- التنمر أحد الدوافع الرئيسية للانتحار بين الشباب بأنحاء العالم والحاجة ماسة لتعزيز السياسات والإجراءات للحدّ من هذه الظاهرة
- أغلب المنتحرين في الكويت من العمالة المنزلية وغالباً الآسيوية منها ونسبة الكويتيين تصل إلى 7% وغالباً ما تكون الأسباب مادية
- التدين مصدر للأمل والثقة يقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب في أوقات التوتر المتصاعد ويسهل التعافي ويقلل مخاطر الانتحار
- الاكتئاب وفقدان الأمل واضطرابات الشخصية والأمراض العقلية واضطرابات الأكل والفصام وغياب الوازع الديني أهم دوافع الانتحار
إعداد الكاتبة شذى الفوزان
الانتحار تلك الرواية التي لم يكتب العلم نهاية فصولها بعد، ومع ذلك فإنها تحصد أرواح مئات الآلاف حول العالم كل عام، ولكن العجب أنها باتت تطرق أبواب مجتمعاتنا بقوة حيث سجلت الكويت نقلا عن إحصاءات رسمية 120 حالة انتحار بين شهري يناير ونوفمبر من العام 2021، ما يعني وقوع حوالي 12 حالة انتحار شهريا في البلاد، وهو يزيد عن معدل الانتحار بالبلاد عام 2020 والذي سجل نحو 90 حالة انتحار. وهو ما يمثل جرس إنذار على إقدام الكثيرين على إزهاق أرواحهم.
وبحسب موقع منظمة الصحة العالمية على شبكة الإنترنت في تقرير لها منشور في يونيو 2021 فإنه ينتحر كل عام أكثر من 700 ألف شخص، وبذلك يعد الانتحار هو رابع سبب للوفاة عالميا.
فيما احتلت كل من مصر والمغرب وتونس والجزائر المراتب الأولى في الانتحار على مستوى العالم العربي في حين تأتي دول الخليج العربي في ذيل القائمة.
فما الأسباب العلمية للانتحار وما طبيعة الحالات التي ظهرت مؤخرا بالكويت؟ وهل يجب أن يقلق المجتمع بالفعل أم أنها حالات عابرة لا تمثل ظاهرة متجذرة بالمجتمع؟
الوازع الديني.. مصدر للأمل والثقة
يعتبر غياب الوازع الديني المتوازن سببا رئيسا من أسباب الانتحار، ذلك الوازع الذي يوازن بين الخوف والرجاء، والأمل والذنب، فقد أثبتت دراسة نشرتها مجلة Oxford University press أن التدين إذا كان مصدرا للأمل والثقة، فإنه يقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب في أوقات التوتر المتصاعد، ويسهل التعافي، ويقلل من مخاطر الانتحار، بينما لو كان التدين يدفع الإنسان إلى تغليب جانب الخوف والشعور بالذنب والمحاسبة الشديدة التي أحيانا قد تقنط الإنسان من رحمة الله، فإنه قد تكون فيه تأثيرات معاكسة. الوازع الديني يدفع الإنسان إلى التوازن، بين الدنيا والآخرة، التوازن بين الذات والترابط الاجتماعي، التوازن بين بذل الأسباب والثقة بالله والتوكل عليه، وهذا يجعل الإنسان أقل احباطا وتشاؤما وأكثر صبرا واحتسابا. لذا فتقوية الوازع الديني مسؤولية عدة جهات يأتي على رأسها ومقدمتها الأسرة والوالدين والمدرسة والمسجد والجامعات والمدارس ومؤسسات الدولة.
التنمر والانتحار
ضجت الكويت خلال شهر ديسمبر بحادث الفتاة التي تبلغ من العمر 15 عاما والتي أقدمت على الانتحار في منطقة الفنطاس جراء تعرضها للتنمر من زميلاتها في المدرسة ما جعلها تلقي بنفسها من الطابق الـ14 لتفارق الحياة على الفور.
وهو ما يؤكد أن التنمر جريمة يجب أن يحاسب عليها كل من يجرؤ على القيام بهذا الفعل الذي لا يمكن السكوت عنه، خصوصا بعد ارتفاع أعداد ضحايا الانتحار حول العالم بسببه.
ويعتبر التنمر من الدوافع الرئيسية للانتحار بين الشباب في جميع أنحاء العالم، بحيث يرتبط التنمر –بقوة- بمحاولات الانتحار، وذلك وفقا لصحيفة «الإندبيندنت» البريطانية مايو 2020.
وقالت الدراسة - التي نشرتها الصحيفة - إن هناك حاجة إلى تعزيز السياسات والإجراءات للحد من ظاهرة التنمر، من أجل معالجة السلوكيات الانتحارية بين الشباب.
