرة بين 3 و4% فقط رغم أن محللين لا يتوقعون انخفاضا حادا في الأسعار لأن تراجع الطلب سوف يحمل المالكين على الاحتفاظ بأصولهم ان بدأت الأسعار في الهبوط وهذا يحد من البيع بأسعار منخفضة لجني سيولة عاجلة.
وشهدت تركيا ارتفاعا في مستوى دخل الفرد اقترب من 300% العقد الماضي أدى لرفع أسعار العقارات بدعم من آليات التمويل العقاري الجديدة والتوسع العمراني وزيادة الطلب على الوحدات الفاخرة المؤمنة ضد الزلازل.
وحسب بيانات شركة كوليرز انترناشيونال تركيا ارتفع متوسط سعر العرض للشقق الفاخرة في اسطنبول بأكثر من مثلين متجاوزا 4500 دولار للمتر المربع نهاية 2011 مقابل أعلى من ألفي دولار عام 2004، لكن تبقى هذه الأسعار منخفضة نسبيا وتعادل خمس متوسط أسعار لندن وهونغ كونغ تقريبا.
وحسب موقع جلوبال بروبرتي جايد المتخصص في أبحاث الاستثمارات العقارية الدولية تأتي اسطنبول في المرتبة الثلاثين على قائمة أغلى مدن العالم من حيث أسعار العقارات.
وفوق تل مشرف على مضيق البوسفور وخط الأفق التاريخي للمدينة يقوم مركز زورلو أحد المشروعات العقارية المتنوعة الأعلى طموحا في اسطنبول، فيضم شققا سكنية ومسرحا بقيمة 300 مليون دولار للعروض الفنية وفندق رافلز الفخم.
ويقول محمد ايفن المدير العام المساعد لشركة زورلو جايريمنكول ان شركته تجري محادثات مع ثلاثة صناديق عقارية دولية لبيع برج سكني من الأبراج الثلاثة للمشروع.
ويعتقد ايفن أنه بينما يصل سعر المتر المربع في الشقق الفاخرة الى 18 ألف دولار قد لا يكون الطلب من المستثمر المؤسسي بالقوة التي يتوقعها مستشارون عقاريون، ويضيف «كثير من مستشاري التطوير العقاري الكبار أو الشركات تجوب تركيا استطلاعا للفرص، لكنهم يركزون الآن على الشراء بأسعار منخفضة، ويقول «مشروعنا غير مناسب لهذا».
ورغم ان تركيا تعد في غالب الأحوال ملاذا آمنا على مستوى المنطقة فان موقعها الى جانب سورية التي يمزقها الصراع يطرح مخاطر في وقت حدت فيه ضبابية الاقتصاد العالمي بالمستثمرين الى التوجس من الأسواق الناشئة الأشد خطرا.
ويقول كريم جن الشريك الاداري بشركة كوليرز انترناشيونال التركية «أرى مستوى معينا من الطلب في السوق لاسيما بسبب اضطرابات الشرق الأوسط، لكني لست متأكدا من امكانية بلوغ المستويات المتوقعة»، ويضيف «هم لايزالون يفترضون أن ثقة السوق كما كانت في السابق دون تغير»، ويواجه الاقتصاد التركي تراجعا.
وتتوقع الحكومة ألا تتمكن من تحقيق نسبة النمو المستهدف لهذا العام وهي 4% بعد نمو اقتصادي بلغ 8.5 % في 2011.
وتراجعت صفقات التمويل العقاري الى أدنى مستوياتها منذ 2009 رغم أن هذا لم يؤثر على تفاؤل السوق بشكل يذكر.
وعكس محللو بوفا ميريل لينش توقعاتهم السلبية التي طالما احتفظوا بها لسوق العقار في تركيا في اغسطس واعتبروا أن تراجع أسعار الفائدة والطلب على المشروعات الجديدة سيساعدان في تعزيز القطاع خلال الاثني عشر شهرا المقبلة.
وذكر جن أن تعديل القانون يسمح للأجانب باستيعاب أي زيادة في العرض في قطاع العقارات الفاخرة.
وأضاف «في شريحة معينة من سوق العقارات السكنية شرائح الدخل المتوسطة الى المرتفعة هناك عرض زائد، وتدفق رؤوس الأموال أحد الحلول للتخلص من هذا الفائض في المدن الكبيرة».
وتشير توقعات الى أن مستثمرين من بلاد النفط الثرية في الخليج وروسيا والذين يزورون المنتجعات المطلة على البحر المتوسط بالقرب من مدينة أنطاليا سيستفيدون من القانون الجديد في شراء العقارات الساحلية.
وقال كورثان اتماكا المحلل في شركة اكسبريس انفست «الموجة الأولى ستفد الى المناطق السياحية ثم الى المدن الكبرى، اسطنبول ستكون الهدف الأول».
وأضاف «ان حصلنا على درجة التصنيف الاستثماري أعتقد أن كل الصناديق الكبيرة ستأتي أيضا الى السوق العقارية»، وقالت وكالة فيتش انها سترفع تصنيف تركيا الى درجة التصنيف الاستثماري خلال 18 شهرا ان أحرزت أنقرة تقدما على صعيد خفض العجز المرتفع في حساب المعاملات الجارية.
وذلك يمهد الطريق أمام صنادق التأمين والتقاعد وصناديق الثروة السيادية العالمية الحريصة على بدائل لأدوات دين باتت تقدم أداء سلبيا في أسواق كألمانيا، للاستثمار في أصول تركية عالية الجودة مثل العقار.
لكن تهافت صناديق الاستثمار على تركيا ليس مضمونا على أي حال، فشركة مثل بيكسايد كابيتال ومقرها سويسرا والتي تدير صندوقين عقاريين في تركيا وأوروبا ترى فرصا استثمارية أكبر في أسواق أخرى.
وتقول زينب فتوجي مدير تطوير الأعمال بالشركة المتخصصة في ادارة الاستثمارات والتي باعها بنك اوف اميركا ميريل لينش عام 2010 انها ليست وردية كما يقول الناس.
وتشير فتوجي الى شح السيولة في سوق العقار وفجوات الأسعار اللاحقة بسبب غياب الصفقات الكبيرة ومخاطر الاستثمار في اقتصاد ناشئ، وتضيف «أعتقد أن تركيا سوق جذابة في المدى الطويل بالتأكيد، لكن لا أتوقع أن ينفتح الباب على مصراعيه فجأة ويفد كثير من المستثمرين المؤسسيين الى هنا».
وتتطلع شركة فارياب التي تخطط لطرح عام أولي العام المقبل الى آسيا كمصدر جديد للمشترين الأجانب وتستهدف بيع 20% للأجانب في مجمع فاخر آخر تطوره بالقرب من فندق فارياب ميريديان في اسطنبول.
ويقول فارليباس الرئيس التنفيذي للشركة «اسطنبول لم تصبح لندن بعد والطريق أمامها طويل، لكن بها من الامكانيات الكثير».