وبحسب تقارير إعلامية، فإن هناك 800 ألف شخص ينتحرون كل عام في العالم، ويحتل الانتحار المرتبة الثانية في أسباب الوفاة خاصة للشباب، أما انتحار الأطفال فقد وصل إلى 220 ألف حالة سنويا.
الأسباب العلمية للانتحار وحالات الكويت
من الطبيعي أن يكون لعلم النفس رؤية نافذة في انتشار ظاهرة الانتحار، يقول د.بسام البطحي استشاري طب العائلة والمرشد والنفسي إن الأسباب التي تجعل الفرد راغبا في ترك الحياة وتفضيل الموت عديدة وأبرزها الاكتئاب الذي يشكل السبب لنصف حالات الانتحار حول العالم، حيث يتسبب الاكتئاب في ألم عاطفي شديد وفقدان للأمل يدفعان للتخلص من الحياة، والسبب الثاني هو اضطرابات الشخصية مثل الشخصية الحدية فـ80% من أصحاب هذه الشخصية لديهم ميول انتحارية بحسب د.بسام. ويأتي بعده في الأمراض العقلية: الاكتئاب ثنائي القطب Bipolar Disorder، واضطرابات الأكل Eating Disorders، والفصام. هذا فضلا عن غياب الوازع الديني الذي يمثل حائط صد قويا لدى الفرد في مواجهة الأفكار الهدامة مثل اليأس والإحباط وغير ذلك.
وفيما يخص حالات الانتحار التي وقعت مؤخرا في مجتمعنا فإن الأسباب هي ذاتها الأسباب العلمية التي ذكرناها ولكن في الكويت بالتحديد، حسب قراءاتي، أغلب المنتحرين بالكويت، هم من العمالة المنزلية، وغالبا الأسيوية، ونسبة الكويتيين قليلة تصل إلى 7%، وغالبا ما تكون أسبابهم مادية، أو الشعور بالظلم والقهر، مما يؤدي بهم إلى الإحباط والشعور بالاكتئاب الشديد، ثم التخلص من هذه الحياة، بطريقة لا توافق الشرع ولا القانون.
وهنا يجدر الذكر أن من الأسباب التي تساعد على الانتحار الآن، الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي فعندما يسلط الإعلام ويركز على مكان محدد للانتحار (كجسر أو منطقة)، يتركز لا شعوريا لدى الناس أن هذا المكان هو المخلص لمعاناتك وآلامك.
علم الاجتماع والانتحار
يرى دوركايم أن أسباب الانتحار هي أسباب اجتماعية، وكلما زاد ارتباط الشخص بمجتمعه تكون هيمنة العقل الجمعي على الأشخاص قوية، يقل الانتحار وعلى العكس من ذلك كلما ضعف تأثير المؤسسات المختلفة في المجتمع قلت سيطرة المجتمع على الأشخاص.
وقد قسم دوركايم الانتحار إلى ثلاثة أنواع:
الانتحار الأنومي: هو صورة عن المجتمع الحديث، إذ عندما يحدث خلل في ضوابط الحياة الاجتماعية كالأزمات والحروب، فإن ذلك يؤدي إلى تدهور المجتمع.
الانتحار الأناني: يحدث عند الفرد الذي يفقد الأمل في الاستمرار في الحياة وذلك بسب التفكك الأسري أو السياسي أو الديني، وهذا النوع يحدث عادة لأصحاب الآراء الدينية المتطرفة وحالات الطلاق.
الانتحار الغيري: يحدث في المجتمعات ذات العادات والتقاليد القوية فمثلا لحماية الشرف أو افتداء نفسه لغرض معين أو لحبه للظهور.
هل يجب أن نقلق؟
المجتمع الكويتي يخضع بشكل عام للسنن الاجتماعية وقواعد التطور المعهودة لدى المجتمعات كافة، لذلك فإن ظاهرة الانتحار تشير إلى حدوث مستجدات طرأت على المجتمع، ومن هنا فإن المطلوب هو القلق الإيجابي الذي يدفع نحو الحلول العلمية والعملية، وذلك بأن نخطو الخطوة الأولى نحو الدراسة المعمقة لهذه الظاهرة والبحث الوافي حول مكونات المجتمع ومدى تغيرها في السنوات الأخيرة ومدى تأثرها بالمستجدات العالمية والإقليمية على المستوى الصحي والاقتصادي والسياسي. نعم وجود 121 حالة انتحار خلال 11 شهرا ليس بالأمر الهين، نعم يجب أن نقلق ولكن قلقا يأخذنا نحو الحلول العملية قلقا يجعلنا نعود لمكونات المجتمع وتشريحها والتعرف على احتياجاتها وكيفية توفير هذه الاحتياجات.
حلول عملية
في دراسة قدمتها منظمة الصحة العالمية تحت عنوان «الوقاية من الانتحار ضرورة عالمية» أكدت المنظمة أن الوقاية من الانتحار تحتاج إلى التنسيق والتعاون بين قطاعات متعددة في المجتمع، القطاعين العام والخاص على حد سواء، بما في ذلك القطاعات الصحية وغير الصحية مثل التعليم والعمل والأعمال التجارية والعدل، والقانون، والدفاع والسياسة والإعلام، ويجب أن تكون هذه الجهود شاملة ومتآزرة نظرا لأنه لا يوجد نهج واحد يمكن أن يؤثر وحده على مشكلة معقدة مثل الانتحار.
وعلى مستوى المجتمع الكويتي يجب أن نقف عند المشكلات الطارئة على مكونات المجتمع، مثل تلك التي تواجه الشباب من خطورة المخدرات والإدمان عليها وسوء الصحبة والفراغ الذي يدفع نحو الانحراف، فالعودة للاهتمام بهذه المشكلات هو واجب المرحلة على كل الجهات المعينة بالأمر، وكدلك تلك المشكلات التي استجدت على واقع الوافد حيث شاهدنا حالات انتحار عديدة بين الوافدين، يجب أن نقف عند واقع هؤلاء الوافدين على مستوى العمل والمستوى المالي ومدى تأثرهم بالمستجدات من حولنا حتى نكون حائط صد وحتى نكون سابقين بخطوات قبل وقوع الكارثة.
وأخيرا، كلمة لكل من يفكر في الانتحار مواطنا كان أو وافدا: الحياة هدية من الله ومن ذا الذي يرد هدية الله؟!
الانتحار برؤية الأجهزة الأمنية
يرى اللواء متقاعد حمد السريع والمتخصص بالشأن الأمني الكويتي أن النظرة الأمنية ترجح أن الأسباب الرئيسة لانتحار الوافد في الكويت تتعلق بالضائقة المالية التي عاشها الكثير لانقطاع الرواتب بسبب توقف الأعمال مع وجود ضغط كبير تتعرض له أسرة هذا الوافد في بلده نتيجة التهديدات لأن غالبيتهم يقترض المال من أشخاص متنفذين داخل بلدهم وكانوا ملتزمين بالسداد وعندما انقطع الدفع تعرضت أسرهم للتهديد مع عجزهم مما دفعهم للانتحار.
أما بالنسبة للمواطنين فإننا نلاحظ أن هناك سببين رئيسيين يدفعان الشخص للانتحار وهو تعاطي المخدرات خاصة تلك المخدرات سريعة التأثير على الجهاز العصبي من خلال تركيز طاقة قوية تجعل المتعاطي يسعى جاهدا لتفريغها بالعنف وحينما يعجز عن تفريغ تلك الطاقة يتجه إلى إلقاء نفسه من الأعلى لتزهق روحه. أما السبب الأخطر وهو الأكثر تأثيرا في الوقوع تحت سيطرة الألعاب التلفزيونية وخاصة لعبة (الحوت الأزرق) والتي دفعت ببعض الشباب إلى الانتحار.
من هنا ينبغي على الدولة توفير أماكن للشباب الكويتي لتفريق طاقاتهم في أنشطة ترفيهية ورياضية كما يرى اللواء حمد.
كيف يتعامل علم النفس مع الرغبة في الانتحار؟
يوضح د.بسام البطحي استشاري طب العائلة والمرشد والنفسي أن المختص النفسي يحدد أولا نوع الاضطراب النفسي الذي يعاني منه الشخص، كما يحدد شدة المرض، ثم لابد للمختص أيضا أن يقيم خطر الانتحار أو درجة خطر الانتحار، من خلال استبيان عملي مدروس، يحتوي على عدة نقاط، منها الجنس (فهو يكون أخطر عند الرجال بنسبة 80%) والعمر (غالبا بين 19 و35 بنسبة 60%)، والأمراض النفسية، ومحاولات الانتحار السابقة، وعلى أساس هذا التقييم يتم تحديد التدخل، ما إذا كان سريعا او بطيئا. فالتدخل البطيء يكون عن طريق العلاج الدوائي والإرشادي، والتدخل السريع يكون عن طريق تحويل هذا المريض إلى طوارئ مركز الصحة النفسية لحماية هذا الإنسان وحماية الآخرين.
ويقول د. بسام إن وزارة الصحة الآن متمثلة بلجنة الصحة النفسية، وفرت في محافظات الكويت كلها، مراكز صحة نفسية موزعة في المستوصفات، فيها مختصون ومدربون على الصحة النفسية، يقومون باكتشاف مثل هذه الحالات وعلاجها عن طريق علاج الاضطرابات النفسية الشائعة قبل تطورها ووصولها لهذه النهاية المؤلمة.